مقالات وآراء

حكومة السودان ودويلات الحركات الانفصالية

د. علي سيد*
“اتفاق تاريخي” سيغيّر وجه السودان وشرق أفريقيا، وهو ليس نتيجة تحالف السلطة والمال والقوة، بل هو نتيجة خضوع المال الخليجي للقوة الأميركية والصهيونية، إنه فصل من فصول الحرب الناعمة على أمتنا، الانتصار والسيطرة من دون إطلاق رصاصة واحدة.
نص اتفاق جوبا وبعد أشهر من المفاوضات بين ممثلي الحكومة الإنتقالية في الخرطوم والحركات الإنفصالية على أراضي السودان الشاسعة والخصبة والذي تمّ التوقيع عليه بتاريخ 31 آب 2020 على تقسيم السودان إلى أربعة دويلات شبه مستقلة، وعليه فالسودان في غضون سنوات قليلة جداً سيختفي عن وجه الخارطة العالمية كدولة وشعب وأمة.
وفي غضون أشهر سيستعمل السودانيون كمرتزقة خارج وطنهم (محاربة الأتراك في ليبيا) أو في دول أخرى مجاورة وعربية.
السودان أصبح كمن يحرق نفسه وهذه النار سوف تصل عاجلاً أم آجلاً إلى الجيران لتحرق منازلهم، فالنار التي يشعلها الشعب السوداني أيّ حكومته في نفسه سوف تنتقل إلى تركيا ومصر والسعودية وبنفس العرابين والأدوات (الماسونية والولايات المتحدة وإسرائيل) فعندما ينتهي دور أمراء الخليج بالدعم المالي سيأتي دور انهيار عروشهم، فهذا الاتفاق له إسمٌ مرادف وهو دفن السودان.
هناك 70 حركة إنفصالية في السودان، وحكومة الخرطوم يحكمها تحالف بين العسكر والشيوعيين، حكومة جنوب السودان (جوبا) الدولة التي انفصلت عن الخرطوم بدعم من الموساد والمخابرات الخليجية والمصرية فهي بالنسبة للشعب السوداني أشبه بـ “إسرائيل” بالنسبة للشعب المصري.
الإمارات العربية المتحدة كانت الدولة التي اختارتها الولايات المتحدة لتقوم بالمتابعة والوساطة وطبعاً دفع ملايين الدولارات للأطراف، وكذلك الإشراف على حفل مراسيم التوقيع على الإتفاق الذي استمرّ 4 ساعات، لم يشاهد أيّ يافطة أو إعلان داخل القاعة باللغة العربية بل كلّ الشعارات كانت باللغة الإنكليزية مع العلم أن جميع الموقعين عرب وأكثر الموقعين لا يتقن اللغة الإنكليزية! رئيس ما يسمّى بمجلس الحكم عبد الفتاح برهان يشكر طيلة حفل التوقيع دولة الإمارات الذي قبض منها مبالغ ذكر أنها بالملايين، كذلك وفي المراسيم قائد قوات الدعم السريع حميدتي تاجر الإبل الذي لم يكمل تعليمه الأكاديمي، الذي أنشأ مجموعة لحماية تجارته بين دارفور والبلدان المجاورة هو إبن أكبر قبائل دارفور العربية، واشتهرت مجموعته القتالية لدى المنظمات الحقوقية بلقب (رجال بلا رحمة) هذا الأخير يشكر الإمارات الذي كان في ضيافتها وطبعاً قبض المعلوم، الاتفاق أو المسألة ليست سلام أو تقرير مصير وما شابه بل أموال ودفع وقبض وسماسرة (حفل قتل وتقسيم السودان).
رأينا في الحفل رايات الحركات الإنفصالية وعلم دولة بوجا ولا وجود لعلم جمهورية السودان التي كانت الموقّع الرئيسي على التقسيم.
تبلغ مساحة السودان البلد الأغنى بموارده الطبيعية مليونا كم2 (أرض كبيرة جداً وغنية جداً) وهذه الدولة العربية يجري تقسيمها الآن بين الماسونية والموساد ومخابرات الخليج، الكلّ تعامل على تفتيت وتقسيم السودان.
في 2011 جرى إنشاء دولة سُمّيت جنوب السودان غالبية سكانها من الوثنيين و17% مسلمين و17% مسيحيين لكن الذي يحكم حتى الآن المكون المسيحي، قيل للسودان سوف تعيشون في رغد وسلام في حال وافقتم على انفصال الجنوب ووقعتم سلام وتطبيع (كما قيل من قبل لمصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية)، فالسودان كانت تنزف بسبب هذه الحرب مع الجنوب لمدة 50 سنة.
بعد توقيع الإتفاق أصبح شكل السودان على الشكل التالي: تمّ إنشاء إقليم أو دويلة اسمها النيل الأزرق ودويلة ثانية اسمها جنوب كردفان، قبل التوقيع على الاتفاق أو الانفصال كان هناك جيب صغير في إقليم النيل الأزرق حوالي 10% من مساحته وبموجب الإتفاق ينسحب الجيش السوداني من النيل الأزرق ويسَلّم الإقليم للحركة الإنفصالية (هو اتفاق تسليم أراضي السودان للحركات الانفصالية مهما كان حجمها وقوتها وسيطرتها) وهذه الحركات تتبع للموساد والمخابرات الأميركية)، ونفس الشيء حدث بالنسبة لجنوب كردفان التي كان يسيطر الإنفصاليين على 15% من الإقليم (جبل النوبة) وهكذا أصبح لدينا دويلتان جديدتان جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأيضاً أنشأ الإتفاق دويلة في دارفور التي تبلغ مساحتها نصف مليون كم2، ونص الإتفاق على دمج الإنفصاليين بالجيش وذلك بعد انتصار الجيش على الإنفصاليين! (إنسحاب الجيش وتسليم الإنفصاليين زمام الأمور) بعبارة أخرى نحن أمام حالة تسلم وتسليم بين الجيش السوداني والحركات الإنفصالية وطبعاً مقابل تلقي بعض الضباط في الجيش الرشاوى من دولة الإمارات بالتحديد.
خلاصة إتفاق جوبا هو التالي: سوف يكون لهذه الولايات الإنفصالية بموجب الإتفاق حكم ذاتي – دستور خاص لكلّ دويلة – حق التشريع من البرلمان المنتخب في الدويلة – دفع تعويضات من دولة السودان الشبه مفلسة للإنفصاليين كتعويض عن الخسارة في العتاد والأرواح أثناء المواجهات مع الجيش قبل الإنفصال، ومن المؤكد بأن الحكومة المركزية لن تدفع أي ليرة للإنفصاليين بحجة أنّ خزائنها فارغة وعليه سوف تقوم هذه الحركات بالإنفصال الكامل لأن السودان لم يلتزم بالإتفاق – إنشاء وتأهيل معاهد تعليم اللغات الأصلية (إلغاء اللغة العربية) – إعادة كتابة تاريخ السودان في الدويلات الإنفصالية – علم وشعار لكلّ إقليم (دويلة) – حق الحركات الإنفصالية في التعاقد مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية الأجنبية والإقتراض بضمان بنك السودان المركزي (حكومة إنفصالية تقترض من البنك الدولي مثلاً بضمانة البنك المركزي السوداني) – يحقّ للسلطة المحلية إنشاء شرطة وسجون وجمارك، هذه البنود التي أوردناها بشكل مختصر وواضح هي طبعاً إنشاء لدويلات.
إذاً، نحن أمام إتفاقية تقسيم السودان والقضاء عليه تماماً بمباركة أبنائه الذين باعوه بأبخس الأثمان، هذه البنود لم تعرض على الإعلام بل اكتفت بإعلان (إتفاق جوبا) بين السودان والإنفصاليين في أقاليم الجنوب.
أخيراً، لماذا حكام السودان وافقوا على هذا التقسيم المقنع:
أولاً: حصولهم على رشوات مالية من الإمارات، فإذا كان مرتب الوزير يعادل ألف دولار وقبض من هذه الدولة مئات الآلاف من الدولارات والحسّ الوطني والقومي مفقود بالطبع لن يفكر ملياً في قبول المبلغ (الرشوة).
ثانياً: من أجل تقسيم النفوذ بين العسكريين والشيوعيين والوجاهة وتمديد الفترة الإنتقالية بعبارة أخرى الجلوس على كرسي الحكم بضمانة أميركية إسرائيلية خليجية، أيّ سلطة مصطنعة ورشاوى، مع وعد بتمديد الفترة الإنتقالية التي حدّدت بـ 36 شهراً.
على الشعب السوداني الواعي والمثقف والمخلص الشريف أن يقف بوجه هذه الطغمة الحاكمة التي قسّمت السودان وقضت عليه، ويتعلم (مع العلم بأنه كان يعطي دروس بالوطنية والقومية والعروبة) من الشعوب الحرة في الصومال واليمن وفنزويلا وإيران والتي تتعرّض للمؤامرات والحصار بأن لا سبيل لإسقاط المؤامرات إلا بالتصدّي والصمود والإحتجاج بكلّ الوسائل المتاحة لرفض تقسيم وقتل السودان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باحث في الشؤون الأفريقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى