أولى

زيارة بومبيو… ومراوغات ترامب المتغطرس!

د. جمال زهران*

 

لا شك في أنّ زيارة مايك بومبيووزير خارجية أميركا وترامب المتغطرسهي زيارة وإنْ كانت بروتوكولية يودّع بها العملاء في المنطقة وهي من نوع الـ (V.I.B) أو الفايف ستارز (Five Stars)، إلا أنها تعكس مدى الإصرار على ممارسة الغطرسة نيابة عن الرئيس المتغطرس ترامب، الذي اختاره لهذه المهمة، بعد إقالة وزير خارجية لم يكن على هوى المتغطرس الأكبر ترامب. ولذلك فعند اختيار بومبيو من قبل ترامب، كانت الرسالة هي أن يكون متغطرساً بالنيابة عن المتغطرس ترامب، وأن يمارس الغطرسة قولاً وفعلاً حتى آخر لحظة. وحيث إنه لم يكن يتوقع أن يسقط ترامب في الانتخابات الرئاسية، لذلك فضل أن يستمرّ في ممارسة الغطرسة حتى ولو كانت «وهماً» يعيشه لأيام، ليسجلها في مذكراته المقبلة، بعنوان «المتغطرس الأصغر نيابة عن المتغطرس الأكبر»! ويرتزق منها الملايين من الدولارات، فضلاً عما استطاع أن يحصل عليه من الملايين من أصدقائه في المنطقة، ليعيش بها وأسرته حياة رغيدة! وذلك دون مراعاة لقيم أو مبادئ أو حقوق أو مستحقات! فالمهم هو نفسه فقط، وليأتي الطوفان للآخرين، غير مدرك أنه قد يأتي يوم يدفع فيها الثمن هو والمتغطرس الأكبر، ولنا في «فرعون وقارون» المثل طبقاً لما نص عليه القرآن الكريم.

تلك هي ببساطة، تفسير ما وراء الزيارة على المستوى الشخصي لهذا المتغطرس الأصغر! أما عن الرسالة الموضوعيّة من وراء هذه الزيارة ومعانيها السياسيّة فيمكن بلورتها في ما يلي:

1-       محاولة طمأنة أهل الخليج بإصرار ترامب على التقاضي، وأنه سيستمر في رئاسة أميركا، وبالتالي يضعهم في حالة الرفض لما أعلن أن بايدن سوف يكون رئيساً لأميركا. وبهذا التصرف يضع أهل الخليج خاصة في الإمارات والبحرين ومن ورائهما المملكة السعودية، في مأزق شديد مستقبلاً إذا ما آلت إليه الأمور في أميركا، وتأكد سقوط ترامب، واستقر تماماً نجاح بايدن.

2-       محاولة الإشارة بزيارتين للإمارات والبحرين في الخليج واللتين قاما بالتطبيع مع «إسرائيل»، كمحاولة لإنقاذ ترامب في الانتخابات، وقلت آنذاك إنّ هذا مآله الفشل لترامب، وأيضاً الفشل التاريخيّ لآل الخليج في هذا المسلك الذي يتعارض مع ثوابت الأمة العربية في مواجهة الكيان الصهيوني المسمّى بـ «إسرائيل»، حيث حاول بهذه الزيارة أن يقول إنّ «التطبيع» هو الحل، وإنه لا رجعة عن ذلك، حتى لو تولى بايدن الحكم! ومن ثم فإنه على آل الخليج أن يستمروا في سياسة التطبيع وخياره، من دون تراجع، وعلى بقية الدول الخليجية وهي قطر والسعودية وعُمان، استكمال المشوار، حتى يتمّ التفرّغ للكويت في ما بعد!

3-       إن زيارته لـ «إسرائيل» ومقابلة نتنياهو، والاحتفاء به، والتأكيد على الدعم المطلق لـ «إسرائيل»، فهو تأكيد على أنّ ما أنجزه ترامب لهذا الكيان الصهيوني، كبير ولا رجعة عنه. كما أنّ الزيارة تحمل تهديداً لـ «بايدن»، بإجباره على عدم التراجع عن هذه المكتسبات، لأنّ «إسرائيل» هي «خط أحمر» لكلّ الرؤساء الأميركيين بغضّ النظر عن أنه جمهوري أو ديمقراطي. ولذلك على الرئيس التالي أن يبني على ما تمّ إنجازه من قبل، ولا يجب عليه التراجع نهائياً. فمثلاً ترامب اعترف بالقدس عاصمة موحدة لـ»إسرائيل»، وتقرّر نقل السفارة الأميركية إلى هناك، كما اعترف بالمستوطنات، وضمّ الجولان لـ «إسرائيل»، ووضع أساساً لصفقة القرن الحقيرة، تقضي بتبادل الأراضي والاستيلاء على الضفة الغربية والإقرار بأنّ ما يُقال إنه «احتلال» أصبح من الماضي، وإنّ الحاضر هو دولة «إسرائيل الكبرى»، التي يجب أن تمتدّ لجزء من سيناء، كما ورد في التسريبات الأميركية عن «صفقة القرن»!

لقد أراد بومبيو، أن يبعث برسالة مفادها، أنّ على بايدن عدم التراجع عن هذه القرارات الأميركية مهما كان الثمن! وهي رسالة لليهود والصهاينة في أميركا بالانقلاب على بايدن في حالة الرجوع عن ذلك!

لذلك فقد قام بزيارة القدس، وزيارة الجولان، وغيرهما، للتأكيد على تلك المعاني!

إضافة إلى ما سبق، فإنّ هذا الاستعماري العنصري بومبيو، يصف حركة مقاطعة إسرائيل بـ «السرطان»، ويقول إنّ أميركا ستصنّفها على أنها «معادية للسامية»، وعند زيارته للجولان يوم الخميس الماضي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أكد على أنّ بلاده ستصنف حركة مقاطعة «إسرائيل» على أنها «معادية للسامية»، وكأنّ «إسرائيل» هي «السامية»! وكان قد أكد ذلك التصريح عند زيارته للقدس وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نتنياهو في مدينة القدس! إنه بهذه التصريحات يظلّ أسير العنصرية، وأسير الصهيونية، وأسير «الغطرسة»، متخلياً عن كلّ المبادئ والثوابت في السياسة الأميركية للآباء قبل الحرب العالمية الأولى. كما أنّ تصريحاته تضعه في مربع «الفجور السياسي» الذي يجب أن يواجَه بالقوّة مهما كان جبروت هذه الدولة التي تمارس «التجبّر» على كلّ العالم. ومن أسف أنّ تصريحات «بومبيو»، والمتغطرس الأكبر وراءه (ترامب)، تنتهك كل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، بل ونصبت أميركا نفسها خصماً وحكماً متجاهلة وجود تنظيم دولي! فتصدر قراراتها بالمنح والمنع وكأنها أصبحت الحاكم لهذا العالم، وهو الأمر الذي يتناقض مع الواقع الذي يتحدّى هذه الدولة المتغطرسة!

وهنا على «بايدن»، أن يزيل جزءاً من هذا العار الذي لحق بأميركا في عهد ترامب المتغطرس، لربما يبقى جزءاً طيباً لأميركا وشعبها، وإنْ كنا نأمل، إلا أننا لا نثق في أيّ حاكم أميركيّ!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى