الوطن

الحريري أحرق غيره فهل جاء دوره؟

} أحمد بهجة

بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة توقّع كثيرون ـ ونحن منهم ـ أنّ لا ينجح في مهمته. كان الأمر شبه واضح لسبب بسيط هو أنّ ما يعلنه الرجل من شروط ومطالب لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

هذه الشروط والمطالب تتكرّر هي نفسها منذ سنة إلى اليوم، أيّ منذ استقالة الحريري في أعقاب 17 تشرين الأول 2019… يعلن أنه يريد حكومة اختصاصيّين يسمّي هو رئيسها وأعضاءها! يلين قليلاً لبعض الوقت ثم يعود مرة أخرى ليأسر نفسه ضمن مربع الشروط والمطالب إياها.

أحرق الحريري الأسماء واحداً تلو الآخر، بهيج طبارة ومحمد الصفدي وسمير الخطيب، قبل قيام الأكثرية النيابية بتكليف الرئيس الدكتور حسان دياب لتشكيل الحكومة آنذاك، ثم دار الزمان دورته ليعود الرئيس الحريري بعد عام كامل إلى المربّع نفسه، بعد استقالة الرئيس دياب، وليعود إلى لعبة حرق الأسماء، وكان الاسم هذه المرة هو السفير مصطفى أديب الذي وجد نفسه مكبّلاً وفضّل الاعتذار والعودة إلى موقعه كسفير للبنان في ألمانيا.

كان الاعتقاد سائداً عند كثيرين بأنّ الحريري إنما يفتعل التعقيدات أمام مَن يُسمّيهم لأنه لا يريد لأيّ منهم أن ينجح في مهمته حتى يعود الأمر له ويتقدّم إلى الميدان معتبراً نفسه «المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة». لكن حين أصبح هو رئيساً مكلفاً تبيّن أنّ المطالب والشروط لا تزال هي نفسها، ما يعني أنّ هناك مَن وضعها ويريد من الحريري أن يلتزم بها وينفذها

ما هو مؤكد وفق كلّ المعطيات أنّ الحريري لن ينجح في مهمته طالما هو أسير الخارج وضغوطه وتهديداته، لأنّ هذه الشروط والضغوط والتهديدات مردودة وغير قابلة للصرف في «لبنان القوي بقوّته»، بعدما ولى منذ زمن بعيد وإلى غير رجعة ما كان يُسمّى «لبنان القوي بضعفه».

 السؤال الآن هو إلى متى يستطيع الحريري البقاء رئيساً مكلفاً من دون أن يشكل أو يعتذر ويفسح في المجال أمام مَن هو قادر على تحمّل المسؤولية بالأفعال والأعمال لا بالأقوال والتمنيات.

الجواب طبعاً رهن الأيام القليلة المقبلة، لكن لا بدّ من حسم الأمور سريعاً لأنّ البلد لا يحتمل هذا الترف. فإذا كان الحريري غير قادر على التفلّت من ضغوط الخارج وشروطه وعقوباته فليس أمامه سوى الاعتذار، وإلا فإنّ التمسك بورقة التكليف من دون التأليف يصبح جريمة بحق لبنان وشعبه الذي تحمّل الكثير نتيجة فشل الحريري ومَن معه في «نادي السابقين» في حكوماتهم المتعاقبة منذ ثلاثين سنة.

هذا الفشل المتمادي في الزمن وصولاً إلى الفشل في تشكيل الحكومة الجديدة، يدفع الناس إلى المطالبة بتجديد الثقة بحكومة الرئيس حسان دياب، بعد إجراء تعديلات طفيفة عليها لمعالجة بعض الثغرات والنتوءات التي برزت من خلال أداء عدد من الوزراء خلال العام الفائت.

والرئيس دياب أثبت أنه مستقلّ بالفعل، ولا يخضع للضغوط، ولذلك هو قادر على المواجهة من دون خوف من عقوبات خارجية لأنه غير تابع لهذه السفارة أو لتلك الدولة، بل كلّ همّه كيف يخدم بلده وشعبه وكيف يُسهم في إيجاد الحلول بعيداً عن السياسات الضيقة وحسابات الأرباح والخسائر على كلّ المستويات السياسية والانتخابية والمالية وغيرها

وقد خطت حكومته خطوات لا بأس بها على صعيد إعداد الخطط والمشاريع الإنقاذية التي تحتاج إلى وضعها موضع التنفيذ، لكي تنطلق العجلة الاقتصادية مجدّداً وتحقق ما هو مأمول من فرص عمل ونمو.

أولى هذه الخطوات وربما أهمّها البدء بتنفيذ المشاريع التي اتفق عليها مع عدد من الدول الصديقة وتحديداً مع العراق والصين وإيران وروسياإضافة إلى متابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أنّ الخطة التي وضعتها حكومة الرئيس دياب هي الخطة الصحيحة بأرقامها وتوجهاتها وبنودها.

والخطوة التي لا بدّ منها هي التي يؤكد عليها يومياً الرئيسان ميشال عون وحسان دياب، والمتعلقة بضرورة إتمام التحقيق الجنائي في مصرف لبنان وتالياً في كلّ الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، لأنّ ذلك ينعكس إيجاباً على الثقة بلبنان ودولته واقتصاده، ويعيد الأموال المهرّبة والمنهوبة إلى الخزينة العامة التي تستطيع من خلالها تحقيق الكثير من الأمور، ليس أقلها مثلاً البدء بمعالجة موضوع الدين العام

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى