في يوم التأسيس… موحّدون حتى سيل الدم في قلب الشرايين!
} د. كلود عطية
في يومِ التأسيس، نكتبُ بقلمٍ ينزِفُ من الحبرِ والدم ما يرسم ويلوّن زوْبعة انتصاراتنا، الممزوجة بألوان وأشكال نكاد لا نعرفها ولا تعرفنا. كأنها لم تشاركنا يوماً خطاب القسم، ولا تحية الشرف، ولا رفع العلم…
نحتفل بعيد التأسيس هذا العام، ويكاد لا ينفع الكلام… ولا يعلق في عقول وقلوب وأرواح مجروحة حتى الموت… ولكنك يا معلمي، الروح التي لا تعرف الموت.. فهي هنا.. في كلّ كلمة حق، في كلّ وقفة عز، في كلّ قطرة دم روَت تراب سوريانا.. فأنت النّصر الّذي كان، والنّصر الّذي سيكون… فانتصار الفكر أعظم انتصار في زمن المعتقلات الفكرية والأخلاقية والمناقبية.. حيث يفقد ضعفاء النفوس قوة المعرفة في كلّ فكرة، في كلّ كلمة، في كلّ موقف وخطاب.. وتبقى أنت مؤسّس النهضة وحزب النهضة رغم الغياب…
حضرة الزعيم، الجسد فلسفة الروح المسجونة بين جدران السلطة والفوقية والتبعية الى الفلسفة المادية.. أما فلسفة الروح الخالدة، فهي تشبه ابتسامة وجهك، حيث لا تغيب الشمس عن الحق والحقيقة القومية، التي فرضت وجود الصراع في وجود كلّ قوميّ حرّ مناضل غير متخاذل…
هنا حيث التقاء الأرواح في فلسفة مدرحية، توّاقة لتحيّتك القومية، لتحيا سورية، في كلّ نفس من أنفاسك، وفي كلّ خلية من خلايا جسدك المقتحم لكلّ خلايا أجسادنا وشرايين الدماء المرتهنة دائماً وأبداً، لكلّ حبة تراب عانقت جسد الأمة بل الكون حتى حدود السماء…
ولادة الحزب ولادة حياة، لنكون منذ تلك اللحظة من أبناء الحياة.. لا تفرّقنا أرض ولا سماوات ولا تخترق وحدة أرواحنا خلافات ولا حتى انقسامات.. فالوحدة لا تكون إلا بك، ولا تستمر إلا بتعاليمك وإرشاداتك وكلماتك، علّك تعود إلى أجساد المنسيّين المُبعدين.. علّك تعود فتشفي المنفصلين عن الذّات القوميّة. علّك تُعيد لأجسادهم فلسفة القوة والطّاقة الروحيّة، وتجعلهم ينطقون مجدّداً بلغة الانتماء والتمنّي الدّائم، باندماج الدماء بتراب تحضن دماء الشّهداء.. ليبقى الحزب حيث ينبت زهر الرّبيع القادم.. في تاريخ الولادة التي أُطلقت على باعث النهضة اسم سعاده.. لتحيا سورية ويحيا سعاده.
من لحظة اغتصاب الأرض وتقسيمها وبيعها في سوق العالمية، إلى هذه اللحظة المشؤومة من التّاريخ الذي شهد سقوط الأخلاق عن أجساد تعرّت من الأرواح.. فشرّعت لنفسها الخيانة والتبعيّة والذلّ والهوان…
عذرا سعاده… وأنت القائل «كنت أتوقع في غيابي أن يكون القوميون الاجتماعيون المهتمّون بالمسائل الروحية الثقافية والأسس الفكرية قد جعلوا همّهم الأول درس حقيقة مبادئ النهضة ودرس الشروح الأولية الأساسية التي توضح الاتجاه والغاية والأهداف القومية الاجتماعية، إرساخاً للعقيدة وتدقيقاً في العمل. هذا ما كان ينتظر. ولكن ما استغربته كثيراً جداً هو الاتجاهات الانحرافية التي نشأت وبرهنت على أنه لم يكن شيء مما توقعت. وقد ظهر، من الاختبارات التي مرّت في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، أنّ تاريخ الحزب، ضمن العوامل التي جابهها، لم يكن له أثر فاعل في التوجيه. وهذه الحقيقة تدلّ على أنه لم تكن هنالك عناية بتدريس تاريخ الحزب – تاريخ نشأته وسيره الأول – وكيف عالجها، وكيف أنشأ قضية عظيمة وجعلها تنتشر وتمتدّ وتسيطر، على الرّغم من كلّ الصّعوبات والعراقيل التي اعترضتها.
لم يكن الأمر يقف عند هذا الحدّ. فإنّ استغرابي بلغ حداً عالياً عندما وجدت أنّ أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي يدعون أنفسهم قوميين اجتماعيين، لأنهم مسجلون رسمياً في الحزب، يتقوَّلون في قضايا الحزب والعقيدة والحركة كما لو كانوا جماعة غرباء عن الحركة القومية الاجتماعية بالكليّة. النظاميّة الفكريّة والروحيّة والمناقبيّة التي كانت العامل الأساسيّ الأوّل في نشوء النّهضة القوميّة الاجتماعية، وتولّد هذه الحركة العظيمة الآخذة في تغيير نفسيّة هذه الأمّة ومصيرها، كادت تنعدم في دوائر الحزب العليا بعامل الإهمال، وأصبحت مهدّدة بالميعان العقدي والنظامي…
حضرة الزعيم.. قوة وجودك الروحي في الجسد المطعون بسيف الجهل والتكبّر والتسلط.. جعل طعنة السيف ترتدّ على أبناء الجهل ليبقى حزب المعرفة والنهضة والقوة مترسّخاً في أذهان القوميين والمواطنين.. حزباً عظيماً في فلسفته الروحية والمادية وفي أفكارك التي زرعت بذور الحقيقة الوجوديّة لترتفع سنابل الحياة إلى مراتب الحياة، ثم تنحني تواضعاً وأخلاقاً وقيَماً ليكون الحصاد أمّة منتجة مثمرة لا تعرف إلا العطاء ولا تركع الا للسماء…
طوبى للقوميين المثقفين المنتمين لبعضهم البعض، والمخاطبين بعضهم البعض بلغة الحزب والنّظام والالتزام بالأخلاقيات القومية.. هذه هي ثقافة القوميين الحقيقيين.. حيث لا نحتاج الحديث عن الوحدة لأننا موحَّدون حتى سيل الدّم في قلب الشرايين…
وهنا يستحضرنا خطاب سعاده:
« أيها السوريون القوميّون :
إنكم ارتبطم بعضكم ببعض وربطتم أرواحكم بعضها ببعض لأنكم تعملون في سبيل المبادىْ التي جمعتكم بعضكم ببعض. فابقوا منضمين متضامنين وكونوا عصبة واحدة أينما سرتم وكيفما توجهتم.»
هكذا في وحدة أرواحنا نحتفل بتأسيس حزبنا… ونعانق روح سعاده…