أخيرة

نظريّة الصدمة…

 

 د. عصام الحسيني

في كتاب عقيدة الصدمة، للكاتبة الأميركية نعومي كلاين المستشارة السابقة لجهاز الاستخبارات الأميركية، شرح لنظرية الصدمة التي تبنّاها العديد من علماء أميركا، والتي تتمحور حول:

خلق أزمات عميقة اقتصادية وسياسية لمجتمع ما، تعمل على تغييب وعي الجماعة، وتصبح عاجزة عن فهم وإدراك ما يدور حولها، ولماذا يدور، ولا يلوح في الأفق أيّ حلول تخرجها من الواقع المرير، حينها يدخل المجتمع في الصدمة، ويصبح مستعداً لقبول حلول خارجية جاهزة، كان من المستحيل أن يقبلها سابقاً.

رائد هذه النظرية الدكتور في علم النفس الكندي دونالد كآمرون، والدكتور في الاقتصاد الأميركي ميلتون فردمان.

موّلت الاستخبارات الأميركية مشاريع أبحاثهم من زمن الرئيس نيكسون، وطوّرتها وخاصة في سجونها حول العالم، مثل سجن أبو غريب وغوانتانامو.

طبّقت هذه النظرية على بلدان عدة في العالم مثل:

دول في أميركا اللاتينية، روسيا، والعراق.

وفي مقاربة موضوعية حول الواقع اللبناني المأزوم في السياسة والاقتصاد، نستنتج التالي:

أفي الوضع المالي، انخفضت قيمة العملة اللبنانية إلى مستوى غير مسبوق، انعكس على الوضع الاقتصادي، وسبب أزمة معيشية خانقة، على مستوى معظم طبقات الشعب.

باهتزاز الثقة بكل النظام المالي والسياسي، وتحميله مسؤولية الأزمة الاجتماعية، لكونه المعني المباشر عن المعالجة الرسمية للأزمة.

جلا توجد مرجعيّة تعطي تفسيراً مقنعاً حول جوهر وطبيعة الأزمة، مما يسبّب ضياع المسؤولية والمسؤول.

فهل جوهر الأزمة داخلي أم خارجي؟ وما هي النسب؟ وما هي الحلول؟

لا إجابة.

كلّ هذه المقدّمات توصل إلى تشتت وعي المجتمع، حتى يصبح عاجزاً عن فهم وإدراك واقعه بفعل الوجع، حيث الجوع والحاجة تبطل لغة العقل، خاصة في عدم وجود حلول منظورة.

من هنا يدخل المجتمع في حالة صدمة، ويصبح مستعداً للقبول بأيّ حلول تُخرجه من محنته، حتى ولو كانت حلولاً مرفوضة في زمن سابق.

والصدمة من المنظار الاستعماري، هي المدخل إلى استلاب وعي الشعوب، وصنع وعي آخر خارج إطار ذكريات الماضي وإدراك الحاضر.

إنّ المجتمعات التي تتعرّض للمشكلات الاقتصاديّة والسياسيّة، ولا تملك القدرة على النهوض والتعافي، تسقط حتماً في يد الاستعمار المقنع.

فهل دخل مجتمعنا في حالة الصدمة، مقدمة للقبول بحلول تخرجنا من أزمة مستعصية؟

وما هي هذه الحلول؟

هل هي القبول بترسيم حدودنا البحرية لمصلحة العدو الصهيوني، حيث رفض لبنان الرسمي الخطة الأميركية السابقة، حفاظاً على سيادته الوطنية، وعلى حقوقه الطبيعية المكتسبة؟

أم هل هي الضغط على المقاومة لتسليم سلاحها، السلاح الذي حرر لبنان من الاحتلال الصهيوني، وأسقط نظرية تفوق الجندي الإسرائيلي، وصوّر هزيمته في انسحابه عام 2000، وعدوانه عام 2006؟

 أم هي تسليم القرار الوطني الرسمي للإدارة الأميركية، عبر سفارتها في لبنان، حيث تصبح هي الدولة العميقة، مركز الحكم، ومصدر القوانين؟

 في الوقائع:

لقد حدّدت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، طبيعة الأزمة القائمة، ومسبّبها، وطريقة الحلّ.

ولمحت إلى أنّ هذا الحلّ، هو الحلّ الوحيد المتاح أمام اللبنانيين، للخروج من الأزمة المستعصية، والتي تستوجب مواجهة مع مسبّب الأزمة.

والإصغاء للسفيرة الأميركية، هو مرحلة غياب الوعي، والدخول في الصدمة، مقدمة للقبول بحلولها المنقذة، والتي لم تكن قبل الأزمة مسموحاً بها، أو حتى مسموحاً الاستماع لها.

 وبغضّ النظر عن موضوع الإشكالية الدبلوماسية، ووضع السفير القانوني، بحسب اتفاقيات فيينا للتمثيل الدبلوماسي الشكلية، وما سببه تصريح السفيرة الأميركية في لبنان من إشكالية، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية، تعتبر دولة خارج إطار القانون الدولي، بحكم قوتها الاستراتيجية، التي تعطيها القدرة على الهروب من المحاسبة، وتحوّلها في ظلّ الأحادية القطبية إلى شرطي دولي، يسنّ قانون عقوبات، يحاسب، وينفذ.

 وإذا دخلنا فعلاً في مرحلة الصدمة، فما هي الأثمان التي سندفعها؟

وهل حقا لا نملك خيارات أخرى؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى