أولى

الرهان الأجدر، على الطفل الفلسطيني لا الشارب الخليجي!

 صابرين دياب

 

في إزاء ما تتعرض له القضية الفلسطينية، من مؤامرات متعاقبة لتصفيتها، ومع ازدياد الصراع الحالي وضوحاً، من حيث طبيعته، وطبيعة القوى والأنظمة الواقفة من خلفه والمستفيدة منه، وفي إزاء الحرب الإعلامية الضروس، التي تشنّها القوى المرتبطة بقوى الهيمنة والتواطؤ وعملاؤها المباشرون وغير المباشرين، وفي ازاء التضليل الواسع وغير المسبوق، للعبث بالوعي الفلسطيني وتسطيحه، يزداد الايمان بعدالة القضية، ويتعاظم اليقين بعمق وعي شعبنا في كل أماكن تواجده، مع كل إشراقة جيل فلسطيني جديد.

وعي محصّن بشجاعة صاحب الحق، يرثها الفتية الفلسطينيون عن ملح تراب الارض التي تحملهم، شجاعة، تفاجئ ذويهم لحظة المواجهة المباشرة، لا بل انها ترفع معنويات الأم الخائفة على ولدها، التي اقتحموا بيتها مباغتة لاعتقاله، ثم تشعر بأعلى درجات الفخر، وهي تحتضنه لحظة خروجه من مراكز الاعتقال برأس مرفوعة ووجهٍ واثق مبتسم غير مرتبك، وبقدمين ثابتتين غير مترنّحتين، وبإيمان يخيّب آمال محتليه، الذين ابتغوا ترهيبه وهزّ معنوياته وثقته بنفسه وإرباكه!

 لم اكن أعرف أنّ الفتى الوديع والذكي، محمد، ابن الثالث عشر ربيعاً، من مدينة طمرة الجليلية، كان محتجزاً طيلة نهار الاثنين الماضي، في محطة تحقيق للـ «شاباك» في «مسجاف» في الجليل المحتل، لأنه شارك في التظاهرة المنددة بإعلان الخيانة الإماراتية، في المسجد الاقصى صباح الجمعة الماضي، وداس على صورة محمد بن زايد.

علمت من والدته فاطمة، انّهم أتوا صباح الاثنين واعتقلوه من البيت، وقاموا بمصادرة حاسوبه وهاتفه وحقيبته المدرسية التي كانت معه في المسجد الأقصى، وحين سألَتهم فاطمة، عن سبب اعتقاله، قالوا لها: «هو محتجز للتحقيق، والمفروض ان تعرفي انتِ بالذات انّ قريبته سوف تدمّر مستقبله».

وعرفت من محمد لاحقاً، بعيد الإفراج عنه، ان بداية التحقيق، كانت حول علاقته بإحدى قريباته، وما اذا كانت تلك الناشطة، هي التي طلبت منه الذهاب الى القدس، كما سُئل عن سبب كرهه لحكام الإمارات، وما إذا كان سيقبل منحاً مالية منهم التي سيمنحونها للطلاب المتميزين، وغيرها من الاسئلة الجبانة والرخيصة.

وأقّر بأنني تفاجأت من جرأة محمد، هذا الغلام الهادئ جدا، حين قال لهم:

«لا شأن لكم بعلاقتي بقريبتي، ولا تقحموها باعتقالي، نحن نفهمكم جيداً، أنا ذهبت الى الاقصى كما كل يوم جمعة، لأصلي هناك، ولا يحق لكم منعي من ذلك، وحين شاهدت الشباب يقفون للبصق على الخائن الخليجي، الذي لا أعرف اسمه الذي ذكرتموه قبل قليل، والذي خنع لكم مثل الدجاجة، وقفت معهم، وهذا حقي أيضاً في التعبير عن رأيي ورأي كل الفلسطينيين».

 فأدركت أّنّ الصبي، صار رجلاً قبل أوانه، حين قال للمحقق:

 «اذا كنتم تريدون تخويفي، فأنا لست خائفاً منكم، واذا أردتم اعتقالي افعلوا ذلك، عمتي قالت لي، انكم لا تعتقلون إلا من هم أقوى وأشجع منكم».

هدا جزء يسير جداً، مما جاء في التحقيق مع محمد الشجاع والذكي، محمدابن شقيقي، الذي واجه تحقيقاً، استمر ثماني ساعات متواصلة، ارتكز على الترهيب والتخويف، وقد حاولت جاهدة إقناعه بأن أحاوره، لأنشر تجربته الاولى مع الاحتلال، غير انه رفض وقال: «ما الذي سوف أضيفه، حتى لو كنت مقيما في المحتل 48؟، لست أول قاصر ولا الأخير الذي يُعتقل، والافضل ان اهيئ نفسي لما هو آت»،، فأخبرته بأنّه لزاماً وواجباً يحتم علينا، ان نفضح نذالة المحتل امام العالم،، فكان رد الطفل الرجل: «لن تنفعنا الا قدرتنا وقوتنا على مواجهتهم والتصدي لهم»!!

 ولست انقل وعي محمد الحصيف، الى «البناء» الا اعتزازاً بالجيل الفلسطيني الواعد والواعي والواثق، وتأكيداً على المؤكد، بأن الرهان على، محمد وابراهيم وقاسم وعلي وعمر وجريس وحسن الفلسطيني، وليس على أوغاد المرحلة، من خائنين ومطبعين وتابعين وطارئين..

ان الالتفات الى طفل شجاع والتوقف امام جرأته، يكون مفيداً في كل حين، بقدر ما يساعد على تحديد النظر الى المستقبل، وإذا كنا نقف امام ما يتعين علينا ان نحمله فوق أكتافنا في مرحلة قادمة، فلعل التصوّر الدقيق لمقدرتنا على التحمل الفعلي الكامن في داخل طفل، تقوي من طاقتنا وتعيننا على ما هو منتظر ومأمول.

في كل بيت فلسطيني، شعلة نور لا تنطفئ، امام جبروت ظلمة الاستعمار الباغي، الذي اشترى ذمم الساقطين في امتنا، ونجح في تدجينهم علناً، وغربل في الوقت ذاته، انصار شعبنا وطهّرهم من الأدعياء والمدّعين الغادرين.

أوليس الجسد المعافى، أكرم من الجسد الموبوء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى