أخيرة

الزمن لا يعود إلى الوراء وقد أتى وقت الحساب والمحاسبة…

} جهاد ذبيان*

لا بدّ من المواساة والتعزية رغم أنّ الزمن لا يعود إلى الوراء ولا يمكن إعادة كلّ شيء إلى ما كان عليه قبل انفجار مرفأ بيروت وما خلفه من كوارث ومآسٍ على بيروت وعلى لبنان بأسره.

وبعد المواساة والتعزية، يأتي وقت الحساب والمحاسبة، ووضع النقاط على الحروف منذ دخول الباخرة وحمولتها المشؤومة إلى مرفأ بيروت عام 2013 حتى وقوع الجريمة المروّعة بالأمس.

انطلقت التحقيقات بوتيرة جيدة، وطالت التوقيفات عدداً من كبار الموظفين، والأمل قائم باستمرار التحقيق وتوسّعه ليشمل كلّ من له علاقة بهذا الملف نزولاً وصعوداً من أصغر موظف إلى أكبر مسؤول مهما علا شأنه ومنصبه.

وفي هذا السياق يأتي طرح الأسئلة العديدة عن الأسباب الحقيقيّة لما حصل، حيث من الضروري عدم إغفال أيّ فرضية، خاصة أنّ الاكتفاء بفرضية الإهمال الإداري والوظيفي لا يفي الموضوع حقه، لأنّ الوقائع التي سبقت الانفجار والتي أتت بعده تشير كلها إلى أنّ ما حصل لم يكن صدفة بل كان بفعل فاعل، ويجب أن تتوصّل التحقيقات إلى تحديد هذا الفاعل أو الفاعلين وتعليق المشانق في مكان الجريمة.

وهنا نطرح النقاط والأسئلة الآتية:

1 ـ القاعدة الأولى التي ينطلق منها التحقيق في أيّ جريمة أو حادثة هي البحث عن المستفيد، لأنّ المستفيد إنْ لم يكن هو المجرم أو المرتكب بشكل مباشر فإنه في الغالب يقف في مكان الدافع أو المحرّض على الجريمة.

2 ـ لماذا وقع الانفجار عندما بدأت الإجراءات الجدية لحسم موضوع المواد المخزنة في العنبر رقم 12؟ ربما تكون الإجابة على هذا السؤال مفتاحاً لدهليز عميق من المعلومات التي أراد المجرمون إخفاءها وطمسها بين الركام والخراب والدمار. لذلك يجب أن يلحق التحقيق كلّ الخيوط المتصلة، منذ انطلاق الباخرة من جورجيا وإلى أين كانت وجهتها الحقيقية ولماذا وصلت إلى بيروت ثم لماذا ومَن سمح بإفراغ حمولتها في مرفأ بيروت والاستمرار بتخزين هذه الحمولة لأكثر من ست سنوات، إلى أن حصل الانفجار بعد يوم أو يومين من اتخاذ القرار بمعالجة أمر هذه المواد، وهل يُعقل أن تكون الصدف خلف كلّ هذا المسار؟

3 ـ هل هي صدفة أيضاً المسار الذي سلكته قوى سياسية معينة بعد حصول الانفجار، إذ بدأ بعد دقائق معدودة الاستغلال السياسي المقيت للحدث المأساوي فيما الدماء والأشلاء والضحايا والجرحى كانوا لا يزالون على أرض الجريمة وفي محيطها؟ هذا أيضاً يجب أن يكشف التحقيق تفاصيله ومَن يقف خلفه ومَن وضع هذا السيناريو الجهنّمي الذي كاد أن يخرّب لبنان كله ويجعله شبيهاً بالمنطقة المحيطة بالمرفأ، لولا حكمة وصبر المقاومة وسيدها وجمهورها رغم الغضب الكبير مما حصل في الساحات من تجاوزات وتطاول على رمز الشرف والشرفاء في هذه الأمة.

4 ـ من الضروري الانتباه إلى أنّ المصطادين في الماء العكر أرادوا الاستفادة مما حصل لتأجيج نار الخلافات السياسية في البلد، بعدما كانت هذه النار قد خمدت، وأصبحت الملفات الخلافية الداخلية في مرتبة متدنّية جداً بعدما طغت عليها الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمعيشية، ثمّ طغى أيضاً الملف الصحي مع جائحة كورونا التي جعلت السياسة تتنحّى جانباً إلى حدّ كبير. ومن هنا تأتي محاولات البعض لإعادة إحياء هذه الملفات الخلافية وإزالة الرماد من فوق الجمر حتى يشتعل مجدّداً مع ما اشتعل واحترق نتيجة انفجار المرفأ، علماً أننا نرفض بشكل قاطع أيّ استغلال سياسي للملفات الإنسانية، كما نرفض رمي الاتهامات جزافاً من هنا وهناك، لا سيما حين تأتي هذه الاتهامات من أفرقاء وأشخاص هم مدانون أصلاً بأكثر من قضية فساد وبملفات جنائية معروفة ومكشوفة.

5 ـ لا يجب إغفال مسألة التدقيق الجنائي في الحسابات المالية بدءاً من حسابات مصرف لبنان، ومن اللازم طرح السؤال عن مصير هذا التدقيق بعد التطورات الأخيرة، وهل كان تطييره وطيّ صفحته أحد أهداف الانفجار؟

***

قبل الختام يجدر التوقف ملياً اليوم أمام العِبَر التي نستخلصها من ذكرى الانتصار التاريخي الذي حققه لبنان عام 2006 بمعادلته المنتصرة دائماً «الجيش والشعب والمقاومة»، ونقول إنّ إنقاذ لبنان من كلّ ما يعانيه من أزمات يتطلب اعتماد روحية الانتصار وتكريس مسيرته على كلّ المستويات.

 

*رئيس تيار صرخة وطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى