الوطن

هل من علاقة بين الحصار الاقتصاديّ وطرح الحياد والتحرّك العسكريّ الاسرائيليّ؟

} محمد حمية

ليس المقصود من هذا المقال الاتهام أو التخوينفلكل طرف الحق بعرض أفكاره وآرائه حول مسألة سياسية ووطنية ما تمسّ مستقبل البلد واستقراره ووضعها على طاولة البحث والحوار بين اللبنانيين. لكن تزامن طرح «الحياد الإيجابيّ» مع جملة أحداث محلية وإقليمية أهمها تشديد الحصار المالي والاقتصادي على لبنان مع العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان والتهديدات الاسرائيلية المتتالية، تثير الشكوك وترسم علامات استفهام حول وجود علاقة بين هذه العناصر الثلاثة!

فلا شك في أن الحصار الاقتصادي على لبنان منذ العام 2011 حتى اليوم كان بمثابة حرب أميركيةإسرائيلية من نوع آخر وبديل عن عجز «إسرائيل» عن خوض حرب عسكرية ضد لبنان مع نصر محقق بعد فشلها بعدوان 2006، فكان الخنق المالي والاقتصادي الأداة الاميركية الاسرائيلية البديلة لإضعاف لبنان والمقاومة، فبدأ المحور الأميركي التدرج بتنفيذ خطة تدمير لبنان اقتصادياً للقضاء على حزب الله أو على الأقل تقييد حركته في الجنوب وسورية والمنطقة لتعطيل وظيفة سلاحه كجزءٍ من استراتيجية محور المقاومة لمواجهة المشاريع الأميركية الاسرائيلية التركية الخليجية في المنطقة.

وهذا الحصار الاقتصادي المتسلسل والتراكمي بلغ مرحلة متقدمة في 17 تشرين من العام الماضي، حيث تزامن آنذاك تحريك الشارع عبر استغلال أزمات ومعاناة المواطنين وفساد السلطة السياسية مع تزخيم الضغوط المالية والاقتصادية واختلاق أزمة نقدية ومصرفية وتهريب الودائع من المصارف الى الخارج ورفع متعمّد لسعر صرف الدولار وأسعار السلع، ما خلق أزمة معيشية خانقة.

ومع فشل مشروع الفتنة الاقتصادية والمذهبية وإغراق المقاومة في المستنقع الداخلي عبر مسلسل قطع الطرقات ونجاح قوى الأغلبية النيابية بتأليف حكومة جديدة، استمر الضغط المالي والاقتصادي للرهان على إسقاط الحكومة وتوريط قوى الأكثرية بفراغ طويل قد يزيد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، فلما فشل المخطط، كان لا بد من مواكبة الحصار الاقتصادي بحركة سياسية داخلية ضد حزب الله عبر «طرح الحياد» وتحويله الى مشروع سياسي بديل عن معادلة الجيش والشعب والمقاومة المكرسة في البيان الوزاري للحكومة الحالية لذلك كان إسقاطها هدفاً بسبب تغطيتها لهذه المعادلة الوطنية.

ولم تكن صدفة تزامن طرح الحياد مع إقفال أبواب الحلول للأزمة الاقتصادية والمالية مع تظهير الموقف الدولي عبر تصريحات المسؤولين الأميركيين وزيارة وزير الخارجية الفرنسي والموقف الخليجي بعد جولة اللواء عباس ابراهيم الى الخليج وموقف صندوق النقد الدولي الرافض أي مساعدة قبل تحقيق الإصلاحات، علماً أن جوهر موقف صندوق النقد ليس الإصلاحات على أهميتها، فبحسب ما أشارت مصادر مشاركة في جلسات التفاوض بين الحكومة والصندوق لـ»البناء» فإن الوفد اللبناني بات على قناعة بأن القضية في مكان آخر وأبعد ما يكون عن الإصلاحات، لا سيما أن المسؤولين الدوليين والقيمين على صندوق النقد يعرفون تمام المعرفة أن السلطة السياسية غارقة في مستنقع الفساد والنظام الطائفي الذي لا يسمح بمكافحة الفساد ولا الاتفاق على اصلاحات جذرية بسبب تشابك وعمق المصالح السياسية والطائفية.

فلماذا يصرّ المجتمع الدولي على إجراء الاصلاحات؟ ولماذا استمرّ بتحالفه على مر العقود الماضية مع هذه الطبقة السياسية العصية على الاصلاح؟ وألم يكن هذا «المجتمع» المظلة الأساسية لهذا الفساد أو بالأحرى أحد صناعه؟ وإذا كان هذا المجتمع الدولي فعلاً يريد الاصلاح ويدّعي دعمه وحرصه على تحقيق مطالب «الثورة» و»الثوار» فلماذا وضع فيتو» على إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأصرّ على التمديد لنائب الحاكم محمد بعاصيري علماً أن هناك شبه اجماع لدى الرأي العام اللبناني وجزء واسع من الحراك الشعبي ومن الخبراء الاقتصاديين وقوى سياسية عدة ومراجع ووكالات مالية عالمية، على فشل سياسات حاكم مصرف لبنان التي ساهمت الى حد كبير بالأزمات المالية والنقدية والاقتصادية الراهنة؟

وكشفت المصادر المشاركة في مفاوضات «الصندوق» عن وضع وفد صندوق النقد شروطاً تعجيزية وعراقيل مقابل تقديم المساعدات المالية، مع مماطلة وتسويف واضحين، ما دفع بالوفد اللبناني للاستنتاج بأن لا علاقة لقرار الدعم المالي بالأسس التقنية والمالية، بل القضية سياسية مغلفة بالإصلاحات ومفهوم هذه الإصلاحات عند القوى الغربية هو التنازلات السياسية والامنية والاقتصادية التي يجب على لبنان تقديمها وتحديداً في ملفات النفط ودور حزب الله في جبهتي الجنوب والجولان والشق المتعلق بلبنان في تطبيق صفقة القرن.

فالخطة، بحسب ما يشير أكثر من مصدر سياسي هي تحميل حزب الله مسؤولية انفجار الأوضاع الاقتصادية والمالية وتسويق مواكب لطرح الحياد على أنه حبل نجاة وإنقاذ لبنان، وبالتالي خلق جبهة رأي عام تدعو الحزب الى الالتزام بالحياد والانسحاب من أزمات وحروب المنطقة مقابل وعود واهية وآمال موعودة فارغة بفتح باب «الجنة الدولية المالية» للبنان ما يشكل ضمانات أمنية لـ»إسرائيل» تخدم الامن الاسرائيلي بشكل غير مباشر وتكون بذلك الولايات المتحدة قد نجحت بتقديم هدايا لحليفتها «إسرائيل» قبيل انسحابها من المنطقة، بحسب ما يؤكد الأميركيون أنفسهم.

وما يثير الريبة أكثر هو ترافق طرح الحياد مع الدخول الاسرائيلي على خط الأزمة الاقتصادية والحصار الأميركي للبنان بممارسة ضغط عسكري على حزب الله وصولاً للتهديد بالحرب وذلك بهدف دفع ملفي سلاح الحزب ودوره العسكري وملف النزاع النفطي الحدودي الى الواجهة ووضعهما على طاولة النقاش الداخلي والتفاوض الإقليمي تزامناً مع المفاوضات الأميركية الإيرانية غير المباشرة الجارية في المنامة.

فإلى ماذا يهدف طرح الحياد؟ وهل هو جزء من الضغط على المقاومة؟

 مصادر مقربة من البطريرك الماروني بشارة الراعي أوضحت لـ»البناء» أن «الراعي مستمر في طرح الحياد حتى النهاية لحماية لبنان». وأقرّت المصادر بأن «المطلوب من حزب الله، تأييد الحياد وليس عبر الانسحاب من سورية بل بقيامه بمبادرة داخلية لتسليم سلاحه للدولة اللبنانية».

لكن مصادر سياسية في 8 آذار تتساءل: ما الهدف والفائدة من ممارسة الترف السياسي والفكري وطرح طروحات معروف سلف عدم واقعيتها وإمكانية تطبيقها في لبنان ولا تخدم المصلحة الوطنية سوى إعادة إحياء الانقسام السياسي الذي طبع مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اتفاق الدوحة وما بعد انخراط حزب الله بالحرب السورية؟ علماً أن الخلاف حول هذا الطرح بين اللبنانيين لم يصل الى مكان على مدى عقود، فلماذا إعادة طرحه في أصعب مرحلة يمر بها لبنان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى