أولى

في عزاء «عيسى» المسلمين…

} د. عباس خامه يار *

 ظروف كورونا المدمّرة، تخطفُ أرواحَ رفاقنا الواحد تلو الآخر مؤخراً، واليوم قضى أخي الفاضل السيد عيسى رضا زاده العزيز، نحبَه بعد مرضٍ آخر ومختلف لم تطل مدّته لكنه كان صعباً. كان أحد المدراء ذوي الخبرة والتخصّص في مجال الثقافة الدولية، متديّناً، مفكراً، طيب الخلُق والسيرة.

تعود معرفتي العزيزة بهذا العبد المخلص لله إلى أكثر من خمسةٍ وثلاثين عاماً. سنوات التهاب التحوّلات البنيوية في  الداخل، والظروف الصعبة التي حتّمت ضرورة التعريف بالثقافة، الحضارة والقيم العليا للبلاد إلى العالم.

كان له دورٌ بارز في تشكيل النظام التبليغي والثقافي لبلادنا للشؤون الخارجیة، وكان طوال فترة خدمته يحمل عشق الإسلام الأصيل وأهل البيت (ع)، فكان يكدُّ معتمداً على أفكار الإمام الراحل المقرِّبة والموحِّدة والتقریبیة، وبالمعرفة العميقة بمباني الحضارة والإنجازات الفكرية الإيرانية، الأدبية والفنية منها، كان يقدّمُها للعالم مقتدراً، عاشقاً ومثابراً بما يحمله من علم وإتقانٍ للغات «الأقوام».

«عيسى» الذي كان يرى في اسمه رمزاً ودلالةً على الحوار ونقطة مشتركة بين الإسلام والمسيحية، وذلك بطريقةٍ طريفةٍ دائماً، كان يبذل جهداً كبيراً في مجال التحاور بین الأدیان، حيث كانت الدورات الثلاث التي أقامها في السمبوزيوم الدولي للإسلام والمسيحية نموذجاً، والدرس الذي قدّمه بعنوان «مقدّمة لمعرفة الإسلام» بالتعاون مع كلية الإلهيات في جامعة أثينا.

كان المرحوم رضا زاده، سواء في دوراته الإدارية في مختلف المستويات في داخل البلاد أم خلال دورة مأمورياته ممثلاً للنظام الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دول مثل تركيا واليونان والهند وحتى قبل ذلك وخلال الدراسة بصفته عضواً ناشطاً في «الجمعيات الإسلامية للطلاب الجامعيين الإيرانيين في أميركا وكندا»، كان يؤدي خدماتٍ كثيرة ويحاول دائماً تقديم خدماته الثقافية والإنسانية لمخاطبيه على أكمل وجه.

قراءاته الواسعة في مجال العلوم القرآنية، الفلسفة، التاريخ وتمتعه بذوقٍ عالٍ وإمكاناتٍ رفيعة في مجالات الفن لا سيما الرسم وصناعة الأفلام، كلّ ذلك كان يزيد من قدراته.

لقد كان من قوات جيل الثورة الأول، وبقي مخلصاً حتى آخر حياته لمُثُل الإمام الراحل والقيم الإسلامية الأصيلة.

إنّ صفات عيسى الأخلاقية وسلوكه الجدير بالثقة وإيمانه، لن تُنسى أبداً. لأنه لطالما كان يهدّئ أصدقاءه وزملاءه ورفاقه بتواضعه ووجهه البشوش الهادئ.

في السنوات الأخيرة، وقبيل ارتفاعه على التقاعد، أنا وزملائي في معاونیة العلاقات الثقافية الدولية لرابطة الثقافة كان لنا شرف الإفادة منه بصفته مستشاراً بارعاً. لم يتوانَ عن تزويدنا بزبدة تجربته خلال سنوات عمله بكلّ إخلاصٍ، وبشكلٍ منظمٍ وواضح، وبلاغةٍ ومنطقٍ استدلاليٍّ عالٍ، فكان يروي ظمأ الجميع.

كانت اجتماعاتنا تُفتتحُ بصوته الجميل وقراءته لكلام الله المجيد، وكانت تنتهي بطرائفه الغنية.

نعزي أسرة رضا زاده العزيزة لا سيما زوجته الفاضلة والمثقفة السيدة الدكتورة ناظرزاده الكرماني، أستاذة جامعة الزهراء، وكذلك أبناءه، بهذه الخسارة المحزنة.

تغمّد الله الفقید برحمته الواسعة

* المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى