الوطن

الاستشارات النيابية… لزوم ما لا يلزم والحكومة مؤجّلة

 علي بدر الدين

لم تعد  المواعيد ولا الوعود، تعني شيئاً للبنانيين، لأنهم فقدوا الثقة بالطبقة السياسية، أقوالاً وأفعالاً، وإنْ حصلت فهي لا تخدم سوى مصالحها وأزلامها والمحاسيب. ولم تعد تعنيهم الاستشارات النيابية الملزمة وغير الملزمة لتسمية من سيكلف لتشكيل الحكومة.

 ولا يعنيها أيضاً، البحث عن قانون انتخابي جديد، لأنه سيكون على شاكلة القانون الحالي والقوانين التي سبقته، ولن ينتج إلا الطبقة السياسية ذاتها «بأمّها وأبيها «وإنْ حلّ البن مكان أبيه، والشقيق مكان شقيقه، يعني «هالطينة من هالعجينة»٠ولن يتغيّر شيء، ليس لأنّ اللبنانيين لا يريدون القانون الجديد، بل لأنهم يدركون بالتجربة أنه سيفصل على قياس هذه الطبقة. ولأن ليس وقته الآن، في مرحلة قاسية على لبنان، اقتصادياً ومالياً ومعيشياً ومصيراً. يعني أنّ الأولوية يجب ان تعطى لإنقاذ البلد قبل الغرق، ولانتشال الشعب من الفقر والجوع والبطالة والمرض، وقد بدأت تغزو البيوت، وتخطف الأمان الاجتماعي والغذائي من أفواه الأطفال والعائلات المستورة.

البحث عن قانون انتخابي جديد ووطني وتمثيلي لطالما طالب به اللبنانيون وسعوا إليه، ولكن ظروف البلد والاستحقاقات القائمة والداهمة تفرض التأجيل ولو مؤقتاً، حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وإلى أين المصير في ظلّ الصراع المحتدم إقليمياً ودولياً، وما يثار عن تبدّل الخرائط في المنطقة والعالم ومنها لبنان بالتأكيد.

لا ضير ولا ضرر من وضع الخطوط العريضة لأيّ قانون يتمّ الاتفاق عليه، وهذا ما لم يحصل، وقد رفضته بعض القوى السياسية التي وجدت مصلحتها ومبتغاها في القانون الحالي، وهي تفاخر بأنها نجحت في فرملة اندفاعة اللجان النيابية المشتركة للبحث في قانون الانتخاب.

لا وقت اليوم ولا غداً لفتح سجالات لن تكون لها فائدة آنية أو آتية. وتكفي تعقيدات البحث عن اسم لتكليفه تشكيل الحكومة، وقد تنصّل الجميع من القبول إلا بشروط غير واقعية وتعجيزية وتلبّي أجندات خارجية، وتفرض الوقوف على رأي ما سُمّي نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذين فجأة غابوا عن السمع، وبات كلّ واحد منهم يغني على ليلاه ومصالحه وأجنداته، وفقدت الاستشارات النيابية الملزمة وغير الملزمة قيمتها، لأنها تحوّلت إلى فولكلور من الماضي ولإضاعة الوقت والجهد، وأصبحت لزوم ما لا يلزم ولا تعدو كونها مجرد آراء في الهواء، لا تغني ولا تسمن

ويكفي أن يتفاهم أمراء السلطة السياسية على التحاصص في العدد وتوزيع الحقائب، واتخاذ القرار الجريء الذي لا بدّ منه بفكّ الارتهان والقيود الخارجية، وإعادة القرار اللبناني المصادَر إقليمياً ودولياً، مع أنه مستحيل تحقيقه في هذه المرحلة، ولكنها محاولة لا بدّ منها للخروج من عنق زجاجة مصالح الطبقة السياسية وتبعيّتها للخارج، الذي فشل أيضاً في تشكيل الحكومة، وتحديداً المبادرة الفرنسية.

انّ تأجيل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة حتى الخميس المقبل، ليس عبثياً أو صدفة، بل على علاقة باستحقاقات  تتزامن مع هذا التوقيت وتسبقه وتعقبه، ليُبنى على نتائجها المقتضى.

هذه المؤشرات والمعطيات الظاهرة والخفية، والمخفي أعظم، لا تدلّ على أنّ الاستشارات حاصلة، ومسارها لن يبشر بالخير أو أنه سيتمّ الاتفاق على الإسم الذي سيُكلف بتشكيل الحكومة، لأنّ هذا وحده يشكل معضلة حقيقية   ويحتاج إلى تقاطع المصالح الدولية والإقليمية، وأن يكون لبنان جزءاً منها حتى ينال حصته ويُسمح له بولادة حكومته.

كلّ الحراك السياسي الطائفي والمذهبي والتحاصصي الذي يُرمى في سوق عكاظ المشهد السياسي القائم والسائد في البلد لن ينتج حكومة، وما هو سوى تقطيع للوقت بانتظار الآتي الذي يبدأ مع الاجتماع الأول للاتفاق الإطار بشأن ترسيم الحدود، الذي «شاءت الصدف أن يتزامن مع الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة وزيارة الموفد الأميركي دايفيد شينكر إلى لبنان. ثم انتظار ما تسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لا يعتقدنّ أحد أنّ اسم من سيُكلف سيُكشف النقاب عنه راهناً، وأنّ الحكومة ستولد من رحم الأزمات التي تعصف في لبنان، وبلغت حدّ السقوط في الهاوية، أو أنّ مصالح المَحاور وصراعاتها وحساباتها ستذوب فجأة بعصا سحرية أو بمعجزة غير منظورة، وتقلب الأوضاع رأساً على عقب، وكما يُقال «يا دار ما دخلك شرّ».

لا فائدة من الاستشارات النيابية، لأن لا تأثير ولا دور لها، خاصة أنّ رأي الكتل النيابية معلن ومعروف وواضح، وربما لن تحصل هذه الاستشارات لأنّ الموعد المحدّد لها، قد تسبقه تطوّرات غير محسوبة في منطقة تغلي على فوهة بركان.

ولا خيار في الوقت الضائع أمام الطبقة السياسية سوى الالتفات إلى المواطن وحاجاته الملحة، وهذا من باب التمني لأنها تخلّت عن مسؤوليتها عن الوطن والمواطن منذ زمن طويل، بحيث أنها لم تتوقف  عن جلده يومياً، وسلبه حقوقه وكرامته ولقمة عيشه، ورميه في أتون الفقر والجوع والغلاء والبلاء والتهديد برفع الدعم عن المحروقات والدواء، وقد فرغت الأسواق من مواد غذائية ضرورية بفعل الفساد والجشع والطمع والفلتان وانعدام الرقابة والملاحقة والمحاسبة، وكأنّ لبنان بات محكوماً بشريعة الغاب، بلا راع ولا مسؤول…!

أخيراً، قرأت، أنّ راعياً وضع خرافه في سياج حديد متحرك، من أجل نقلهم إلى مكان آخر، وسلك بهم الطريق الرئيسية. ظنّ المارة أنّ الراعي خائف على خرافه من السيارات العابرة المسرعة ومن أيّ خطر على الطريق الذي يسلكه. إلى أن سأله أحد المارة عن تصرفه هذا فأجاب: أخاف إذا لم أضع الخراف في هذا السياج أن يأكلوا حشائش الناس ورزقهم، دون علمهم، وأحاسب بفعلتهم عندما أقف أمام الله، ولأنني راع، وكلّ راع مسؤول عن رعيته أمام الله والعباد والضمير… أين حكام لبنان من هذا الراعي ووعيه وحكمته؟ أنهم لا يخافون الله ولا عباده، وقد غادرهم الضمير منذ زمن، يا ليتهم كانوا رعاة ليتعلموا الفضيلة من هذا الراعي المحترم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى