أولى

السؤال المقلق: ردّ المقاومة سيكون متناسباً أو غير متناسب… وأين؟

 د. عصام نعمان*

 

المشهد الإقليمي بالغ التأزم بدلالة هذه المعطيات:

إسرائيل» قصفت بصواريخها موقعاً عسكرياً قرب دمشق ذهب ضحيته شهيدٌ لحزب الله.

سبق لقائد المقاومة السيد حسن نصرالله أن أعلن قبل أشهر تصميم المقاومة على الردّ في حال خرقت «إسرائيل» قواعد الاشتباك وتسبّبت في استشهاد مجاهدين لحزب الله سواء في لبنان أو سورية أو أيّ مكان آخر.

نصرالله أكّد انّ الردّ «لن يكون بالضرورة في مزارع شبعا المحتلة إنما في لبنان».

تجدّد الجدل بعد العدوان الإسرائيلي الأخير حول عبارة «الردّ سيكون في لبنان». بعض الخبراء العسكريين قال إنه سيكون حصراً داخل الأراضي اللبنانية. بعضهم الآخر استبعد ذلك وشدّد على أنه سيكون من لبنان وفي أي مكان تحتله «إسرائيل» في لبنان او سورية او فلسطين.

أعقب العدوان تحرّش مقاتلات أميركية بطائرة ركاب مدنية إيرانية فوق منطقة التنف السورية المحتلة فاضطرت الى الهبوط سريعاً إلى مستوى أدنى ما ألحق أضراراً بدنية بركابها قبل هبوطها بأمان في مطار بيروت الدولي.

إيران استهجنت التحرّش العدواني الأميركي وتوعّدت بالرد في المكان والزمان المناسبين، كما صدر عن قيادة محور المقاومة تهديد بالردّ على أيّ اعتداء يستهدف أحد أطرافه.

توقعت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية وتحسّبت لردٍّ أكيد من حزب الله فنشرت قوات برية إضافية على طول الحدود مع لبنان، وأخلت دونما ضجة بعض المستوطنات الحدودية، وقلّصت المجال الجوي في شمال الكيان الى 6 كيلومترات بدعوى تسهيل كشف التهديدات المرتقبة ضدّها من لبنان.

رئيس الحكومة نتنياهو أمر وزراءه بعدم التعليق على مسألة العدوان وكيف يمكن أن يكون شكل الردّ من حزب الله وذلك منعاً لأي إحراج لأطراف الصراع!

الولايات المتحدة حركت حاملة طائراتها ايزنهاور مع 12 مدمّرة الى المياه اليونانية بدعوى إجراء تدريبات مع القوات الجوية اليونانية بعدما ألغت مناورة «النجم الساطع» المقرّرة مع البحرية المصرية. كما حركت حاملة الطائرات نيميتز الى شرق المتوسط، بحسب ما سرّبته «إسرائيل».

رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي سارع الى «إسرائيل» للاجتماع الى نتنياهو وقادته العسكريين في قاعدة نفاتيم الجوية لتدارس «خطر إيران والوضع المتأزم في الإقليم».

         في ضوء هذا الوضع المتأزم ينهض سؤال متعدّد الأبعاد ومقلق لجميع أطراف الصراع في غرب آسيا: أين سيكون ردّ حزب الله؟ وهل سيكون ردّه متناسباً مع حجم الاعتداء الإسرائيلي الأخير قرب دمشق أم غير متناسب بالضرورة؟ وهل يمكن أن يعقب ردّ حزب الله ردٌّ إسرائيلي بدعم أميركي قد يتطوّر الى حرب واسعة؟ وفي حالةٍ كهذه، ماذا يمكن أن تكون التداعيات؟

         الجواب عن هذا السؤال المتعدد الأبعاد ولّد بدوره اجتهادات وأسئلة متعددة من خبراء عسكريين ومراقبين عديدين متابعين.

         في موضوع المكان المستهدف بالردّ رأى بعضُ الخبراء والمراقبين انه سيكون في منطقة الجليل المحتلة حيث لـ «إسرائيل» مستوطنات عدة وقواعد عسكرية ومرافق اقتصادية يسهل على المقاومة استهدافها من لبنان مع التحوّط لردة فعل العدو. البعض الآخر لم يستبعد أن يكون منطلق ردّ المقاومة من سورية حيث لحزب الله وجود وقدرات، وان يكون الموقع المستهدف في الجولان السوري المحتلّ حيث للعدو مستوطنات ومرافق مهمة أيضاً. ويتساءل هؤلاء: لماذا لا يكون ردّ المقاومة من سورية وفي سورية (المحتلة) ما دام العدو قد هاجم موقعاً في سورية يحتضن مجاهدين لحزب الله؟

         في موضوع هل سيكون ردّ المقاومة متناسباً أو غير متناسب مع حجم الاعتداء الإسرائيلي الأخير قرب دمشق، انقسم الخبراء والمراقبون بين فريقٍ رجّح ان يكون الردّ متناسباً لحرص حزب الله على إلزام «إسرائيل» احترام قواعد الاشتباك، وفريق يدعو الى ان يكون غير متناسب، وحجته انه آن الأوان، إزاء تكرار الاعتداءات الإسرائيلية من جهة، وضرورة التحذير من مغبة التمادي في هذه السلوكية العدوانية من جهة أخرى، لتسديد ضربة غير متناسبة للعدو لحمله على الاتعاظ والانكفاء.

         في موضوع هل يمكن أن يعقب ردّ حزب الله غير المتناسب على «إسرائيل» ردٌ من العدو مدعوم أميركياً قد يتطوّر الى حرب واسعة، يرجّح بعض الخبراء والمراقبين ان يبقى الردّ الإسرائيلي متناسباً وإن على قدْرٍ من الشدْة وذلك لانشغال «إسرائيل»، حكومةً وجمهوراً، بأزمات وتحدّيات كثيرة ليس أقلها استشراء جائحة كورونا، وازدياد إغلاق القطاعات الاقتصاديّة، وتزايد نسبة البطالة الى معدلات غير مسبوقة، واتساع رقعة التظاهرات ضد حكومة نتنياهو بسبب تفاقم الضائقة المعيشية. البعض الآخر لا يستبعد البتّة أن يتطور الردّ الإسرائيلي، عمداً او نتيجةً لتفاعلات غير منظورة، الى حرب واسعة يبتغيها كلٌ من نتنياهو وترامب بفعل الشبق المستبّد بهما للبقاء في السلطة، ولظنّهما أن حرباً واسعة ستؤدي في نهاية المطاف الى تدمير إيران، وبالتالي تغيير وجهة استطلاعات الرأي في أميركا المائلة حاليّاً لمصلحة جو بايدن، وتفادي إدانة نتنياهو بالرشوة وخيانة الأمانة في المحاكم الإسرائيلية.

         هذا الفريق من الخبراء والمراقبين يلتقي مع فريق من أهل الرأي يعتقد أن ردّ المقاومة على العدو لا يجب أن يكون غير متناسب فحسب، بل يقتضي اغتنام الفرصة ايضاً اذا ما ركب العدو الصهيوأميركي رأسه ووسّع رقعة الحرب للردّ عليه بقسوة على مستوى الإقليم برمته وبجبهة موحّدة تضمّ جميع أطراف محور المقاومة وتستهدفه بحربٍ متعددة الجبهات والمواقع والأبعاد بغية إلحاق تدميرٍ كارثي بالكيان الصهيوني لا يقوى بعدها على النهوض.

هذا الخيار (أو وجهة النظر) يجد مسّوغاته الوازنة لدى الداعين اليه عند استشراف تداعيات الحرب الواسعة التي يمكن أن تقع. ذلك أنهم يعتقدون أن الدمار الذي سيلحق بـ «إسرائيل»، سكاناً وعمراناً وصناعةً ومرافقَ ومستوطنات ومواصلات وموانئ سيكون كارثياً وبحجمٍ يفوق بأضعاف ما سيلحق بلبنان وسورية وإيران وقطاع غزة والضفة الغربية من أضرار لدرجة قد يحمل قادة العدو على تفاديه بالإحجام عن اعتماد خيار توسيع رقعة الحرب.

متى تدقّ ساعة القرار؟ الكلّ في حال انتظار.

_ وزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى