أولى

سورية والحلفاء في مواجهة قانون قيصر أيّة قرارات واستعدادات…؟*

  طارق الأحمد**

 

للبدء في تناول هذا الأمر لا بدّ أن نفهم فلسفة العقوبات على دولة كسورية وهل الموقف السياسي وحده السبب لعداء الغرب لها أم ان بنيتها التي تميل إلى الإنتاج والاستقلال الاقتصادي، هو سبب إضافي يراد ضربه من خلال العقوبات؟

هل يشكل نوع المواجهة المعتمدة سبيلاً للحلّ أم لزيادة التعقيد أو التلاقي مع العدو في مبتغاه؟ وما خطورة ذلك؟ 

لو مررنا بعجالة على العقوبات الأميركية على إيران فنرى أن أكثر ما يغيظ الغرب كله في نهجها هو تلك النزعة الاستقلالية لديها في التطوير العلمي والتقاني ليس في المجال النووي فحسب، بل يتعداه إلى كل المجالات حتى تقنيات النانو البالغة الأهمية.

سورية كانت دولة تخط الطريق أيضاً نحو الاعتماد على الذات والإنتاج في كثير من المجالات. وهي كانت تتمتع بمواصفات تنافسية في الصناعة، حيث سجلت عام 2011 أكثر من 113000 منشأة صناعية 40000 منها في حلب وحدَها.

تقوم فلسفة العقوبات الجديدة وخاصة قانون قيصر ليس على حصار سورية فحسب، لأن سورية هي أصلا تحت العقوبات والحصار الغربي، بل على معاقبة كل من لا يشترك بحصار سورية، أي خلق ماكنة جديدة من حرب اقتصادية تقوم على سد كل منافذ التنفس القائمة رسمية كانت، أم بحكم الضرورة، من قبيل توقف أسواق الخليج التي كانت تستورد الفاكهة بالخصوص ومنتجات سورية، من تلقاء ذاتها عدا عن الخوف الذي أصاب اللبنانيين والأردنيين وهم الذين هموا شعبياً بالاستعداد للتوجه إلى سورية مع أخبار تحرير ثلثي مناطقها منذ سنتين تقريباً، ولعبت السفارات الأميركية دور الشرطي الذي يتدخل حتى في أدق التفاصيل وبخاصة بعد فتح معبر نصيب مع الأردن، وما تجفيف أو سرقة أموال السوريين المودعة في الخارج إلا جزء من هذه الإجراءات.

لا بد هنا من الإشارة إلى أن آليات السوق النمطية في سورية وجوارها اي لبنان والاردن والعراق هي غربية بالكامل من حيث نوع التعاملات المصرفية وسبل فتح الاعتمادات والتحويلات وفق نظام (swiftالمالي وشركات النقل والتأمين والمواد الأساسية للزراعة والصناعة، فيتعذّر مثلاً إدخال أدوية زراعية من إيران إلى سورية لكونها غير مسجلة الخ…. والدليل ان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين منذ عام 1979 لم تفض إلا إلى علاقات اقتصادية هزيلة لا ترقى إلى مستوى معقول في كل المجالات وعلى مدى عقود من الزمن ولم يجر بتقديري أبداً مسحاً جدياً للأمر، وإذا بقي الأمر حبيس عديد اللجان الحكوميّة، فمن العجيب توقع الحصول على نتائج مغايرة باستخدام الآليات نفسها؟

الأكيد أن ذكر كلمة فرصة بجانب عنوان اللقاء هو بحدّ ذاته فرصة للحديث الشفاف وترك تقطيع الوقت في زمن لم يعُد فيه أي ترف للانتظار، فالعقوبات جدية وإمكانات التأثير حقيقيّة والسيناريو الأخطر هو التالي :

المتتبع قرارات مؤتمر بروكسل الأخيرة حول سورية يجد أنها تكاملت مع فقرة واضحة في قانون قيصر الذي يتحدّث عن عقوبات على روسيا وإيران تحديداً، ولكنها تستثني المساعدات الإنسانية لسورية التي جاءت الإجابة عنها في مؤتمر بروكسل، وبالإضافة إلى كل الحملة الإعلامية المرافقة للترويج لقيصر وبخاصة لدى المعارضة السورية في الخارج، نستدل على أن في الأمر خريطة طريق يجب عدم الاستخفاف بها، وهي ضرب كل بنى الإنتاج السورية وشل آليات السوق من خلال ارتفاع سعر الصرف وتوقف القروض التي تعني لجم بنى الإنتاج العديدة، وذلك ما بات يهدد بانهيار قطاعات صمدت كل سنوات الحرب وكانت صلبة في سورية مثل قطاع الدواجن وتربية الحيوان وقطاع الأدوية وغيرها، وذلك كله على لسان خبراء القطاعات أنفسهم.

الخطوة التالية هي إرسال المساعدات الغذائية كحصص إغاثة إلى العائلات، وهنا يبرز دور قطاع كامل من الجمعيات الخيرية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهياكل موظفيها وفرقها التطوعية بمنظمات الأمم المتحدة العاملة في سورية وتمويلها من ألمانيا والنرويج وسويسرا الخ

هذا يعني مع استمرار إغلاق المعابر مع العراق، سواء في التنف بالاحتلال الأميركي أو البوكمال بالتقاعس المرتبط مباشرة بتقلبات السياسة العراقية، فهذا سيعني إطباق تحويل السوريين إلى الارتباط بإرادة الغرب أملاً في التحكم بالحالة السياسية، ومن هنا نرى رفض وزارة الخارجية السورية قرارات بروكسل، رغم أنها تحدثت عن أكثر من 7 مليارات يورو من المساعدات بأشكال متنوعة.

ما العمل:

لا يمكن تجاوز هذه الحرب الاقتصادية وليس مجرد عقوبات بواسطة إجراءات متناثرة، بل تحتاج إلى عقد تحالف حرب مضاد يتضمن الاستعداد من كامل أركان محور المقاومة أولاً لتوصيف الأمور كما هي بلا تهوين ولا تهويل، والإقلاع عن الخوف من رد فعل الناس لأن كم الضخ الإعلامي المعارض الذي يتمكن من داخلنا بسبب غياب استراتيجية إعلامية لمحور المقاومة، يفوق بأذاه أي أذية متوقعة، ومعرفة شعبنا تفضي للقول إنه بحال المصارحة مع جدية الطرح فهو قابل لتحمل الأخطر، وتلك نتيجة خبرة سنوات الحرب الأصعب على سورية.

أولاً: تأسيس فرق عمل مشتركة مؤلفة من نخب فكرية اقتصادية مشهود لها بإيجاد سبل جديدة كلياً وتقدم حلولاً للاستفادة من إمكانيات حلفاء المحور من بيروت إلى دمشق وبغداد وطهران، وصولاً إلى موسكو وشنغهاي، ما يفضي إلى تحويل كل هذا الحصار إلى فرصة هائلة، ليس لكسر الحصار فحسب بل ولنمذجة الاقتصاد في دولنا على نوع من التكامل غير المرتهن بالغرب. وهذا الأمر سيعمل على إكسابه قوى ذاتية في الإنتاج تكفي أولاً جميع السكان لبلادنا وتتيح استغلال عديد الفرص للإنتاج الزراعي والصناعي، خاصة أن كل المؤشرات تدلّ على أن العالم بأسره مقبل على فترة من نقص الإنتاج الزراعي، كنتاج لازمتي كورونا والكساد الاقتصادي العالمي.

ثانياً: طرح فكرة الاستزراع كحالة أعلى من مجرد تشجيع الزراعة، ما يعني تحويل القدرات المادية من قبل شركات مقربة من المقاومة لتستثمر بسرعة بالتشارك مع الدولة السورية والقطاع الخاص وتؤسس لمناطق تنمية إنتاجية مكثفة يمكن أن تبدأ الإنتاج في الموسم المقبل إذا تجاوزت الروتين البيروقراطي، وذلك في الكثير من المناطق والذي سيكفي سورية ولبنان ويصدّر عديد المنتجات إلى العراق وإيران وروسيا.

ثالثاً: إعداد خطة الخروج من سطوة الدولار في تعاملات آليات السوق وهو أحد الأهداف الرئيسية التي يمكن للفرق نفسها الكفوءة والمؤمنة بهدفها إنجاز خطط لتجاوزها عن طريق إيجاد آليات تبادل سلعي يلغي هذا الارتباط الجهنمي الذي يلقي بكاهله على كل المواطنين ويحول دخولهم إلى حالة لا تكفي وبالتالي ترتبط المنظومة بشبكة أمان غذائي متكاملة تؤمن الحاجات الرئيسية وتترك غيرها لآليات السوق، لأنها ستكون قد أمنت السواد الأعظم من المواطنين.

رابعاً: وأساساً فإن فتح معبر البوكمال كما أسلفنا بالإضافة إلى الاستعداد لفتح معبر التنف يشكل الحلقة الأهم في كل شريان محور المقاومة الأبهر والذي سيعني في حال حصوله قلب كل المعادلات وإيجاد خط التبادل من بيروت إلى طهران. وهذا هو العمل الذي يمكن إجراؤه عن طريق قوافل محميّة إن تأجل الأمر أكثر.

أخيراً، يجب الابتعاد عن حالتين خطيرتين

الأولى: تأجيل أو تسويف البحث عن الآليات والحلول لأن الزمن ليس لصالحنا.

الثانية: التسليم بفكرة الإعانات الغذائية الجاهزة حتى ولو من الحلفاء لأن جوهر القضية هي ضرب البنية الإنتاجية كما أسلفنا والتي تشكل عماد المجتمع المقاوم.

 

*نص ورقة عمل قُدّمت إلى لقاء الخبراء والمحللين السياسيين المنعقد في دمشق لمجابهة إجراءات «قيصر» وحيدة الجانب.

**عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى