نقاط على الحروف

حروب الشيطنة… وقوة المقاومة بالتنوّع واللامركزيّة

ناصر قنديل

مشاريع الشيطنة التي تستهدف المقاومة منذ سنوات هي حروب معلنة على لسان أصحابها، وتنفق في تزخيمها موازنات طائلة من مخصصات الجيش الأميركي ومشاريع الكونغرس للسياسة الخارجية إلى موازنات أجهزة مخابرات كيان الاحتلال وصناديق أموال النفط الخليجي المكرسة للترويج للسياسات، والتي صارت مكرّسة كلها لشيطنة المقاومة، بحيث يزيد ما يتم إنفاقه عبر جمعيات مجتمع مدني وتنظيمات ناشطين وكتّاب ورموز ودورات تدريب وموازنات مواقع إلكترونية وذباب إلكتروني وقنوات فضائية ومساعدات لقنوات وصحف كلياً وجزئياً، عن مئات ملايين الدولارات سنوياً، وتتنوع عناوين الشيطنة من إطلاق الشائعات إلى التحريض على الفتن المذهبية إلى اتهام المقاومة بكل ما يسيء لسمعتها، وصولاً لمحاولة تحقيق أوسع عملية غسل أدمغة تنتهي بعزل المقاومة عن بيئات مساندة، وتصل لتفكيك البيئة الحاضنة.

يؤخذ على المقاومة عدم اتباع خطة منظمة تحشد طاقات عقولها وعقول مؤيديها وتنتظم في جبهة إعلاميّة تملك روزنامة موحّدة، وتطلق شعارات ومشاريع عمل على أفكار، تتصدّى للشعارات ومشاريع العمل التي يطلقها خصوم المقاومة، بينما يشكل هذا النهج امتداداً لمفهوم الإعلام الاشتراكي الواقعي الذي ساد في مرحلة الاتحاد السوفياتي، ويعتمده اليوم خصوم المقاومة، وهم يتحدثون عن الحداثة، ويعود سبب اعتماد هذا النهج من قبل خصوم المقاومة إلى كون المنخرطين في خطتهم اقرب إلى الموظفين من أصحاب القضايا، وأقرب للأفراد من الجماعات، فالأفكار التي يحملونها رغم صخبها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تبقى في قشرة الوعي أقرب للنمّية في الصالونات، فلا تمثل رأياً سائداً في عمق وجدان شريحة صلبة في أي من المجتمعات المعنية بحروب المقاومة، يجعل هذا الرأي القضية الأولى التي تحرك جمهور هذا الشريحة وتصيغ موقعه السياسي، فقد يبلغ سقف نجاحها بأن يستسيغها جمهور ما لكنه لا يعتبرها أفكاره الوجوديّة التي يقاتل لأجلها، بينما تقع قضية المقاومة في هذه المنزلة المقرّرة والوجودية في الشرائح المقابلة.

بالحصيلة لا زالت الحرب على العقول مستمرّة رغم مرور عقدين على الأقل على انطلاقتها، أي منذ نجاح المقاومة بتحرير جنوب لبنان عام 2000، واستمرار الحرب يعني عدم تحقيقها أهدافها، ولو أمكن لأصحابها وخصومها التحدث عن نجاحات جزئيّة، إلا أن السمة الأبرز لهذه الحرب لا تزال هي الإخفاق، فقد نجحت المقاومة خلال هذين العقدين بالاحتماء وسط منظومة إعلامية شبكية متحركة، فهي أقوى كمشروع مستقبلي في صفوف شعوب فلسطين والعراق واليمن وسورية من قبل عقدين وكفكرة وسط الجمهور العريض، ولم تتراجع قوتها كفكرة في صفوف الآخرين في ساحات متعدّدة رغم المد والجزر بفعل النزاعات وتقدّم هموم الساحات وخصوصياتها، وتجذر المذهبية وتداعياتها، ورغم ما لحق بوسائل إعلام المقاومة من تضييق وعزل وعقوبات، وكان مصدر القوة في هذه المنظومة هو الخصوصيّة التي تحكم كلاً من عناصرها، ودرجة الحرية التي تحكم أداء مكوّناتها، وتحويل التمايز من نقيصة إلى فضيلة، والتخلّي عن السعي لمركزية مواجهة حرب الشيطنة، على قاعدة اعتبار اللامركزية إقراراً وقبولاً، بتحالف عريض مرن وفضفاض تحمل كل من قواه وأدواته، خصوصيتها وانتقاداتها وطلباتها، وتصغي المقاومة لها جميعها بثقة وأخوة وقدرة تحمل وصبر وملاقاة حيث يمكن، لأن المقاومة تماهت مع قناعاتها برفض مصادرة الآخرين، تحت إبطها.

تحيط بالمقاومة وسائل إعلام متنوّعة ورموز تأثير إعلامي ومعنوي متعدّدة، تبدأ من تلك التي تخاطب بيئتها المباشرة، وتشدّ عصبها وتبث الأمان في أوساطها، وتزيد منسوب ثقتها بقيادتها، وتتسع حولها لدائرة إعلام ورموز وشخصيات حلفائها المحليين والإقليميين الذين يملك كل منهم إعلامه وهويته وشخصيته وخطابه، من مروحة خطاب مسيحي يراها سنداً وجودياً في زمن التطرف، إلى خطاب حليف في بيئتها الطائفية يرى في وحدة هذه البيئة صمام أمان وبوليصة تأمين، إلى خطابات وبيئات علمانية تنظر إليها كتعبير أصيل عن حركة الشعب وتوق أحرارها، ويتشكل من حول المقاومة حضور مؤسسات إعلامية تلفزيونية وصحافية وازنة في بيئات اليسار ودعاة التغيير تخالف المقاومة في الكثير من السياسات والمحطات وتخالف بعضها بعضاً، لكنها تلتقي على عدم الاستعداد في المفاصل الحاسمة للتفريط بالمقاومة، كما يحيط بالمقاومة حضور إعلامي وسياسي قومي عربي ناصري وبعثي وإلى جانبه حضور إسلامي قريب من مناخات الأخوان المسلمين أحياناً ومن مناخات الأزهر أحياناً أخرى، يحمل الكثير من خصوصياته وتمايزاته عن بعضه وعن المقاومة وخطابها أحياناً كثيرة، لكنه حاسم في التمسّك بها كأنبل ظاهرة عربية وإسلامية معاصرة.

قوة المقاومة في مواجهة هذه الحرب الإعلامية الهادفة لشيطنتها، انها لا تواجه بجيش منظم ولا تضع خطة مركزية، فيصعب تشخيص مراكز قوتها ونقاط ضعفها، وربما يقع خصومها ببذل جهودهم على أجنحة من قوة حربها بصفتهم مشاريع قابلة للاستقطاب بسبب ظاهر الخلاف، ليكتشفوا بعد طول رهان عقم سعيهم، لكل هذا وللأصالة في قبول التنوّع، تتقبل المقاومة كل الأعراض المصاحبة لهذه اللامركزية، بما في ذلك تصرف المشاركين في حرب حماية الخيار الذي تمثله المقاومة، بصفته خيارهم هم، وتحميل المقاومة وقياداتها مسؤولية التهاون في حمايته، فتصيبها الرصاصات الصديقة، وهي تبتسم لأنها ترى الارتباك سيد الموقف في معسكر الخصوم والأعداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى