ثقافة وفنون

عقدة في «الجسد البارد»..!

} مهى عبدالكريم هسي

‘’لقد أنجبتنا بطون واهمة، نحن لا شيء…»، بهذه العبارة يفتتح الكاتب (حسين طه السيد) روايته التي تبدأ بمشهد جنود في حالة تذمر (عرفة) و(عيد) و(سريطة)، وتتكرر هذه العبارة بأشكال شتى، وفق منظومة تقوم على هدر إنسانية الجنود وعبثية الوجود «نحن لا شيء…»، حيث يجد (عرفة) ورفاقه أنفسهم يعيشون حياة أرانب ويأكلون الأكل المخصص للكلاب، والذي عثروا عليه في قصر طُلب منهم الاستراحة فيه بعدما قام الضباط بسرقة محتوياته الثمينة.

ليلة رأس السنة تشكل منعطفاً مهمًّا ونقطة انطلاق الحدث الروائي، حيث يجتمع عناصر الموقع العسكري مع عشرين مدنيًا بينهم امرأة واحدة، بينما تطوع ثلاثة جنود لإنقاذهم من عاصفة ثلجية تركتهم عالقين في طريقهم من دمشق إلى بيروت. يقيم الجنود السوريون والمدنيون الفلسطينيون واللبنانيون حفلة رأس السنة في الموقع العسكري، ويجعل الكاتب من الاحتفال مختبرًا رهيبًا للهواجس، فقد كانوا ألعوبة في حرب أشبه بلعبة. في «الجسد البارد»، حيث يحتفل الجنود، نلحظ خوف الفلسطيني من السوري، واللبناني من الفلسطيني والسوري معًا، والسوري من السوري. بدا الجميع خائفًا من الجميع إلى أن أخذهم شرب النبيذ من وعيهم المرتبك، ليحضر خوف الأنثى الوحيدة بين مجموعة مقاتلين. كيف تحول الحرب الرجال إلى مهووسين؟ كان (سريطة) نموذجهم في الرواية، فقد خرب الاحتفال كي «يسهر مع الفرفورة» وعاد الخوف ليسيطر هذه المرة سيطرة بدت أنّها أبدية.

يكشف لنا الكاتب عن لسان (تيريز) – اللبنانية المقيمة في فرنساالأفكار التي جعلتها مصارعات العبيد تسكن خيالاتها عن الهمج، السوريين عن جهلهم الموغل ليبرز في المقابل منطق يشير إلى جهل (تيريز) نفسها بالسوريين حتى تبدو مشكلتها ليست مع السوريين أنفسهم إنّما مع صورتها عنهم. وقد ساعدها موقف (عرفة) على اكتشاف جهلها، إذ أنقذها من موت لا بد منه وآواها في غرفته، ثم راح يحكي لها حكايته عن الحرب وانسحاق إرادة الأفراد فيها، عن عجزهم واستلابهم. وعلى هذا النحو المؤلم تَتتابع فصول الرواية، حيث يُرمى الجنود إلى الهلاك، فيواجهون الموت جوعًا أو بطلقات قناص، يقعون ضحية لتآمر ضابط ما أو خطة فاشلة لضابط آخر. كانوا أرقامًا، دماءً مسفوكة لأسباب يجهلونها تمامًا.

النهاية بدت مرتجلة، وذلك بعد أن وجد الكاتب نفسه عالقًا داخل حلقات تكرر ذاتها من دون إضافة شيء. في الوقت نفسه، تنطوي تلك النهاية على رمزية عالية، بحيث تركت (تيريز) مغلفًا يحوي أربع صور (لعرفة) باللباس العسكري، كانت قد التقطتها له في غرفته، ثم نزعت رأسه من الصور الأربع! طالما هم يقاتلون في معارك خاطئة، فإنّ موتهم «موت مجاني». يجد (عرفة) العقدة التي اكتسبها تجاه بلده تتسرب إلى داخله، إلى حيث يكمن الحب، يكتشف مجانية مشاعره، ويقوم الواجب العسكري بالتطبيق الفعلي لرمزية أرادتها الحبيبة الوهم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى