الوطن

السماء السوريّة جزء من التصعيد في بحر الصين!

} د. وفيق إبراهيم

مصلحة رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بدفع الشرق الاوسط الى حرب واسعة تشكل بعداً بسيطاً من الأهداف الحقيقية.

هنا يجب الربط تلقائياً بين محاولات لاستنهاض القوى اللبنانية المحسوبة على الغرب وبين الغارات الإسرائيلية على سورية واعتراض طائرة مدنية إيرانية في أجوائها والدفع الأميركي نحو تأجيج التباينات الداخلية في العراق والحرائق الكبيرة والغامضة في إيران، وتكثيف قصف اليمن، وإعادة تجميع الإرهاب الداعشي.

هذه المعطيات لا يمكن فصلها عن التوتر الشديد الخطورة في بحر الصين الجنوبيّ وإيقاع عقوبات على سياسييها وإقفال واحدة من قنصلياتها وإيقاع عقوبات على سلعها وحركة الانتقال منها وإليها.

قد يظنّ البعض ان هذه المؤشرات عادية في السياسة الأميركية وتحديداً مرحلة رئيسها الحالي ترامب المتسم بالانفعال والضرب من دون تمييز في كل الاتجاهات.

لكن ترامب له فقط خصوصية سلوكية في التعبير عن سياسة الدولة الأميركية العميقة، ولا يمكنه الخروج عن محتواها.

ماذا يجري اذاً؟

هناك حدثان تاريخيّان انبثقا بعد تمهيد طويل وهما إعلان الحلف التاريخي بين الصين وإيران بنظام تبادل قيمته 600 مليار دولار بمدة 25 عاماً.

وميزته انه يسدّدرفسة مدوّيةلآخر ما تبقى من نفوذ أميركي عالمي، خصوصاً على مستوى اختراق الحصار الأميركي المنصوب على إيران بالاستيراد الصيني لكل أنواع المشتقات النفطية من طهران.

وتلاه فوراً إعلان حلف روسيإيراني بثلاثة أبعاد اقتصادي وسياسي وعسكري.

فأصبح الحلف ثلاثياً له طبيعة جيوبوليتيكية تعلن ما يشبه نظاماً عالمياً جديداً مجابهاً للجيوبوليتيك الأميركي المستند في الشرق الاوسط على القواعد الأميركية الكثيرة وإسرائيلوالسعودية والإمارات ومعظم الحركة التركية في الاقليم بالمباشر او بالاستثمار.

ولأن حزب الله عطل تأجيجاً للوضع اللبناني بممارسة سياسة البرودة تجاه مبادرة الكاردينال بشارة الراعي واقتراحات وزير خارجية فرنسا لودريان حول النأي بالنفس والالتزام بالبعد الغربي للبنان. كان لا بدّ من استخدام السماء السورية من جهة وبحر الصين من جهة ثانية للانقضاض على الحلف الجديد الجامع بين موسكو وبكين وإيران وسورية.

هنا يستطيع الأميركيون تلبية حلفائهم اللبنانيين المستشعرين بهزيمة تاريخية عميقة وإعادة بعث الأمل في دول خليجية مرعوبة جراء التراجع الأميركي الذي يشكل غطاءها الوحيد، الى جانبإسرائيلالتي تعتقد أن حرباً إقليمية بمشاركة أميركية غير ملتبسة، تقضي على مخاطر استراتيجية بدأت تتهدّدها حتى داخل الكيان المحتل وليس في لبنان أو سورية فقط. كما أنها تستجيب لبعض الحاجات الانتخابية لنتنياهو الذي يسعى أيضاً للفرار من اتهامات قضائية تدينه بالفساد.

فهل من المصادفات هذا الاندفاع الأميركي نحو توتير الصراعات بين دول بحر الصين الجنوبي ورفع درجات التوتر مع بكين الى مرحلة ما قبل الحرب مباشرة؟

وهذا ما أقلق الأميركيون الذين يهدّدون حالياً الألمان بالعقوبات وسحب جيوشهم المرابطة في بلادهم منذ الحرب العالمية الثانية، إذا لم يفسخوا عقد الغاز مع روسيا ويفعلوا الأمر نفسه مع تركيا فيهددونها، لكنهم لا يتجرأون على المضي بتأديبها لأنهم يخشون من الخسارة الجيوبوليتيكية لدور تركيّ لا يزال حتى اليوم يستقبل قواعدهم العسكرية والنووية في مواجهة جغرافية مباشرة مع روسيا. وهذا من أسرار الدلال التركي الممجوج الذي لا تزال تتحمله اوروبا وأميركا معاً مؤدياً الى عبث جنوني أردوغاني يضرب في معظم بلدان الشرق الاوسط وبحره الأبيض المتوسط.

ماذا عن بحر الصين؟ يجري فيه أكبر تحشيد أميركي مباشر لبوارجهم البحرية وقواعدهم مع تحريض لمعظم الدول المجاورة للصين من كوريا الجنوبية الى اليابان والهند وباكستان في ما يشبه دعوة للاستعداد لحروب معها إنما على النمط التقليدي العسكري.

الا أن الأكثر خطورة هي هذه البوارج التي تعترض من قصد الانتقال الصيني البحري، مع نشر مئات الطائرات الحربية الأميركية في اجواء المنطقة.

الأميركيون اذاً ومعهم حلفهم الشرق أوسطي يعملون في كل مكان لضرب الحلف الثلاثي الروسي الإيراني الصيني الذي يضمّ بشكل تلقائي سورية، وبطريقة غير مباشرة حزب الله ودولة صنعاء والحشد الشعبي العراقي.

لذلك هي معركة واحدة تربط بين عشرات آلاف الأميال وتؤسس لعصر القضاء على فكرةالمجتمع الدولي المفبركالى العلاقات الدولية المرتكزة على القانون الدولي، هذا القانون الذي حوّلته العدوانية الأميركية الى عجينة تحدث تبديلاً في شكلها حسب حاجاتها وقد تضعها جانباً ولا تستعملها كما حدث في الغزو الأميركي للعراق وسورية وفياتنام.

فهل تبدأ الحرب المفترضة من حدود لبنان مع فلسطين أو من جهة الجولان أو في بحر الصين؟

إن الأكثر اعتقاداً هو ان هذا التسخين الأميركي هو ربط نزاع ساخن بين الجيوبوليتيك الأميركي وبين الحلف العالمي الجديد على قاعدة الاستمرار في التسخين المضبوط حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. فتنتظر الدولة الأميركية العميقة استقرار الرئيس الجديد حتى تعاود سياسات المحافظة على أحاديتها القطبية برفع عيارات التسخين الى اوضاع خطيرة.

انها اذاً الحرب على احتكار الجيوبوليتيك على مستوى العالم وحرب خروج إيران الى الدولة الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط وحرب سورية للعودة الى اطار الدولة الوطنية ذات المكانة في الشرق العربي، وحرب حزب الله لإثبات قوة البندقية المجاهدة في صناعة المصير السياسي، من دون نسيان جبل الصامدين في صنعاء الذي يؤكد كيف يمكن لإرادات صلبة ان تصنع انتصاراً بالدفاع عن الانتماء والتاريخ.

لذلك، فإن الردود القتالية لحزب الله وسورية وإيران مترابطة ومرتبطة بالضرورات اللازمة لمشروع دحر الأميركيين من المنطقة وهزيمة الكيان المحتل، ولهذا توقيته الدقيق غير المرتبط بأسلوب الحماسة واللعب على الغرائز.

وهكذا فإن سورية هي البداية وبحر الصين يستكمل الدور بانتظار ولادة النظام القطبي الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى