تحقيقات ومناطق

عام على الحراك… شياطين المشاريع المشبوهة حرفت البوصلة الساحات انفصلت عن وجع الناس وعود على بدء بالتكليف والتأليف

 

تحقيق ـ عبير حمدان

انقضى عام على الحراك الذي بدأت شرارته «مطلبية» ولم تلبث ان تحوّلت الساحات «المنتفِضة» الى منابر مسيّسة ومشبعة بالطائفية وضاجّة بالتصويب على المقاومة، وكأنّ نقطة القوة الوحيدة التي نمتلكها مفروض عليها تحمّل تبعات ما قام به النظام الفاسد والقائم على منطق المحاصصة، مسقطاً من حساباته مفهوم الإنتاج من خلال تثبيت سياسة الاستهلاك.

في منتصف تشرين الأول من العام 2019 كان قرار وضع الضريبة على تطبيق «الواتساب» الصاعق المفجّر لغضب الشارع، ولعلّ عفوية الأيام الاولى للحراك حفزت المواطنين بإمكانية حدوث تغيير فعلي في السياسات الاقتصادية ومحاسبة الفاسدين، لكن دخول شياطين المشاريع المشبوهة بين تفاصيل المطالب المحقة حرفت البوصلة وأصبحت الساحات غريبة عن وجع الناس.

الحراك وما تبعه من إشكاليات ومشاكل متنقلة بين المناطق بسبب لجوء بعض الموتورين إلى قطع الطرقات وفصل المناطق عن بعضها البعض مما أثر سلباً على جزء كبير من المواطنين خاصة الذين يكسبون رزقهم بشكل يومي، وارتفاع سعر الصرف بحيث فقدت الليرة قيمتها كلياً، ثم كان الوباء وإغلاق البلد وتوالي الأزمات وصولاً الى انفجار المرفأ وتداعياته، كلّ ذلك يجعل المشهد سوداوياً رغم «التفاؤل» المستجدّ بإمكانية تشكيل حكومة يُقال إنها تنوي إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

«البناء» لم تغب عن نبض الشباب منذ بدء الحراك انطلاقاً من قناعة مهنية بأنّ الإعلام يلعب دوراً اساسياً في تقويم الأمور ووضعها في مسارها الصحيح لجهة الإضاءة على الحسّ الوطني لدى جيل الشباب الذي يترتب عليه التمسك بكلّ عناصر قوته والنهوض بالمجتمع على أسس ثابتة.

جزء من أصحاب الشعارات السياسية عمدوا إلى إحياء ذكرى «ثورة 17 تشرين» وفق تعبيرهم بتكريم «رموز ثورتهم» متكلين على الإعلام الاستعراضي لتضخيم الحدث إنشائياً وتصويرياً، ومن هنا لا بدّ من التوجه بالسؤال الى جيل الشباب عن تقييمه للحراك بعد كلّ ما حصل من حوادث خلال عام كامل من التخبّط.

عاصي: تراجع سببهالقوقعة الطائفية والشعارات الواهية

أعتبر بشير عاصي أنّ من ركب موجة الحراك واستغلّ أوجاع الناس هو من يحتفل به اليوم، وقال: «ما حصل لم يرتق الى مستوى الثورة، فالثورة لها أهداف وخطة وقيادة واضحة تقود الناس الى التغيير الحقيقي الذي يعبّر عن طموحات الكثيرين التواقين للارتقاء بمفهوم النظام والدولة.

 ما حصل لم يكن أكثر من انتفاضة او حراك ينمّ عن انفجار اجتماعي وقتي بسبب بعض القرارات السلطوية المتكئة على أتباعها، عوّلنا كثيراً على الحراك الذي التفّ حوله السواد الأعظم من اللبنانيين، وبنينا آمالاً كبيرة عليه لأنه هزّ عصب النظام الطائفي إلا أنه سرعان ما تراجع بسبب تبعية الأكثرية وقوقعتهم الطائفية والمذهبية متأثرين بشعارات واهية لا تمتّ للتغيير بصلة ودخول السلطة بكلّ قوة على خط الحراك واستغلال أوجاع الناس الى جانب العنف الذي مورس بحق من يرفعون راية لبنان وقوّته بمقاومته ومن يملك مشروع تغيير حقيقي، من ركب موجة الحراك هو من يحتفل به اليوم وهو أصلاً جزء لا يتجزأ من السلطة البالية، أما من يخاف على وطنه فهو لا يملك حتى الآن مشروعاً واحداً يرتقي الى مستوى ثورة».

الجوهري: خيبة وانقسام فتت الحراك

من جهتها رأت ريان الجوهري انّ انحراف الحراك من مطالب معيشية الى ضرب المقاومة فتت الشارع وعرّضه للانقسام، وقالت: «كنا قد علقنا آمالنا على هذا الحراك خاصة في البداية، (مطالب معيشية اجتمع حولها جميع اللبنانيين).

لكن حين ركبت الأحزاب التي خرجت من السلطة موجة الحراك، وأصبح للثورة أيقونات من صحافة ومؤثرين اجتماعيين، منتفعين من السلطة بشكل أو بآخر أو أشخاصٍ معروفي الهوى والتمويل، خاصة مع ظهور الجمعيات غير الحكومية في الشوارع، وحين تحوّلت مطالب البعض من المعيشية إلى ضرب المقاومة، بدت الخيبة واضحة لدى الكثيرين وأنا منهم وبدأ الشارع يتفتت بالإضافة إلى انقسامه إلى عدة جماعات وعدة حركات تخوّن بعضها بعضاً.

وطبعاً مفهوم الوعي الذي يجب أن يكون تراكميّاً، مع كلّ الأزمات والحقائق التي أثبتت عن فساد أغلب من تولوا السلطة، لم يتحقق، لا بل ما زلنا جماعات طائفية مناطقية بعيدة عن الوعي.

لذلك اليوم وبعد سنة، لا أمل من هذه البلاد لأنّ غالبية الشعب قرّر أن يعتاد وينصاع ولم يتعلم من التجارب السابقة».

مرتضى: علينا تخطي الشعور بالهزيمة

اما محمد مرتضى فقال: «إنّ تحوّل مثل هذه التواريخ الى ذكرى سنوية يتمّ إحياؤها هو اليأس بذاته، لذا علينا تخطي هذه المشاعر كي نتمكن من الاستمرار وبالتالي تخطي الشعور بالهزيمة.

لا يوجد «انتفاضة» منتصرة، الانتفاضات دائماً مصيرها أن تهزم، لكنها تؤسّس لما هو أكبر منها لا بل ما هو أكثر صلابة للوصول الى معالجة جذرية لواقع مفروض».

المقهور: ضياع كلّ ما حلمنا به

الدكتور أمجد المقهور أكد أنّ التراشق بالتهم ليس حلاً إذا أردنا تحقيق التغيير، وقال: «برأيي انّ لغة التخوين والاتهامات المتبادلة بين كافة الأطراف بالإرهاب والعمالة جزء من ثقافة الشارع اللبناني لذا لم يكن من المستغرب أنّ نزول الناس الى الشارع للتعبير عن غضبهم كان فرصة لخروج هكذا لغة جراء اختلاف العقليات والخلفيات الثقافية، وبالتالي تظهر طبيعة كلّ مجموعة او فرد للعلن بشكل يثير جدل في الشارع اللبناني وهنا يبرز سؤال جديد، وهو هل الحلّ والتغيير يكون بالتراشق بالتهم الموروثة أم بالحوار والنقاش والسعي الى تقريب وجهات النظر؟»

اضاف: «اعتقد أننا شهدنا الجواب على هذا السؤال في الجزء الثاني من الحراك حين تحوّلت ساحة بيروت لمجموعة ملتقيات ثقافية وحوارية، وكنا نتمنى ان تستمرّ لتحوّل الحراك الى «نهضة ، ولكن هنا كانت الكلمة الفصل للجهات المحنكة سياسياً التي اخترقت صفوف التحركات وقلبت الشارع على بعضه عبر زرع مجموعات بلطجية ضيّعت البوصلة.

للأسف اليوم بعد مرور عام على الحراك أظنّ انّ كلّ الذي حلمنا به ضاع ومن الصعب جداً ان يعود لأنّ الشرخ اتسع اكتر واصبحنا أقرب الى الحرب الأهلية منها الى الثورة..

كفاح جواد: صراعنا في بناء وطن مستمر

اما كفاح جواد (مغترب شارك في الحراك) فقال: «في بلد مثل لبنان ايّ حراك عابر للقبائل الطائفية هو بالفعل يرتقي الى مستوى ثورة. فليس كلّ الثورات تنجح او تحقق أهدافها بمدة قصيرة، إلا الانقلابات العسكرية في أمتنا التي سُمّيت ثورات ولم تكن كذلك.

لبنان بلد أسّس على حجم طوائف وربط المواطن بطائفته انْ كان بحقوقه او حتى بواجباته، وقد ترسّخ هذا النظام على مدى ١٠٠ عام، لذلك فإنّ من ينتظر تغييرات جذرية في سنة او سنتين بعد ثورة شعبية هو واهم، ومن يظنّ انّ بقاء النظام وعودة السياسيين أنفسهم للحكم على أنه فشل للثورة فهو خاطئ».

وتابع: «ثورة تشرين أو حراكه، كي لا نغوص في نقاش التسميات، خلقت طاقة إيجابية وأسست مجموعات يعوّل عليها لتغيير جذري سنرى نتائجه مستقبلياً، ولم أستغرب محاولات تسلق الثورة من البعض او محاربتها من البعض الآخر فلكلّ قبيلة طائفية في لبنان جمهورها وساحتها. والصادقون في هذه الثورة أقلية في بحر من الأتباع برضى كان او بالقوة.

بعد مرور سنة وبعد تجارب كثيرة على الأرض لم يخب ظني في الصادقين برغم كلّ اللغط الإعلامي الموجه، فنحن في لبنان وخلال العام الفائت انقسم الإعلام الى مجموعتين، مجموعة حاولت ان تبيّن انّ الثورة ضدّ المقاومة تحقيقاً لأهدافها المعروفة، ومجموعة أخرى ساعدت في إظهار أعداء المقاومة في الشارع لكي تقول انّ هذا الحراك او هذه الثورة مشبوهة، فالكلّ ضدّ ايّ تغيير او إصلاح لأنّ النظام الطائفي يفيد الجميع».

وختم: «هذا ما رأيناه في الذكرى السنوية، فالإعلام ككلّ وجه كاميراته لبعض المحتفلين وحجبها عن الصادقين الذين لم يتوقفوا عن التحرك بوجه مراكز القوى في هذا النظام، وهنا اتذكر كلمة للحكيم جورج حبش الذي قال؛ «صراعنا مع العدو الصهيوني لربما يستمرّ اكثر من مئة عام، فالذي لا قدرة له على الصبر أقول له تنحّى».

وأنا أقول صراعنا مع العدو الصهيوني وصراعنا في بناء وطن سيستمرّ لأعوام فلنكن كلنا طويلي النفس وصبورين».

زينب شمس: مخططللنيل من المقاومة والشعب

اعتبرت زينب شمس (مدرّسة) انّ الحراك نخره السوس والفساد، وقالت: «كان علينا ان نثور منذ ان بدت ملامح ملوك الطوائف الذين يتحكمون بالبلاد، ويزرعون التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال تعزيز المصالح الفئوية والفردية، كان علينا ان نثور وان تثور أحزابنا الوطنية لتحمل لواء الحرية والانتماء الوطني الحق.

لكننا استيقظنا بعد فوات الأوان لنجد انّ كلّ حراك ينخره سوس العمالة والمصلحة والفساد الأخلاقي والسياسي فنرتدّ خائبين. وهكذا حاولنا في ١٧ تشرين مؤمنين بقدرتنا على التغيير ذات يوم، الا انّ المفسدين والمتنفذين ويهود الداخل استغلوا انتفاضتنا وانتهزوا فرصة تنفيذ مخططاتهم للنيل من الشعب والمقاومة.

إنّ احياء ذكرى الثورة يكون عادة بعد الانتصار، فهل انتصرنا؟ طبعاً لا، والدليل هو إعادة تكليف وتأليف تحت الشعار ذاته «محاصصة»، ضاربين بعرض الحائط مطالب ومصالح ووحدة وكرامة الشعب، وتسييس الانتفاضة بالهتافات المكرّسة للزعامات المضلّلة وتكريم العملاء وتجريم المقاومين»!

فرح الجوهري: العصب الطائفيساهم في فشل الحراك

 اعتبرت فرح الجوهري (مدرّسة) أن تسييس الحراك من خلال العصب الطائفي قلب الموازين وقالت : «17 تشرين» يومٌ استبشر فيه خيراً كلّ لبنانيغيور على وطنه وأمنه ولقمة عيشه، رفعنا الصوت وكلنا أمل بالتغيير ولميكن لدينا أدنى شكّ بأننا سننجحبتغيير منظومة الفساد الحاكمة منذ 30 سنة.

إلا أنه وبعد أيام قليلة على الحراك بدأنا نشهد تغييراً في مساره وتسييساًوتوجهاً لشتم شخصيات دون غيرها وعدنا للشدّ الطائفي العفن،وانقلبت الموازينوصرنا نرى رموز الفساد هم من يطلبون من الناس النزول والمشاركة في الحراك وكأنهم ليسوانواة هذا المرض العضال».

في ذكرى «الثورة» مع التحفظ الدائم على كلمة ثورة تمّ تكريم شخصيات سمّت نفسها ثائرة، مع العلم أنها من أحزاب السلطة الحاكمة ومن ضمن المنظومة الفاسدة فكيف تكون ثورة ضدّ الفساد والسلطة وأبرز داعميها من السلطة ذاتها؟

وختمت: «مع اشتداد العصب الطائفي ومحاولة البعض إلباس المقاومة صفة الإرهاب اتضح لنا كيف تمّ العمل على إفشال الحراك من خلال التصويب على المقاومة باتهامها أنها السبب في دمار لبنان أمنياً واقتصادياً، ولعلّ المقاومة المتمثلة بحزب الله تُلام لأنها لم تسلك طريق التغيير في الداخل بالوقوف الى جانب وجع الناس، وهي المشهود لها أنها قدّمت الشهداء للدفاع عن لبنان الى جانب كلّ القوى الوطنية، ولكي نحافظ على إنجازات هذه القوى علينا ان نعمل من أجل ثورة حقيقية تسمو بوطننا كما يستحق».

ماجد: عدنا الى نقطة الصفر

اكدت غنوة ماجد (ربة منزل) أنّ هناك اطرافاً سياسية معروفة استغلت وجع الناس للتوصيب على المقاومة. وقالت: «المطالب المعيشية محقة ولكن حين يتمّ استغلال وجع الناس لأهداف سياسية مشبوهة علينا ان نفكر جيداً قبل الانجرار خلف شعارات لا تخدم عناصر قوتنا.

اليوم وبعد مرور عام على الحراك الذي بدأ عفوياً وشعبياً وطاب للبعض تسميته «ثورة» وفق حسابات خاصة تخدم أهدافه، ارى أننا عدنا الى نقطة الصفر، فمن أعلن انه استقال تحت ضغط الشارع ها هو يعود الآن ليقول إنه المنقذ، بالفعل ينطبق علينا المثال القائل انّ شرّ البلية ما يُضحك..»

أضافت: «لم يعد خافياً على أحد أنّ الهدف من تحريك الشارع ضرب المقاومة والدليل انّ أغلب الشعارات في أكثر من ساحة يعمد أصحابها الى تحميلها مسؤولية الانهيار الاقتصادي والفساد! من جهتي لا أفهم كيف ينساق البعض للسير في مشروع مشبوه ضدّ عنصر القوة الوحيد الذي يمتلكه البلد، وانا لا اتكلم على هذا النحو لأني ابنة الجنوب الذي عانى سنوات الاحتلال بل أقول قناعتي كمواطنة مؤمنة بأنّ المقاومة التي حمت الوطن وحرّرت الأرض وأذلّت المحتلّ وتصدّت للتكفيريين تستحق ان نحميها بكلّ ما لدينا من عزيمة وإرادة ومعها سنحقق التغيير لأننا على ثقة بأنها تدرك وجعنا».

خشاب: صرخة لم تلق آذاناً صاغية

اما جنان خشاب (موظفة) فقالت: «باختصار وبعيداً عن السياسة أنا لا أؤمن بأنّ واقع هذا البلد سيتغيّر طالما هذه الطبقة الحاكمة تكرّر ذاتها من خلال توريث بعضها البعض المناصب وتبادل المكاسب، حين خرج الناس الى الشارع في تشرين الأول من العام الماضي تحمّست للفكرة وشاركت في الأيام الأولى، ولكن مع ظهور التدخل الواضح لأحزاب السلطة أصبح لديّ قناعة بأننا لن نحقق ايّ شيء فهذا النظام القائم منذ عقود قضى على كلّ مقدّرات البلد ولم ولن يسمح لنا بالتقدّم مطلقاً، هذا النظام ساهم في تكريس هجرة شبابنا سعياً إلى حياة كريمة في بلاد الاغتراب ووحده المسؤول عن الانهيار الاجتماعي والاقتصادي وليس الشباب الذين نزلوا الى الشارع بشكل عفوي لإطلاق صرخة لم تلق اذاناً صاغية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى