جزيرة العرب تعود إلى … الصحراء؟!
} د. وفيق إبراهيم
الصحراء هي معظم مساحات الخليج بشكل دائم، لكن اكتشاف النفط والغاز فيها منذ النصف الأول من القرن العشرين أتاح تأسيس دول بين رمالها للمرة الأولى في تاريخ هذه المنطقة.
أما العنصر الذي دعم ولادة بلدانها فهو ظهور النفط في أعماق أراضيها بكميات هائلة حوّلت بعض رمالها إلى ناطحات سحاب ومرافئ وملايين من العمال الأجانب وفدوا إليها لتلبية نقل الذهب الأسود إلى الاقتصاد الغربي، فأصبحت هذه الدول أقرب إلى شركات، تقودها أنماط سياسية قبلية قديمة، لا تزال حتى اليوم تمنع الحداثة من اختراق الصحراء، لكنها تسمح بتحديث خارجي ينطلق على متن ناقة. فما الذي يحدث حتى تسري معلومات بأن الخليج عائد إلى صحرائه التاريخية؟
تجزم معلومات غربيّة بأن النفط الخليجي وصل إلى أرذل العمر ولم يتبقَ له إلا خمس عشرة سنة لاستنفاد كامل احتياطاته.
هذا يعني أن الاستنفاد التدريجي للاحتياطات بالتلازم مع خفض حالي كبير في الإنتاج والأسعار على السواء.
علماً أن هذه البلدان لا تفعل شيئاً هاماً إلا إنتاج النفط، هذا يعني أن المدة القصوى للعمر المتبقي لهذه الشركات لن يزيد عن خمسة وعشرين عاماً.
فهل لدى هذه البلدان ما يبقيها على خريطة العالم؟
لا تمتلك هذه الدول أراضي خصبة ومياهاً كافية للزراعة وحتى للشرب، والدليل أنها تستورد مياها ً من أوروبا والشرق الأوسط وتحلّي مياه البحر، أما إمكاناتها التصنيعية فليست أكثر من تسهيل تجميل منتجات لشركات أجنبية أو بعض الإنتاج المحلي الخفيف للزوم الوجاهة والادعاء، فكلفته أعلى من سعر بيعه، وهذا يكشف أسباب إنتاجه محلياً.
كما أن العمالة في الخليج هي أجنبية بشكل كامل، لأن الخليجيين يقبعون ساعات عدة في مكاتب لا تنتج شيئاً ويتقاضون رواتب تدخل في إطار توفير الولاءات السياسية للدولة بطرق غير مباشرة.
ما يؤكد على هذا الوضع، وجود إجماع غربي أميركي وروسي – صيني وعالمي أن دول الخليج تعيش من ريع النفط فقط، وإذا فقدته فإنها تدخل في طور التراجع التدريجي حتى الاضمحلال فالانحلال الكبير.
هنا ترفد العلوم السياسية هذا التحليل لتقدم براهين من التاريخ.
فقبل الإسلام كانت هناك دول في منطقة الشرق تنتشر مع اتساع كميات المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة والمنافذ البحرية أو النهرية.
مصر وسورية والعراق وإيران والدولة البيزنطية التي التهمها الأتراك الوافدون من تركمانستان وهضبة منغوليا واليمن. هذه مناطق احتوت على دول قبل ظهور الإسلام وانتشاره، أما جزيرة العرب فإنها اتسمت بقبائل مرتحلة كانت تتقاتل على موارد المياه والبلح ولم تستقر في أمكنة لمدة طويلة.
هناك بعض الاستثناءات التي ظهرت إنما خارج شبه الجزيرة، فالفرس مثلاً دعموا دولة صغيرة «للمناذرة» في جنوب العراق لعبت دور حاجز أمام التقدم الروماني – البيزنطي، كما أن هؤلاء الروم أسسوا دولة عربية «للغساسنة» في نواحي حوران لمنع التقدم الفارسي، من دون أن ننسى مملكة تدمر للأنباط في قلب الجزيرة السورية.
لكنها محاولات غير عربية بنتها القوات التي كانت تحتل الشرق آنذاك بواجهات قبلية عربية.
هذا يستدعي الإجابة عن تساؤل ضخم وهو أن شبه الجزيرة العربية إلى أين؟
منطقياً يجزم العلم أنها راحلة نحو السقوط الأخير للغياب التدريجي للمواد الأساسية لاستقرار الدول، خصوصاً أن الداعم الاستراتيجي الذي لا يزال يغطيها منذ الدخول الأميركي إلى الخليج في 1945، هم الأميركيون وهؤلاء لا يتعاملون بأسلوب العواطف والولاءات وما يعنيهم هو الأهمية الاقتصادية لهذه الدول المحميّة وأهميّة موقعها في مجابهة إيران.
لذلك فإن دول الخليج لن تتمكن من الاستمرار استناداً إلى إمكاناتها الصرفة، وليس لديها إلا خطة وحيدة، تقوم على إيقاف حروبها على اليمن والعراق وسورية والتشجيع على خطة تكاملية المستوى الاقتصادي فقط، تؤسس بالإمكانات الطبيعية المتوفرة في الهلال الخصيب وما تبقى من ثروات خليجية مطمورة في باطن الأرض ومستثمرة في مصارف الغرب وموازناته، هذان العاملان كفيلان بتحقيق نهضتين زراعية واقتصادية تؤمن فوراً استقراراً سياسياً كبيراً لهذه المنطقة.
إن هذا التعاون المفترض يمكن أن يقوم على احترام متبادل على مستوى الأنظمة السياسية، مؤسساً لنهضة صناعية يحتاجها هذا الشرق لاستمرار معادلاته السياسية، فامتلاك القدرة على إنتاج الغذاء ومواد الاستهلاك هي الخطوة الأساسية لحماية شعوب المنطقة وربما معادلاتها السياسية أيضاً. فهناك الكثير من الأنظمة الملكية في العالم الشديد التطور على منوال إنجلترا وإسبانيا والسويد وحتى ماليزيا واليابان. هذه البلدان لم تمنعها أنظمتها الملكية من الالتزام بأنظمة سياسية – اقتصادية متقدمة جداً تفصل بين ملكيات تملك ولا تحكم، وبين مستويات ديمقراطية تنتخب ممثليها في مجالس نواب هذه الممالك ووزرائها في الحكومات.
المشكلة هنا، إن مستويات الإدراك التاريخي لحكام الجزيرة من آل سعود وزايد وثاني والصباح وقابوس لم تصل إلى مرحلة استيعاب تطور تاريخي، ولا تؤمن إلا أن مواطنيها هم مجرد رعايا تابعين لها في الشراء والضراء.
لذلك فإن مستقبل دول جزيرة العرب مرتبط بقدرة حكامها على التمرد على الهيمنة الأميركية أو إذا نجح شعبها في إنهاء هذا النوع من الديكتاتوريات.
ولا قدرة لعرب الجزيرة على الاستمرار السياسي إلا بالانفتاح على المدى العراقي – السوري، والالتقاء باليمن بقسميه الشمالي والجنوبي، فيحدث تكامل اقتصادي مطلوب ومنشود يدعم العامل الجيوسياسي لشبه الجزيرة محولاً صحاريها المقفرة إلى أماكن صالحة للعيش ترفض أن تكون مجرد آلية للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي وتعمل على التحاق الجزيرة العربية بالقرن الحادي والعشرين.