في الذكرى الـ 14… قراءة في عدوان تموز 2006 (3) الإعلام والحرب النفسيّة والسيد نصر الله
رامز مصطفى _
على قسوة الحرب العسكرية وضراوتها وعنفها ورهبتها، تبدو أمام الحرب الإعلامية والنفسية هي الأسهل، لسبب بسيط أن على سلاح الإعلام والحرب النفسية تترتب نتائج الحرب العسكرية نصراً أو هزيمة. من هنا فإن المقاومة وحزب الله استخدمت سلاح الإعلام والحرب النفسية بجدارة منقطعة النظير، كانت تسير جنباً إلى جنب مع إبداعات المقاومين في الميدان.
وبهدف إسكات صوت وصورة المقاومة، كانت الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة التابعة لحزب الله هدفاً لآلة العدوان الصهيوني في حرب تموز 2006. فقامت طائراته بقصف حاقد لقناة «المنار» وإذاعة «النور»، وطاردت أعمدة الإرسال على امتداد المناطق اللبنانية، في الجنوب وبيروت والجبل والبقاع والشمال. ورغم ذلك نهضت قناة المنار وإذاعة النور من تحت الركام ولم تقطع بثها ولو للحظة واحدة، وهذا ما أفقد العدو صوابه، لإدراكه أن سلاح الإعلام إحدى ركائز المعركة للانتصار بها. فهو كان يخشى أن تُنقل صور الهزيمة إلى جمهور المستوطنين داخل الكيان، والتي تدحرجت وكبُرت ككرة الثلج خلال 33 يوماً من العدوان، خصوصاً مشاهد الدبابات وهي تحترق في وادي الحجير، والبارجة ساعر وهي تحترق، والصواريخ التي لم تتوقف باتجاه فلسطين المحتلة طيلة أيام العدوان وهي تمرّ من فوق رأسه وهي متجهة إلى أهدافها.
الحرب النفسية التي خاضتها المقاومة ضد العدو وقواته المتسللة إلى لبنان كانت من أهم الركائز الاستراتيجية في التصدي للعدوان، والتي قادها مباشرة السيد نصر الله، ونجح فيها بشكل رائع ومبدع، لما تمتّع به من كاريزما في حضوره وبراعة شخصه، وقوة منطقه، وصدق كلماته، حتى أن المستوطنين الصهاينة أسموه «أبو الحرب النفسية». فالمزاج العام في الكيان يعتبر السيد نصر الله أكثر مصداقية من كافة قياداته. كيف لا وهم أي الصهاينة، ومنذ انتصار العام 2000 يدركون أن ما قاله السيد نصر الله في خطاب الانتصار في بنت جبيل عام 2000: «إنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» و «ولى زمن الهزائم»، قد فعل فعله لدرجة التشكيك في كل ما يسعى إليه قادة الكيان لتطمين الجبهة الداخلية.
ما أراد الوصول إليه سماحة السيد نصر الله من خلال إطلالاته وحربه النفسية التأكيد على ثلاثة أمور. الأول أنه كان واثقاً بالنصر، ولطالما ردّد أنني أعدكم بالنصر، لأنه يعرف حق المعرفة نوعية الرجال الذين أعدّهم والشهيد القائد المجاهد عماد مغنية. والثاني عندما خاطب أهل بيروت واللبنانيين عموماً: «أنظروا إلى البارجة في عرض البحر، كيف ستدمّر وتحترق». وتلك الرسالة البالغة الأثر التي توجه فيها إلى المقاومين في الميدان، حين خاطبهم بتواضع القائد: «أنتم بعد الله تعالى الأمل والرهان… أقبل رؤوسكم التي أعلت كلّ رأس، وأقبل أياديكم القابضة على الزناد… وأقبّل أقدامكم المنغرسة في الأرض، فلا ترتجف ولا تزول من مقامها ولو زالت الجبال… يا أخواني يا مَن أعرتم الله جماجمكم، ونظرتم إلى أقصى القوم، جوابي لكم هو شكري لكم إذ قبلتموني واحداً منكم، وأخاً لكم، لأنكم أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس ومفخرة الأمة”. أما الأمر الثالث، هو ما نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية في مقال عن شخصية السيد نصر الله، حللت فيه توغل صورته في وجدان الصهاينة، حيث قالت: «إنّ ظاهرته لم ترتبط بالوعي الجمعيّ للإسرائيليين نتيجة للحروب التي خاضها في مواجهات عدة، بل بالصورة التي راكمها عبر السنوات الماضية كشخصية ذات صدقيّة وحازمة ومتخصصة في الشأن الإسرائيليّ، لو لم تكن تلك الظاهرة مبنية على مدار سنوات طويلة في الإعلام الإسرائيلي، كشخص استطاع أن يكسب صورة الرجل الموثوق، وعن حق، أنّه اقتلع الجيش الإسرائيليّ من لبنان، وأوجد حالة ردع كبيرة جدًا في وجه «إسرائيل»، لا مثيل لها في أي دولة عربية محاذية لـ»إسرائيل»». وأضافت الصحيفة: «استطاع نصر الله، للمرّة الأولى، كقائدِ عربيِّ، أنْ يكسر الصورة النمطية للقادة العرب، فهو لا يثرثر، ولا يكذب، ودقيق في كلامه وأهل للثقة». كاشفة الصحيفة النقاب عن أنه نتيجة لهذه الحقيقة: «قررت سلطات البث الإعلاميّ في «إسرائيل» أنْ تتعامل مع خطابات نصر الله باعتبارها سلاحاً فعلياً وحقيقياً ضد «إسرائيل». وهذه الحقيقة غير الخافية على الأمين العام لحزب الله، هي التي دفعته إلى القول إنّ الإسرائيليين يصدّقونه أكثر ممّا يصدقون قادتهم، والتشديد على أنّ «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت».
بدوره أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة بئر السبع الدكتور أودي ليبل، وفي بحث علميّ عن «العلاقة بين الإعلام والجيش في حرب لبنان الثانية»، توصّل لنتيجة قاتمة للغاية حول الدعاية في الكيان: «لقد وصلنا إلى وضعٍ من الجنون، فعوضاً عن قيام جمهورنا بالاستماع إلى الناطق الرسمي حول مجريات حرب لبنان الثانية صيف 2006، فإنّه توجّه إلى ألّد الأعداء، أي زعيم حزب الله حسن نصر الله، لكي يعرف ماذا يدور في أرض المعركة، وهذا العدو هو الذي كنّا وما زلنا نحاربه». مضيفاً: «لا يختلف عاقلان في أنّ الأمين العام لحزب الله، قد حفر عميقاً في الوعي الإسرائيلي، لا لأنه الشخص الذي يقف على رأس الجهة التي تمثل التهديد الاستراتيجي الثاني بعد إيران فحسب، بل أيضاً باعتباره رمزاً للمصداقية والمعرفة العميقة بمجتمعها وعسكرها وسياسييها».
*كاتب فسطيني