ثقافة وفنون

صوت الأنثى في ومضة « حلم البحر»
لإسراء عبوشي

} رائد محمد الحواري* 

جميل أن نقرأ ومضة سريعة تمتعنا بعالم مترع بالجمال، والأجمل أن نسمع صوت الأنثى، رغباتها/مشاعرها/لغتها، قلنا في موضع غير هذا إن الطبيعة عنصر مهدئ ويمنحنا الهدوء والسكينة، والمرأة/الرجل يمنح كلا منهما للآخر طاقة روحية تصفي المشاعر وتُجمل الحياة، تفتح «إسراء عبوشي» ومضتها:

«حين ينام البحر

لا يكفي الليل للحلم

«سيد القلب» بهدوء الأمواج

يحمل عناقيد الحب

ويقف على الرمال

إلى أن يبزغ الفجر

يأتي حاملاً طفولتي

يطلقها في رؤياي

يغرس أصابعه بماء البحر

وبخصلات شعري

فتضيء شمعة الأحلام

يأتي المساء

في صحوي ثقيلاً

وحين أغفو على ساعديه

يمر الوقت

في ركام ذاكرتي

أمس مثقوب بالقيود

وحده القادر على سدها

لتشع الأحلام

وحده القادر على جلب نوارس البحر

لتغني لي أجمل الألحان

وحده يعكس روح النجوم

بمرآة روحي

لتضيء الأيام»

إذا ما حاولنا تقطيع الومضة سنجد انفسنا كمن يعري وردة من ورقاتها، فتمسي عارية بلا جمالها، فجمالية الومضة تكمن في تناولها كوحدة واحدة.

نجد عالم البحر حاضراً من خلال «البحر، هدوء الأمواج، الرمال، يبزغ الفجر، نورس، النجوم» وعالم الحب الإنساني يحيي في هذا العالم البحري، «سيد القلب، يحمل، عناقيد الحب، حاملاً، يطلقها، أغفو، لتشع، لتغني». واللافت للنظر أن الشاعرة استخدمت صيغة المذكر: «البحر، الحلم، الموج، ينام، سيد، القلب، يحمل، عناقيد، الرمال، الفجر، حاملا، يطلقها، يغرس، اصابعه، ساعديه، الوقت، ركام، مثقوب، القيود، ـ  الفاظ سوداء ـ، الألحان، وحده» كتأكيد على أنوثة الومضة، فحتى لفظ المؤنث «طفولتي» أقرنتها بسيد القلب الذي يطلقها، وإذا ما جمعنا  طبيعة البحر والحب الإنساني:

 «يغرس أصابعه بماء البحر

وبخصلات شعري

فتضيء شمعة الأحلام

يأتي المساء»

 نكون امام حالة تعمق علاقة الإنسان بالطبيعة وأثرها عليه وفيه.

استخدام الشاعرة لحروف «الواو والياء والفاء واللام» جعل  القصيدة بنياناً متصلاً ومتكاملاً، ينظر إليه بكلية وشمولية، فرغم جمالية الأجزاء المشكلة لها، إلا أن النظر إليها بكلية يعطيها رونقاً خاصاً.

ولكن  تستوقفنا الألفاظ السوداء: «الأمواج، يغرس، ركام، مثقوب، بالقيود، ثقيلا، سدها». فهل كان للشاعرة أن تقدم ومضتها بصورة مطلقة البياض؟ أم أن مثل هذه الخطوط (السوداء) تُجمل اللوحة الشعرية؟ إن وجود بعض الألفاظ ـ المجردة ـ  سوداء/قاسية يخدم فكرة الفرح والبياض في الومضة،  لأنها تجعلنا نقارن ونجمع بين حالتين، حالة البياض وحالة السواد،  فبعد فعل «غرس» القاسي، نجد المساء والشمعة، فيكون المساء  جميلاً وممتعاً، لهذا نقول: ليس بضرورة أن يكون النص الجميل مطلق البياض، فيمكن لبعض الاسوداد/القسوة ان يمنح  النص لمسة جمالية خاصة، ما كانت لتكون دون وجود بعض الخطوط السوداء.  

*أديب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى