مرويات قومية

الأمين إبراهيم زين مرويّات ومعلومات ومسيرة مناضل (1)

 

مؤخراً عثرت على ما كنت تسلّمته من حضرة الأمين، الصديق، المناضل، الشاعر والأديب إبراهيم زين، وفيه معلومات ومرويّات وذاتية شخصية وحزبية جديرة بأن تُنشر فتُقرأ.

كنت نشرت أكثر من نبذة عن الأمين الراحل إبراهيم زين، ننصح بالإطلاع عليها عبر الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

ولتاريخه، وكلما اقتربت من الباب الرئيسي لمركز الحزب، ألتفت إلى حيث كانت مؤسسة «دار فكر» تحتل الطابق السفلي، فأستعيد في ذاكرتي «الفرسان الثلاثة» الأمين إبراهيم زين، الرفيق مصطفى جمول(1) والرفيق حسين الشيخ(2)، منكبين على القراءة أو الكتابة أو ترتيب السجلات المالية أو تهيئة علب الكرتون وقد تكدّست فيها كتب مطلوبة من فروع حزبية في الوطن أو عبر الحدود

اللافت هي العلاقة القومية الاجتماعية التي كانت سائدة بين «الفرسان الثلاثة»، فما من مرة شهدت على سوء تعاطٍ، أو على تباعد في العلاقة القومية الاجتماعية.

وأستعيد أيضاً ذكرى الرفيق الشهيد أدونيس نصر(3) في تفانيه واندفاعه وشغفه بكل عمل حزبي، مترافقاً مع صديقه ورفيقه و»توأمه» في العمل الحزبي، الرفيق سامر عبد الباقي.

ل. ن.

 

 

} الأمين إبراهيم زين

مرويات ومعلومات، والذاتية الشخصية والحزبية

1 – الذاتية الشخصية:

وُلدت في صيف 1940 من أبوَين محمديين متديّنين غير متعصبَين طائفياً. والدي كان يعمل في التجارة، فقد كان يملك محلاً لبيع الأقمشة والخردوات في بلدة شمسطار، وهو شريك مع أشقائه الثلاثة الذين يصغرونه سنّاً، في ملكية أكثر من مئتَين وخمسين دونماً من الأراضي الزراعية والكروم. كان أعمامي الثلاثة يعملون في هذه الأرض من بداية الربيع حتى منتصف فصل الخريف. بدأت حياتي الدراسية عند شيخ الضيعة بحفظ القرآن الكريم، وبعد سنة تركت مدرسة الشيخ والتحقت بالمدرسة الرسمية في القرية التي كانت صفوفها تتوقف عند نيل الشهادة الابتدائية، كنت طيلة دراستي في هذه المدرسة الأول في جميع الصفوف، وحين تقدّمنا لنَيل الشهادة الابتدائية نجح 25 مرشّحاً من أصل 26 طالباً، وكانت مكافأة الوالد لي على اجتهادي بعض حبات التمر والشوكولا، مع التشديد عليّ بأن أحافظ على تفوّقي في المدرسة، لأنّ العلم رأسمال كبير للإنسان. كانت لوالدي صداقات كبيرة في البلدة، مع احترام وتقدير له خارجها لتعامله المناقبي الصادق مع الناس، وللتسهيلات التي كان يقدمها للذين يقصدونه للتسوق من محله أو لشراء حاجياتهم من المؤونة من غلال أرضنا، وإن أنسى لن أنسى تلك الصورة للحشود الشعبية التي جاءت من معظم قرى المنطقة يوم وفاته في صيف عام 1952، وخاصة بكاء وتحسّر بعض العائلات المسيحية من آل التنوري من بلدة بيت شاما، ومن جيران قريتنا في حدث بعلبك من آل المعلوف الذين كانوا يملكون بعض الأراضي الزراعية القريبة من أرضنا قرب مجرى نهر الليطاني. لم يكن للتعصّب الطائفي مكان في نفوس رجال ذاك الزمان، فكأنّ الناس بفطرتهم أدركوا أنّ التعصّب الطائفي مناقض لمفاهيم الديانتَين المحمدية والمسيحية، فكانوا يتزاورون في مناسبة الأعياد، كأعياد الفصح والميلاد والأضحى المبارك وعيد الفطر. كانوا متديّنين، يحترم كلّ منهم عقائد الآخر وقناعاته الدينية والتقاليد المتوارثة جيلاً عن جيل. من الدروس التي ترسّخت في ذهني وأنا في سنّ العاشرة أنّ عائلة التنوري الصديقة لأسرتي كانت تنتهز مرحلة انتهاء مواسم الحصاد في فصل الخريف، فتدعو والدي وأعمامي وبعض أقربائي إلى حفلة غداء حيث كانوا يطلبون من أقربائي ذبح «معاليفهم» بأيديهم، وتتشارك نساء أقربائي مع عائلة التنوري في إعداد الطعام للجميع، فيأكلون لحماً شهياً من أغنام ذُبحت على الطريقة المحمدية، ثمّ يعود أهلي لدعوة أفراد أسرة التنوري إلى منزلنا عند ذبح «معاليفنا» لمشاركتهم وليمة يُدعى إليها معظم الأقرباء وبعض وجهاء البلدة، وتكون سهرة تسودها روح الودّ والصداقة العفويّة والتسابق الإنساني على المحبة وعمل الخير.

2 – الذاتية الحزبية:

أالانتماء إلى الحزب وبدء الانتظام:

كانت البداية بانتماء حسين عبد اللطيف الدلباني إلى الحزب، الذي عُيِّن ناموساً لمديرية حوش الرافقة القريبة من شمسطار، هذا الرفيق يمتلك منزلاً في شمسطار، فكان يدعو بعض أبناء العائلات المميّزين القريبين من منزله لسهرات، تُطرح فيها مسائل تتعلّق بالهوية والوضع المعيشي وتآمر الدول الاستعمارية على بلادنا السورية، لتمزيقها وزرع السرطان الصهيوني في أحشائها.

انتمى في مطلع الخمسينات ما يُقارب الـ 25 رفيقاً من مختلف عائلات البلدة، وكان ذلك في بداية عام 1953 ، حيث كان يزورنا لعقد حلقات إذاعية تُشرح فيها عقيدة الحزب.

عرفت شمسطار في ذلك العام نشاطاً إذاعياًثقافياً متميّزاً. وكان المنفذ العام في ذلك الوقت الأمين الراحل مصطفى عبد الساتر(4)، فأخذت فروع الحزب تنتشر في القرى القريبة منا، كبلدات طارياحدث بعلبكالنبي رشادالسعيدةبودايشليفادير الأحمر.

كما كان بعض المدرسين القوميين يعملون في مدرسة القرية، أذكر منهم الرفيقَين محمود سلامة وراجح نافع، فامتدّت الحلقات الإذاعية إلى المدرسة وكان طليعة طلابها يحضرون الحلقات الإذاعية الثقافية.

في شتاء عام 1953، كنتُ طالباً في الصفوف التكميلية في المعهد الثانوي في رأس النبع. كان زميلي في الصف رفيق من بلدة طاريا القريبة من بلدتنا يُدعى حسن محمد حسين حمية، دعاني مرة لحضور احتفال في ذكرى مولد سعاده في منزل في رأس بيروت. كان الخطباء في ذلك المهرجان: المحامي نديم حاطوم وآخرون، وكانت كلمة المركز للأمين الراحل إنعام رعد، الذي لفتني خطابه الفكريالعقائدي البليغ، فرحتُ أدرس بعناية كلّ ما له علاقة بفكر الحزب.

في صيف عام 1954، اطّلعت على منشور وزّعته منفذية بعلبك عنوانه: من أنطون سعاده إلى المواطنين في لبنان، وقد جاء فيه: «ما دمنا نقتتل على السماء فلن نربح الأرض». هزّني ما قرأته في المنشور، فقرّرت الانتماء إلى الحزب. كان شهود القسم الرفقاء: راضي الحاج حسن، محمد أسعد دلول وناموس منفذية بعلبك الرفيق حسن عبد الساتر والد الرفيقة زينب عبد الساتر.

بين الأعوام 1953 و1955 انتمى ما يقارب الـ 40 رفيقاً، وهم نخبة شباب شمسطار. في تلك الفترة، وبعد مقتل العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955 واضطهاد الحزب في الشام، وبفعل الحملة الإعلامية على حزبنا، والهجرة من الريف إلى المدينة والهجرة للعمل في الخارج، وبعد الموجة الناصرية وأحداث عام 1958، بدأت مسيرة الحزب تتعثّر في شمسطار وسواها من بلدات المنطقة.

أما أسماء بعض الرفقاء الذين انتموا في تلك المرحلة، فأذكر منهم: محمد أسعد دلولحسين يوسف دلول (طالب) – توفيق محمد الطفيليتركي غصنراضي علي الحاج حسنحسين عبد اللطيف الدلبانيمحمد عبد اللطيف الدلبانيخليل إسماعيل غصنإبراهيم إسماعيل غصنحسين علي الحاج ديابعباس سماحة (طالب) – أسعد حسن زينإبراهيم زينعلي مصطفى زينمحمد الحاج عوض النجارسعيد سلمان (طالب) – فوزي سلمان (طالب) – محمد حسن زينحسين وهبة العزيزإبراهيم الحاج حسين علي قاسم (طالب) – علي إسماعيل غصنالشهيد علي مصطفى الحاج حسنعلي مرشد خنجرمحمد الأميرمحمد حسن زين وآخرين.

بعد انتمائي في صيف عام 1954 في مديرية شمسطار، انتقلت في فصل الخريف للدراسة في بيروت، أُلحقت بمديرية العاملية في منفذية الثانويين وكان مديرها الأمين الحالي إبراهيم غندور. في أواخر نيسان من عام 1955، أبلغنا المدير بأن حالة طوارئ بدأت إثر تعرّض الحزب للملاحقة في الجمهورية الشامية. لجأ عملنا الحزبي إلى تنظيم الزُّمر، كل رفيق يتصل عند أيّ أمر طارئ بمسؤوله المباشر ويمنع عليه الاتصال الحزبي بآخرين من الرفقاء الذين كان يعرفهم سابقاً، كما منع علينا التداول بالأمور الحزبية أو التعليمات التي نتبلّغها إلا مع من يطلب إلينا إبلاغهم إياها.

كانت حياتنا الحزبية في صفوف الطلبة على درجة عالية من الانضباط والطاعة والتلبية السريعة في تنفيذ المهمات الحزبية، لم أعرف المراهقة في تلك السنّ المبكرة، فقد تحوّلت مراهقتي إلى عشق للحزب وانكباب على التثقف بعقيدته والنشاط في أوساط الطلبة لإدخالهم فيه، كما كانت تعليمات المسؤولين لنا بضرورة النجاح والتفوق في دراستنا، لأنّ المقصرين منا سيتعرّضون للعقوبة الحزبية.

بالمسؤوليات الحزبية:

مفوض في منفذية الطلبة الثانويين.

مدير مديرية في شمسطار، ثم في الضاحية الشرقية.

ناظر إذاعة في منفذية الضاحية الشرقية، ثم في منفذية بيروت وفي منفذية زحلة.

رئيس لجنة إذاعية في سجن القبة في طرابلس.

ناظر إذاعة وناموس منفذية في سجن القلعة.

ناموس منفذية بيروت.

مندوب مركزي في الجنوب اللبناني.

عميد للإذاعة، أكثر من مرة.

منفذ عام بعلبك ومشرف على منفذية الهرمل.

مدير مديرية الطلبة في منفذية زحلة.

خازن عام، أكثر من مرة.

ناموس مجلس عمد.

محاسب في عمدة المالية.

مدير مكتب الشهداء.

وكيل عميد المالية وجابٍ عام، أكثر من مرة.

عميد مالية.

مدير إدارة مجلة البناء.

منفذ عام الضاحية الجنوبية.

وكيل عميد إذاعة.

عضو رديف في المجلس الأعلى.

وكيل عميد شؤون عبر الحدود مرتين.

نلت رتبة الأمانة في عام 1977.

1 – مرحلة ما بعد المالكي:

على إثر مقتل العقيد عدنان المالكي في نيسان عام 1955، تعرّض القوميون الاجتماعيون في الجمهورية الشامية لحملة قمع واضطهاد لا مثيل لها، إذ دخل المئات منهم إلى سجن المزة وسجن القلعة وسواهما من سجون الشام، وكان على رأس حملة اضطهاد الحزب المقدم عبد الحميد السراج الذي مارس قمع العديد من الأحزاب الأخرى، إذ كان وراء مقتل المرحوم فرج الله الحلو، القيادي الشيوعي المعروف بعد اعتقاله في سجن المزة. وقد قاد وكيل عميد الإذاعة يومها الأديب الكبير سعيد تقيّ الدين حملة إعلامية ضخمة ضدّ اضطهاد السراج والزمرة العسكرية المعاونة له لرفقائنا في الشام، حيث كانت كتاباته في جريدة «صدى لبنان» تهزّ ضمير القوميين الاجتماعيين والمواطنين في الوطن والمغتربات، تاركة نقمة عارمة في الشعب على تلك الزمرة المشبوهة الحاقدة التي حوّلت الشام إلى سجن كبير، كما نقلت تلك الزمرة المعركة إلى لبنان، فخطّطت لاغتيال عميد الدفاع في الحزب الرفيق غسان جديد بواسطة أحد عملائها ويُدعى عزت شعت، حيث اغتاله في رأس بيروتشارع الصيداني. كان شعت هذا يتنكر كبائع مكانس، وقد شُيّع الشهيد غسان جديد بمأتم قومي اجتماعي حاشد شاركت فيه جميع منفذيات لبنان وبعض الرفقاء الذين جاؤوا بشكل فردي من جميع كيانات الوطن، فكانت صفوفهم تسير بشكل منتظم من مستشفى الجامعة الأميركية إلى جبانة الباشورة بصفوف خماسية وعلى وسع الشارع، مع حراسة على جانبَي تلك الصفوف. وقد وصل الموكب إلى مدفن الباشورة، فيما كانت نهاية الصفوف ما تزال في منطقة القنطاري، والكلمة الوحيدة المركزية كانت لرئيس الحزب الأمين أسد الأشقر، الذي دان فيها أسلوب الاغتيال السياسي الذي تترفّع عنه النهضة، عاملةً على زرع الفضائل في مجتمعنا، كما كان لذلك الحشد صداه الواسع في الرأي العام، على أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حركة شعبية واسعة النطاق.

2 – حوادث العام 1958:

كيفية اشتراكي في معركة عام 1958:

كانت الراديوات هي وسيلة الإعلام التي تنقل مباشرة أخبار المعارك بين «الثوار» والمتصدين لهم، وكان الحزب مستهدفاً بشكل رئيسي في تلك الأحداث، إذ بدأت طلائع نقل المعركة إلى لبنان بعد ضرب الحزب في الشام إثر مقتل العقيد عدنا المالكي الذي اتُّهم الحزب بتدبير اغتياله. كما كانت تحقيقات القضاء الحزبي قد أدانت رئيس الحزب جورج عبد المسيح بأنه وراء تلك الجريمة فطردته من الحزب، ومع ذلك لم تسلم صفوف القوميين الاجتماعيين ولا بيوتهم من الاعتداءات والتحريض على تصفيتهم، كما كانت إذاعة «صوت العرب» التي تبثّ أخبارها من القاهرة وخاصة بعد تحقيق «الوحدة» السوريةالمصرية في شباط عام 1958 تقوم بدور كبير في عملية هذا التحريض لضرب القوميين الاجتماعيين وتصفيتهم، وقد قامت إذاعة دمشق بنفس الدور ناعتة الحزب وقيادته بالعمل لخدمة المصالح الأجنبية، إذ لم يسلم من أذى السراج العديد من سياسيي الشام في الحزب الوطني وحزب الشعب وبعض السياسيين المستقلين. كان عميد الدفاع يومها المقدم المسرّح من الجيش الشامي الرفيق فضل الله أبو منصور، وكان يعاونه في العمدة بعض الرفقاء العسكريين المسرّحين من الجيش الشامي، أذكر منهم الرفقاء: عبد الوهاب التركماني(5)، محمود نعمة(6) وآخرين. في أحد الأيام سمعت من إذاعة صوت العرب بأنّ جماعة المرحوم كمال جنبلاط يهاجمون مطار بيروت لاحتلاله، وأنّ القوميين الاجتماعيين يتصدون للهجوم في منطقة شملان المشرفة على المطار، ويُنتظر بين ساعة وأخرى أن يُقضى على «عصابات القوميين» ليصبح المطار في قبضة الثوار، هكذا، عندها قرّرت أن ألتحق مع أحد الرفقاء من أبناء بلدتي بصفوف الرفقاء المقاتلين والذهاب إلى شملان.

استدنت مبلغ خمس ليرات لبنانية من أحد أقربائي، وبعد أن تسلّمت المبلغ قلت له: أنا ذاهب للالتحاق بصفوف مقاتلي الحزب، فإذا عدت سالماً سأدفع لك المبلغ الذي استدنته، وإذا لم أعد سالماً طالب أهلي بهذا الدين، ثم وقّعت له إقراراً بمبلغ الدين. كان الحزب قد أقام مخيماً للتدريب في منطقة شتورة قرب منزل الرفيق المرحوم ميشال سعادة(7). بقينا حوالى الأسبوع في شتورة نتناوب الحراسة ونتلقى بعض التدريبات على السلاح وكيفية استعماله، وبعد يومين من التحاقنا بذاك المخيم، حُسمت معركة شملان لمصلحة الحزب التي سجّل فيها الرفقاء بطولة نادرة وروحية اقتحامية عالية أثارت إعجاب مراقبي تلك الأحداث الدامية من وسائل إعلام محلية وأجنبية. طالبت بمقابلة منفذ عام زحلة الرفيق ميشال سعاده، وقلت له: «مع أنّ معركة شملان قد حُسمت لمصلحة الحزب، إلا أنني أرفض أن أبقى في هذا المخيم للقيام بالحراسة فقط، ولذلك أقترح عليك إرسالي إلى عمدة الدفاع لتقوم العمدة بإرسالي إلى جبهات القتال. في اليوم التالي تمّ نقلي مع بعض الرفقاء إلى «بيت الشعار» حيث كان مركز عمدة الدفاع، ومن هناك أرسلونا إلى مخيم العرزال في ضهور الشوير. كان آمر المخيم الرفيق عبد الوهاب تركماني (الأمين لاحقاً). كنا نخضع في ذاك المخيم لدورات تثقيفية يقوم بتغطيتها الرفيق أكرم دندشي، وهناك تعرّفت على الرفيقَين عبد الحافظ الراوي وعبد الرزاق منديل(8) وآخرين. كان آمر المخيم يرسل يومياً دوريات أمنية في منطقة المتن. كان الرفقاء في ذاك المخيم مثال التلبية والانضباط والأخوة القومية الاجتماعية العميقة الراقية. كان معنا في ذاك المخيم رفيق من البقاع الغربي يُدعى علي يوسف محمد ديب، ذهب بعض الرفقاء وبينهم علي يوسف ديب وعبد الحافظ الراوي في دورية أمنية باتجاه بلدة عينطورة في المتن الشمالي، وحين وصلوا إلى هناك وهمّوا بالرجوع إلى المخيم، قال الرفيق علي يوسف ديب لآمر الدورية الرفيق عبد الحافظ الراوي: حضرة الآمر، أعتقد أنّ المقاتلين الاشتراكيين يختبئون وراء تلك التلة. فعلّق على كلامه الرفيق الراوي قائلاً: «يا رفيقي، يُعرف الأفق بأنه آخر مدى يصل إليه النظر، أما أنت فإنك ترى ما وراء الأفق». ثم أمر الدورية بالعودة إلى المخيم.

في صبيحة أحد أيام الصيف، وكان قد مرّ شهر على تركي منزلي العائلي، إذ كنت أقوم بتحضير متراسي على مشارف المخيم، ناداني رئيس الحرس طالباً إليّ الذهاب إلى خيمة الآمر، وحين دخلت خيمته وقفت على بعد ست خطوات وأدّيت له التحية وعرّفته بِاسمي، فطلب مني الاستراحة والسلام على والدتي التي جاءت تزورني مع عمي وابن خالي، بعد أن أضاعوني شهراً وهم لا يعرفون أين مكاني، سلّمت عليهم وبعد تبادل الحديث معهم ومع آمر المخيم، قال لي: والدتك تريد أن تذهب معها إلى المنزل، فأنت وحيد، والحزب الآن ليس بحاجة إلى خدماتك، جهّز حاجياتك ورافقهم إلى عمدة الدفاع والعميد هناك سيتصرّف بما يراه ملائماً. نفّذت الأمر وقابلت العميد فضل الله أبو منصور، الذي كان قد قابل عمي ووالدتي وابن خالي قبل مقابلتي، وبسبب إصرارهم على اصطحابي إلى البلدة، أمرني العميد بالعودة إلى قريتي وتزويد العمدة بتقارير أمنية عن المقاتلين العاملين مع أجهزة السرّاج المعادية للحزب من أبناء المنطقة. عدت إلى القرية، فوجدت أن الرفقاء فيها، بسبب تأثر أهاليهم بالمناخ المعادي للحزب في البلدة، وخوفاً من مخابرات السراج، شبه متقاطعين، فساهمت بإعادة إحياء النشاط الحزبي المتحدي رغم كلّ الصعوبات والأهوال، وقد تجاوب معي في إحياء العمل الحزبي العديد من رفقاء المديرية، حيث تحمّلت فيها المسؤولية الأولى.

 

هوامش:

 

(1) مصطفى جمول: يصحّ أن أكتب عنه، وعن شقيقه الرفيق الدكتور محمود جمول الذي كنت عرفته مع بداية انتمائي إلى الحزب، وقرأت له في أول عدد صدر عن مجلة «آفاق».

(2) حسين الشيخ: من أبطال الحزب، تميز بالكثير من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي. بطل عملية الاقتصاص من السفيه يوسف شربل، للإطلاع مراجعة النبذة المعممة عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

(3) أدونيس نصر: المميز في تفانيه الحزبي. لم يعرف غير الحزب حياة نضالية جسّدها على مدى سنوات انتمائه الحزب. تربى بهدى سعاده على يد والده الرفيق المميز التزاماً وتفانياً أسعد نصر، كُتب عنه الكثير عند استشهاده، ويستحق أن يُكتَب عنه أكثر. للإطلاع على النبذة المعممة عنه مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

(4) الأمين مصطفى عبد الساتر: مراجعة النبذة المعمّمة عنه على الموقع المذكور آنفاً.

(5) الأمين عبد الوهاب تركماني: كما آنفاً.

(6) الشهيد محمود نعمة: كما آنفاً.

(7) الرفيق ميشال سعادة: كما آنفاً.

(8) الرفيق عبد الرزاق منديل: كما آنفاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى