الوطن

تلاطم الأحداث على صفيح ساخن… مع استدارة في الاستراتيجية الأميركية؟

} د. ميادة ابراهيم رزوق

تسارعت أحداث المنطقة على صفيح ساخن نحو مزيد من الفشل والارباك في سياسات ومجتمعي الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وباتت الاستراتيجية للخروج من المآزق في ظل تنامي دور إيران الإقليمي والتمدد الصيني والتعاظم الروسي الدولي، وتنامي قوة وقدرات محور المقاومة، وبدء العمل على مناقشة وتفعيل اتفاقيات ثنائية اقتصادية عسكرية سياسية بين الدول الحلفاء تكسر سياسة العقوبات الأميركية الأحادية، وتحوّلها إلى فرصة تشبيك الإقليم والنهوض الاقتصادي في وقت يعاني الكيان الصهيوني من اهتراء داخلي ناتج عن أزمات سياسية بانقسامات حزبية عمودية، وأزمات اجتماعية بانقسامات أفقية لعنصرية كيان العدو وفشله في مواجهة جائحة كورونا وأزماته الاقتصادية، وتصاعد التظاهرات وأعمال الشغب والفوضى للأسبوع السابع لإسقاط نظام نتيناهو، وأضيف إليه أزمته العسكرية في عدم قدرة جيش الاحتلال خوض أي حرب خاطفة وسريعة تعيد هيبته، وهزيمته النفسية واللوجستية الأخيرة أمام تهيّؤاته وتخيّلاته لأشباح حزب الله، ورؤيتهم في منامات يقظته، وقد يكون ذلك سبباً لاجتراح حلّ ولو مؤقت يخرج الكيان الصهيوني من مأزقه.

مهما اختلفت الروايات البوليسية عن أسباب تفجير ميناء بيروت وعزوه لفساد داخلي او إهمال او مؤامرة في تكديس 2750 طن من نيترات الامونيوم في العنبر رقم 12 كقنبلة موقوتة، فلا يمكن عزله عن أحداث المنطقة ووجود بصمات صهيوأميركية تدمغ ذلك خوفاً من ماهية ردّ حزب الله الذي وعد به سيد المقاومة جراء العدوان الصهيوني على محيط دمشق الذي ارتقى فيه شهيد له، ودور ميناء بيروت في فك جزء من مفاعيل (قانون قيصر) على سورية، وأهميته في نهاية خط مشروع الحزام والطريق الصيني على البحر الأبيض المتوسط، وبدايات بوادر توجه لبنان شرقاً للخروج من مديونتيه وعجزه الاقتصادي نحو ضربة قاصمة تعلن الفشل الحقيقي لآخر السيناريوات الأميركية في المنطقة.

حدث التفجير يوم الثلاثاء 4/8/2020، مع جهوزية جوقة عملاء الداخل وإعلامهم وإعلام الأنظمة الرجعية بعد لحظات لكيل الاتهامات لحزب الله بهذه الكارثة والمأساة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لجر البلد لفتنة واقتتال داخلي يستهدف سلاح المقاومة ويعمل على شيطنتها، وتدويل التحقيق بأسباب الكارثة لوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، بما يحلّ العديد من عقد وأزمات الكيان الصهيوني بحفظ أمنه في شمال فلسطين المحتلة، وانعاشه اقتصادياً من خلال ترسيم الحدود البحرية وفق خط فريدريك هوف، وبدء الاستثمار النفطي والغازي البحري، وتفعيل مدّ أنبوب غاز شرق المتوسط الذي وقعت عليه اليونان وقبرص وكيان العدو ومصر بطول 1900كلم لنقل الغاز الطبيعي من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى شبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا، إلا أنّ حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، ومجدّداً انتصرت المقاومة بصبرها الاستراتيجي وحفظ بيئتها الحاضنة من الانفعال وجر البلاد إلى الفوضى، واستمرت جوقة العملاء ووفق أمر مشغليها بتحريض اتباعهم على أعمال الشغب والتدمير والفوضى في ظل تغيّر نهج السياسة الأميركية من البوابة الإنسانية، وبإعطاء الضوء الأخضر للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بفتح بازار المساعدات الإنسانية وكسر الحصار على لبنان، والانفتاح الدولي والاقليمي، وعقد المؤتمر الدولي للمانحين لدعم لبنان وبمشاركة أميركية عبر الفيديو، لتفويت الفرصة على قدوم الصين وروسيا إلى لبنان لعدم خروجه من تحت العباءة الأميركية والأوروبية.

في المقلب الآخر وعلى غير ساحات في بحر الصين الجنوبي، وعلى حدود روسيا الغربية استمرت الولايات المتحدة الأميركية بخلط الأوراق، وكذلك من خلال التواجد غير الشرعي في سورية، وحرق محاصيل القمح والشعير، ودعم عصابات (قسد) الانفصالية التي تسيطر على معظم حقول النفط والغاز السورية لتكريس الفوضى وإمعان الحصار الاقتصادي على الشعب السوري، وسرقة النفط السوري من خلال إبرام ما تسمّى بالإدارة الذاتية الكردية (قسد) كفصيل صهيوني ومرتزقة أميركية اتفاق بشأن تطوير واستثمار حقول النفط السوري مع شركة (ديلتا كريسنت انيرجي) الأميركية التي حصلت على استثناء من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، باعتبار ان قطاع النفط ومؤسسات سورية كثيرة خاضعة لحظر أميركي بموجب (قانون قيصر)، حيث يتضمن الاتفاق تأسيس مصفاتي نفط متنقلتين شرق الفرات تنتجان حوالي 20 ألف برميل يومياً، مع تصاعد مقاومة شعبية من بعض العشائر العربية ضد الاحتلال الأميركي وسيطرة عصابات (قسد) على المنطقة ونهب ثرواتها، والتي قد تتنامى لتلاقي جهودها المقاومة العراقية بتنفيذ قرار محور المقاومة الاستراتيجي بإخراج الأميركي من غرب آسيا.

تزامن ذلك مع استقالة براين هوك المبعوث الأميركي الخاص بإيران، وتسلم اليوت أبرامز مهامه، وهو أحد صقور المحافظين الجدد منحدر من عائلة يهودية، ولديه تاريخ حافل بالتورّط في حروب الولايات المتحدة الأميركية وانقلاباتها منذ عهد رونالد ريغان في الثمانينات وصولاً إلى اليوم، وتاريخه حافل بتأييد الحروب والانقلابات في أميركا الوسطى وأميركا اللاتينية والعراق وغيرها، ومع ذلك تأتي استقالة هوك كمؤشر فشل، لتغيير نهج الولايات المتحدة الأميركية بالتعامل مع إيران التي هي على وشك انهاء الحديث عن توقيع الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين بـ 450 مليار دولار لمدة 25 عاماً، بما يبعد اقتصادها عن الارتهان لأيّ توترات سياسية مع الدول الغربية، ويفرغ سياسة الحصار والعقوبات الأميركية من مضمونها، وبما جاء على لسان ترامب بتعهده بابرام اتفاقيات سريعة مع كوريا الشمالية وإيران اذا مافاز بالانتخابات الرئاسية، وكذلك منافسه جو بايدن الذي كان من مؤيدي الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران عام 2015.

في المحصلة برأينا سنشهد تراجع واستدارة وتغيير المقاربة الأميركية لملفات المنطقة، وانحناء أمام المعادلات الدولية الجديدة تحت تأثير فائض قوة محور المقاومة، وبدء تدهور الولايات المتحدة الأميركية أمام تقدّم ونهوض اقتصاد التنين الصيني وتمدّده في الممرات البحرية والعلاقات التجارية، وعلى المستوى العسكري الاستراتيجي تنامي قدرات روسيا الصاروخية العالية وترسانتها النووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى