لكي نكون أحراراً لا أتباعاً.. وأيدينا ملطّخة بالطائفيّة
} غدير حمية
أن تهتف «لإسقاط النظام»… أن تصرخ بوجه الجوع والحرمان وسلب الحقوق.. أن ترفض الأمر الواقع وتنادي بالتغيير.. فهذه مظاهر تثير النشوة في القلوب المزدحمة بالبؤس والفقر والظلم.. لكنها في لبنان لا تتعدّى كونها مظاهر وصوراً تتفاوت بين شخص وآخر بحسب عمق اطلاعه الثقافي وحب ظهوره.
أمّا الواقع فمختلف تماماً، اللبنانيون بمعظمهم يتزاحمون لتقديم الولاء لقائدهم الطائفي.. وهم لا يعرفون عن الثورة إلا الاسم، وما يردّدونه من أغان ثورية من الزمن الجميل، ما هي إلا لغرض الرقص الذي يعتبر رياضة جميلة في عصر السمنة الناتجة عن الـ «جانك فود»… بعد ذلك لا تحلو القهوة سوى في محلات «ستاربكس» المجاورة للبحر للاستمتاع بما تبقى منه مع رشة من تحليلات سياسية اشتهر بها اللبناني – السياسي منذ نعومة أظفاره، وخطابات بالية لا تسمن ولا تغني من جوع..
ما نراه من يوميات «ثورة» ليس سوى صراخ ورقص على وقع التكسير والتخريب، وفي ظنّ من يعتبرون أنفسهم ثواراً بأن هكذا تكون الثورة.. إلا أنهم فعلياً لا يعلمون من ثقافة الثورة سوى ذيلها…
انتبه أيها «الثوري» المزعوم… الثورة ليست مجرد مظاهر وبعض من صور وقصاصات، ليست خربشات على الجدران وبضع كلمات على شاكلة «ثورة، تغيير، غضب»..
أيها «الثوري» المزعوم، لا يحق لك بعد كلّ ما ارتكبته بحق وطنك من تعديات أن تنادي بالحرية والتغيير وتسعى لقلب الطاولة تحت شعار «ثورة»، لأنك وحدك من قلب الطاولة على رأسك ورأس مواطنيك يوم فضلت قائد طائفتك على مواطنك الكفوء.
لا يمكن للبنانيين أن يستمرّوا على هذا المنوال دائماً، لا يمكنهم أن يلوموا الدولة عند كلّ كبيرة وصغيرة… لا يمكن دائماً التلطّي خلف المظلومية، فالمسؤولون الفعليون عن كلّ ما يصيب الشعب من ظلم وقهر وحرمان هم الطائفيون المحتضنون من رعاياهم.
لا تندهشوا أبداً، فالتجار يعتمدون مبدأ الاحتكار ويتلاعبون بلقمة عيش الناس. الصرافون يحتكرون السيولة.. أصحاب محطات الوقود يحتكرون البنزين والمازوت.. الموزعون يحتكرون قمحاً وسكراً ومواد غذائية وحليب أطفال.. حتى أنّ البعض إذا أمكنه أن يحتكر الهواء لفعل.. إنّ هؤلاء ليسوا عبيد الطائفة والمذهب فحسب، بل هم عبيد جيوبهم أيضاً..
ما هي الدولة؟ هي عبارة عن سلطة وشعب وأرض.. أما السلطة فلها ناسها الذين وصلوا إليها بالدم والكذب والسرقة. وأما الشعب فهو ميت سريرياً يعاني حالة مرضية مستفحلة، يولد طائفياً ويفكر طائفياً ويتصرف طائفياً ويتزوج طائفياً ويموت طائفياً. وأما الأرض فيسرقها الجميع سلطة وشعباً باسم الطائفية. وماذا تبقى؟ بلد في الهاوية…
اليوم، عندما تطوّقنا كورونا ويحجمنا الفساد وتصبح الوظيفة حلماً من أحلام ليلنا ويحاصرنا المحتكرون، عندما لا نستطيع تأمين قوتنا وعيالنا، عندما لا نقدر على إطعام رضيعنا، عندما نعيش في الظلّ والعتم دائماً، عندما لا يكون لنا لا حول ولا قوة سيجتاحنا الجوع والفقر.
ما علينا القيام به كي لا نموت من الجوع، هو أن نتحرّر من قيود الطائفية، أن نتعلم كيف نكون ثواراً لا أن ندّعي الثورة. وأن نكون أحراراً لا أن نكون أتباعاً… أيدينا ملطخة بالطائفية.