مقالات وآراء

دموع ما بعد الكارثة!

 نصار إبراهيم

«بيروت نافذة زجاجية معشقة وملوّنة في جدار عربي، وإذا خُرق هذا الجدار وقع هذا الزجاج الجميل بين الجدار والنافذة، والمشكلة أنّ أصحابها ممكن أن يدمّروها» (محمد حسنين هيكل).

هل كنا بحاجة أن تنفجّر بيروت وتتشظى لتذكّرنا بدمارها العظيم أنها «خيمتنا الأخيرة»، ثم نغنّي «لبيروت من قلبي سلام لبيروت».

أحترم الدموع الصادقة، التي بكت على وجع بيروت، فهي تربكني وتحتلني بنبلها، خاصة دموع الناس البسطاء، الغلابة، دموع الأغلبية الأصيلة.

ولكن لو! لوأنّ دموع العرب وعواطفهم ومشاعرهم الإنسانية وتضامنهم «انفجر» قبل أن تنفجر بيروت، وقبل أن تنفجّر مدنهم وأوطانهم بالكوراث لما ضاعت فلسطين ودُمِّر العراق وسورية واليمن وليبياوغيرها، لكان حالنا الآن غير ما هو عليه من بؤس مروع.

نعم، بالتأكيد الدموع النبيلة تستحق الاحترام، والتضامن الإنساني والاجتماعي للتخفيف من وقع الكارثة بعد حدوثها أمر ضروري يعبّر عن بعض أجمل ما بقي في أعماقنا من وعي والتزام ووفاء ومسؤولية.

المعضلة أنّ كلّ ذلك ذلك ليس إلا مجرد ردّ فعل لا أكثر على الكارثة التي حدثت وقضي الأمر، وسيتلاشى مع تلاشي الصدمة لتعود «حليمة لسيرتها القديمة» أنانية، واستهتار ولامبالاة واقتتال وثرثرات. سننسى وكأنّ ذاكرتنا مثقوبة. فكل ردود الفعل والدموع لا تجدي كثيراً بعد حدوث الكوارث التي تأخذ في طريقها ما تأخذ من أرض وأوطان وأعزاء وأحباب ومقدرات وثروات وذكريات. فلا يبقى أمامنا سوى التوجع والنحيب.

المعادلة الصحيحة هي: علينا أن نتعلم إطلاق مشاعر التضامن والتعاطف والتكافل والبناء والوحدة والقوة مع كلّ ما يستدعيه ذلك من وعي وسلوك وممارسة ليشكل دريئة صدّ مسبقة تمنع حدوث الكوارث وليس العكس. فبعد أن تحدث الكارثة لن تعيد الدموع الضحايا ولن تعيد ما تمّ تدميره أو فقده. إنها فقط نوع من تعويض عن العجز وقلة الحيلة لا أكثر.

حسناًلنبك بيروت (رجالاً ونساء) كما نشاء، كما بكينا فلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا. لنبك (رجالاً ونساء) أوطاناً تركناها نهباً لكلّ فاسدٍ ومرتشٍ وغازٍ ولصٍّ وسمسار ولم نحافظ عليها كالأحرار. لنكتب ونغني ونتوجّع ونتغزل كما نشاء، ولكن إذا لم نتعلم الدرس من الدمار العظيم، فسيبقى كلّ ذلك مجرد تعويض بائس عن غياب الجرأة والبسالة لقطع الأيدي التي نعرف مسبقاً أنها تذهب بنا وبمدننا وأوطاننا نحو الكوارث. فما الغريب في حدوث الكوارث عندنا ونحن منقسمون، بكلّ وقاحة وبلا خجل، على معنى الوطن، الانتماء، الحرية، الاستقلال، حقوق المواطن!؟ ما الغريب في حدوث الكوارث ونحن نرى بيننا من يبيع الأرض والثروات والإنسان والكرامة!؟

لقد حدثت الكارثة في بيروت، وهي مشغولة الآن بلملمة ذاتها وجراحها ووجعها. ولكن لينظر كلّ حوله فسيرى سحب ألف كارثة تتجمع في أفقنا العربي مع كامل شروط تحققها الذاتية والموضوعية، فما العمل!؟ ليكن، سننتظر لنبكي من جديد، هكذا تعودنا.

يقول أجدادنا: «قنِّي حول بيتك قبل المطر والسيول وليس بعدهما». فبعد اجتياح السيول لن يتعدّى الأمر إحصاء الخسائر ودفن الأعزاء والذكريات وبناء المخيمات وانتظار صدقات وهبات الأمم والشعوب الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى