الوطن

هل من معجزة تنقذ لبنان قبل فوات الأوان…؟

} علي بدر الدين

لم تخجل الطبقة السياسية الحاكمة من نفسها ومن شعبها، ولا من تاريخها السلطوي المغمّس بدمائه ولقمة عيشه وحرمانه وإهماله ونهب أمواله، وما يعانيه من جائحة كورونا وتداعياتها التي تفتك به مرضاً وموتاً وعطالة من العمل وفقراً وجوعاً، ولم تعد تستحي «بعد أن طقّ شرش الحياء» عندها. ولا ترى سوى مصالحها وحصصها وتراكم ثرواتها، والقضاء على ما تبقى في هذا البلد، من أمل وحقوق لهذا الشعب المسكين، المترنّح الفاقد للرجاء، بصمته المستغرب على ما تفعله فيه هذه الطبقة منذ ثلاثين سنة، كأنه غير موجود.

هذا ما أتاح لها أن تسحقه من دون ان يرفّ لها جفن، وسلبه وإفقاده كلّ مقومات حياته بلا رحمة، ولا ضمير، حيث أغرقته في الفقر، والجوع والمرض، وسدّت في وجهه فرص العمل والنجاة، وكبّلته بسلاسل وقيود، وتحويله إلى فريسة سهلة مطواعة تبتلعها متى تشاء، وبالطريقة التي تخدم مصالحها، واستمرار إمساكها بالسلطة والقرار والمقدرات، من دون أن يحرك ساكناً أو يرفع رأسه أو صوته مطالباً بحقه المسلوب من زمن طويل.

قيل لفرعون «من أين لك هذه القوة والنفوذ والاستبداد والظلم؟ أجاب: لم أجد من يردّني ويردعني».

إنّ مصيبة هذا الشعب تكمن في سكوته على فراعنة العصر، واستسلامه لهم ولواقعه المزري، وتركه الحبل على غاربه لهذه الطبقة التي تمارس عليه تسلطها وجشعها وسلوكها المشين وانغماسه الكلي في اللعبة التي جرته اليها، بعناوين سياسية وطائفية ومذهبية، تحاكي غرائزه بهدف تجهيله ودفعه للارتماء في أحضانها. وكما يُقال «على قلبه سمن وعسل». كأنه حقق نصراُ مبيناُ، وبات يتلذذ بدمه كمن يلحس المبرد، من دون أن يشعر بالألم، والدماء تنزف من جسده الهزيل.

إنّ مسؤولية الشعب «الساكت عن حقه شيطان أخرس» كبيرة. وقد فاته قطار الخلاص والإنقاذ، بعد أن أدخل نفسه طوعاً أو قسراً في أنفاق هذه الطبقة وألاعيبها ودهائها، وهي المتمرّسة بسياسة امتصاص النقمة واستيعاب الناقمين، بكلمة أو إشارة، أو ترغيب أو ترهيب. وبالتلويح بالعصا والجزرة، وهي التي عرفت بخبرة عقود من احترافيتها السياسية وفي الحكم من أين تؤكل أكتاف الشعب وكيف تروّضه وتسقطه بالضربة القاضية.

الأسوأ أنّ هذا الشعب لا يزال مُصراً على التمسك بقشة جلاديه. على قاعدة «القط الذي يعشق خناقه» والانجراف من دون وعي إلى شعارات وعود «لا تغني ولا تسمن…» ولا تطعم جائعاً، ولا تعالج مريضاً، ولا توفر عملاً، ولا تنقذ وطناً ولا تبني دولة ولا مؤسسات، ولا تنفذ قانوناً.

ما زاد «طينة الناس بلة» وهمّاً وانزلاقاً نحو الأخطر المنتظر والمتوقع، أنه ليس في الأفق ما يوحي بأنّ الطبقة السياسية في وارد فرملة انسياقها نحو مزيد من «إنجازاتها ومآثرها» التي أسقطت لبنان في المجهول، أو أقله التراجع عن نهج اعتمدته طوال حكمها وتحكّمها غلّبت فيه مصالحها وشهواتها، على مصلحة الناس والوطن، وهذا ما يتبدّى اليوم في مواصلة سياستها العرجاء الملتوية، وفي إغداقها الوعود التي لا يمكن ترجمتها في أي استحقاق، أو قضية، أو أمر يتعلق بواقع البلد وإمكانية إنقاذه من براثنها ونهمها للسلطة والمال.

 بكلّ بساطة ووضوح أنّ هذه الطبقة، لم تعد هي الجهة الصالحة التي يمكن الوثوق بها، بعد أن رسبت في امتحان قيادة سفينة البلد أكثر من مرة، وأغرقتها بحمولتها، وضيّعت كلّ الفرص التي أتيحت لها محلياً وخارجياً. أكثر من ذلك، واصلت انجرافها باتجاه ما يخدم سياستها وتسلطها، بعد أن اعتادت على الفساد والنهب والهدر والمحاصصة في كلّ شيء. وهذا يعني، أنّ الرهان عليها اليوم وغداً وبعد غد ساقط وغير ممكن، لأنّ التعويل عليها بعد كلّ سقطة سيُعمّق الأزمات ويُراكم الخطر.

آخر وعودها التي أغدقتها على اللبنانيين، أنها ستؤلف حكومة ليست كالحكومات التي سبقتها شكلاً وحجماً ونوعاً، وأفعالاً، وسرعة قياسية. غير أنّ الحكومة الموعودة بمسمّياتها المختلفة، لم تبصر النور، ولم يتحقق الوعد. على العكس، كلما طال الانتظار ازدادت العقد وتشعّبت المطالب والشروط من القوى السياسية والطائفية، وعادت الأمور إلى المربع الأول.

إنّ تأليف الحكومة متوقف على عدد الوزراء، والخلاف على أن يكون ما بين ١٨ او ٢0 أو ٢٢، وإنْ تأخر التأليف. فضلاً عن توسع مروحة العقد الطائفية والمذهبية، وكلّ عقدة تحتاج إلى جولات وصولات لحلها، ثم فجأة تسحب عقد جديدة كانت في الاحتياط وغير محسوبة

يبدو مما يحصل انّ القرار بتأليف الحكومة لم يتخذ بعد، وليس وقتها في هذه المرحلة. ولم يحن موعد ولادتها، رغم ما يواكبها من أصداء إيجابية وإشاعة أجواء تفاؤلية غير واقعية، ولا يعدو كونها مجرد بالونات هوائية وفقاقيع صابون.

إنّ لبنان فعلاً عالق في المصيدة ويشتدّ الخناق عليه، بعد أن فشلت المساعي والمبادرات أو أقله تعرقلت وآخرها المبادرة الفرنسية، التي زاد في تأزّمها مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ما يتعلق بالإساءة إلى النبي محمد، وتداعياتها على مستوى الداخل الفرنسي والخارج الإسلامي. وهذا ما يؤكد أنّ الرهانات على الخارج، أو على استفاقة الشعب اللبناني من غيبوبته ساقط، وقد سبقهما سقوطه على الطبقة السياسية الحاكمة التي لا تملك حتى قرار تأليف حكومة.

لا خلاص ولا حلول ولا إنقاذ، ولبنان واقع بين فكي كماشة، وتحت ضربات مطرقة المصالح الدولية والإقليمية وسندان الطبقة السياسية التي لا يمكن أن تبدّل جلدها، او تغيّر نهجها او تتخلى عن مصالحها وامتيازاتها وثرواتها.

 المهمّ أن تبقى مواقعها السلطوية وأموالها وأزلامها بأمان، ومن بعدها الطوفان والغرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى