أخيرة

رحل الوزير وليد المعلم… غير مفارق

} د. سلوى الخليل الأمين*

هو القدر يفاجئنا على حين غرّة، فهو الحاكم الأوحد الذي نقف أمامه نحاول التفسير والتحليل، حين الموت وحده قادر على فكّ رموز الحياة بكلّ تشعّباتها، وحين من توهّج الضوء يأتينا الخبر اليقين.

رحل الوزير السفير وليد المعلم، مفاجأة لم تكن في الحسبان، أذهلتني، وجعلتني أقف لبرهة مشدوهة أمام عظمة الموت، إذ كيف يمكن لهذا الفارس أن يترجّل، وسورية حبيبته لا تزال تئنّ من غدر «الأحباب» و «الأصدقاء»، فهو الذي رسم لوطنه سورية أبهى الصور والمشهديات، حين كان سفيراً، وخصوصاً على مدى تسع سنوات في واشنطن.

لم أكن أعرفه، لكن حين أردنا تكريم السفير كلوفيس مقصود، حدثني طويلا عنه، ولما حلّ في ربوعنا مدعواً من «ديوان أهل القلم»، كي يمثل الوزير فاروق الشرع وزير خارجية سورية، تهيّبت الأمر، فهذا السفير يفوق بقدرته ومقدرته كلّ من سبقه من سفراء، ومجيئه إلى لبنان يعتبر الحدث المهمّ، بعد أن كان اسمه يرتفع في واشنطن والمحافل الدولية دفاعاً عن وطنه سورية.

وقف على المنبر قائلاً بهدوئه المعتاد: «لم أتمكن من تحضير كلمة». ظننت للوهلة الأولى أنه لن يتكلم وسيكتفي بما قاله، إلا انه تابع قائلاً: «أنا لم أستطيع أن أميّز بين كلوفيس الشخص والإنسان، وكلوفيس الصديق، وكلوفيس الكاتب والسياسي اللبناني والعربي، هذا يحتاج إلى وقت طويل، ولقد شعرت حين حضرت إلى هذه القاعة أنني تورّطت، فأنا بين أصحاب الدولة والمعالي والسعادة، وأنا بين «ديوان أهل القلم» ولست كاتباً أو شاعراً، لذلك كان عزائي أنّ في هذه القاعة مجموعة من أصدقائي بينهم السفير محسن العيني والسفير كلوفيس مقصود وقد عدت بالذاكرة إلى عقد من الزمان قضيناه معاً في واشنطنإلخ

ذكريات لا تنسى طبعت «ديوان أهل القلم» برحيل المواسم المتداخلة في عروبتها والتزامها القومي، وحرّكت بي حين رحيله جملة من المشاعر حملتها إلى الهناك.. إلى سورية.. حيث تولى السفير وليد المعلم مهام وزارة الخارجية في الزمان الصعب، حين تكالبت على وطنه كلّ نسور الغاب تبغي نهش سورية ومحوها عن خارطة العروبة، التي التزمتها وما زالت تخط لها عبر الزمن مسارات ومدارات.

الوزير والسفير وليد المعلم، كيف لي أن أقول فيك ما يعجز عنه الكلام، فأنت من وضع سورية في المقام الأول فلم يرتهن ولم يبعها في سوق النخاسة، كما الآخرين، وبقي محافظاً على هويته ألا تدنسها يد الأشرار، الذين حاكوا المؤامرات ضدّ سورية التي أحبّها كما قول الشاعر نزار قباني:

هذي دمشق وهذي الكأس والراح

إني أحب وبعض الحب ذباح

أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي

لسال  منه  عناقيد   وتفاح

هكذا كانت دمشق في مفكرته وهكذا كانت سورية في الوطن العربي: «الذي لا أحد في العالم يستطيع أن يضفي الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية إلا السوريون أنفسهم.. سيد كيري»، هكذا كانت جرأته، وهكذا خاطب وزير خارجية أقوى دولة في العالم، وفي وطني لبنان كم نحتاج لأمثال وليد المعلم كي يكون لدينا كرامة وطنية

رحمك الله يا أبا طارق، مثواك جنات النعيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*رئيسة ديوان أهل القلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى