عشائر الشرق السوريّ تتصدّى للمشاريع الأميركيّة الأخيرة!!
} د. وفيق إبراهيم
تترقب العشائر عادةً الظروف المناسبة لحركتها، لكنها لا تنسى بلادها، فتكمن وترصد بأعين مليئة بالتجارب إلى أن تجد أنّ الأوان حان.
هذا ما طبّقته العشائر السورية في شرق الفرات التي أعلنت قبل يومين مرحلة الانتقال من رصد الاحتلال الأميركيّ ومقاومته بالمقاطعة إلى مستوى مقاومة شعبيّة مسلحة أعلنت التزامها بها ودعت كل المكونات السورية إلى الالتحاق.
لكنها ركّزت على الأكراد في منظمة «قسد» «قوات سورية الديمقراطية» المتحالفين مع الأميركيين، فأسدت إليهم نصائح بالتخلّي عن مشروع الدولة الكردية في الشرق مع ضرورة الانسحاب من حلفهم مع الأميركيين. ولم تنسَ دعوتهم للعودة إلى إطار الدولة المركزية في دمشق.
ما هي أبعاد حركة العشائر في الشرق السوريّ؟
تشكل هذه العشائر غالبية السكان في المناطق الممتدة من الحدود العراقية حتى الحسكة والقامشلي بشكل يظهر فيه الحجم المحدود للأكراد، وينكشف مدى استفادة المشروع الكردي الانفصالي من الصمت السياسي السابق للعشائر.
لقد التزمت قبائل هذه المنطقة الصمت في المرحلة الماضية، لأسباب متعددة أبرزها انتشار التنظيمات الإرهابيّة وصعود الحركة الكردية والاحتلال الأميركي، ولم تكن الدولة السورية وتحالفاتها بدأوا بالهجوم المضاد الذي نجح في تحرير نحو سبعين في المئة من الأراضي السورية.
هناك عناصر أخرى تتعلق بالدورين السعودي والإماراتي اللذين نفّذا بطلب من الأميركيين محاولات مباشرة مع العشائر، تولى المهمة بموجبها وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عبدالله جبير ومعه قيادات عشائرية من السعودية والعراق، فذهبوا بمروحيات أميركية إلى شرق الفرات في محاولة للضغط على عشائرها ليتعاونوا مع الأميركيين والأكراد، وكذلك فعل مسؤولون إماراتيون ميدانياً في شرق سورية.
وسائل الإقناع تجسّدت في تقارب الأنساب بين القبائل وبين ملايين الدولارات التي وزعها السعوديون والإماراتيون على الوجهاء والأعيان المحليين. لقد أدركت هذه المكرمات أيضاً قيادات من الأقليات الأشورية والسريانية والمسيحية.
وتبّين أن انتقال الدولة السورية إلى مرحلة التحرر الذي لا يزال بعيداً حتى الآن من الشرق، مقنع وكافٍ لقيادات العشائر حتى تنتقل إلى التحرك الصارم ضد المشروع الأميركي.
ماذا يعني تحرك العشائر؟
يطلقُ أولاً مقاومة شعبية في منطقة يحاول الأميركيون فصلها عن سورية ويسرقون نفطها ويحرقون محاصيلها ويشتتون شملها. هذه المقاومة تؤدي إلى إضعاف الثقة الأميركية المفرطة التي تسمح لهم حالياً بحرية الحركة على طول آبار النفط والغاز من دير الزور حتى عمق الشرق الشمالي السوري.
لكن لحركة العشائر من الأبعاد ما لا يحصَى.
فهي أولاً حركة ضد الاحتلال الأميركي تسحب منه أحلامه بتقسيم سورية وتعطّل حركة سرقته للموارد الوطنية.
هناك جزء لا يقل أهمية ويتعلق بالأكراد الذين كانوا مع السعوديين والإماراتيين عبر إدارة أميركية، توصلوا إلى بناء آليات لجذب العشائر وذلك بتأسيس بناء سياسي وهمي يجمع الأكراد والعشائر في إطار سياسي وعسكري واحد، جاذباً بعض الأشوريين والسريان.
هذه البناءات انهارت بخطاب واحد ألقاه شيخ قبيلة «طي» دعا فيه أبناء العشائر إلى الانسحاب من هذه الآليات السياسية والعسكرية التي لا تخدم حسب قوله إلا مشروع تدمير الوطن السوري.
بذلك تكون عشائر سورية سدّدت ضربة نوعية إلى المشروع الأميركي الكبير وفرعه الكردي، ووضعت حداً للدور الإسرائيلي الداعم لـ»قسد»، وطرد التسلل السعودي الإماراتي إلى مصادرهِ.
يضاف أيضاً إصرار العشائر على جذب الأكراد نحو دمشق سياسياً، عبر التوصل إلى حلول ترضي الأكراد بإدارة موسّعة ترتكز على الولاء للوطن السوري الواحد ومن دون مواربة.
أما الدعوة إلى المقاومة الشعبية فهي من الأهمية بحيث تشكل امتداداً لانتصارات الدولة السورية في هذا العقد الأخير ونسفاً نهائياً لأوبئة الفدرالية والتقسيم والتجزئة.
إن دعوة العشائر لا تكتفي بمقاومة الأميركي ومحاولة إصلاح الكردي وطرد الإسرائيلي، بل تذهب إلى حدود التصدي للتركي الذي يستفيد من الانقسامات الاجتماعية والقبلية والسياسية ليتمسك باحتلال الغرب والشمال السوري. ضمن هذه المناخات، يمكن التأكيد على أن الدولة السورية ماضية نحو استكمال تحرير ما تبقى من أراضيها عند الأميركيين والأتراك.
وهي قادرة على منع إعادة الدفع بالتنظيمات الإرهابية إلى الشرق والبادية والشمال، لإعادة المشهد السوري إلى ما كان عليه قبل أقل من نصف عقد.
هنا أيضاً لهذه الشعائر دور في مكافحة داعش والنصرة وحراس الدين وكتائب الإخوان المسلمين، وذلك بعرقلة حركتها من الشرق إلى الشمال الغربي ونحو عمق البادية، كما يخطط الأميركيون والأتراك.
إنه إذاً عصر المقاومة الشعبية التي تؤكد على شرعية الدولة الشرعيّة التي تمثل شعبها بالانتخاب والإنجازات والدفاع عن الدولة، على عكس الأنظمة الغربية الموالية للأميركيين والتي تحكم ممالك فساد وإمارات عمالة، وتنتظر القصاص العادل من شعوب دولها التي تترقب بدورها الفرص المناسبة لإطاحتها من حركة التاريخ السويّ.