مقالات وآراء

لا ثم لا ثم لا… لتقسيم فلسطين

}  د. رنا شكر*

لا شك أنّ قمة اللاءات الثلاث لا صلحلا اعترافلا تفاوض مع العدو الصهيوني، التي خرجت بها القمة العربية التي عُقدت في عاصمة السودان الخرطوم في 29 آب 1967، والتي عُقدت على خلفية هزيمة 1967 أو ما عُرف بـ «النكسة» بحيث أكدت وبإصرار على التمسك بالقضية الفلسطينية، نرى اليوم أنها تلاشت مع بداية رسم معالم العالم العربي الجديد.

الدولة العدو التي لطالما نعتت بهذه الصفة غابت اليوم بغياب الفكر القومي العربي الذي تصدّى لفكرة الصهيونية والذي تآكل في ظلّ الانقسامات بين الدول العربية والاختراق الدولي للمنطقة العربية وتدخله في أزماته والذي زاد من حجم المخاطر التي تهدّد بشكل مباشر الأمن القومي العربي.

في العودة إلى التاريخ فأوّل ضربة سدّدت للقضية الفلسطينية كانت في عقر دار القومية العربية الناصرية لتكون مصر هي من مهّدت الطريق للتطبيع مع «إسرائيل» من خلال اتفاقية عام 1979. من كامب دايفيد الى أوسلو ثم وادي عربة بدأ يتغلغل الانقسام حول القضية الفلسطينية ليصل الى قلب القضية فلسطين نفسها وليسبّب صراعاً داخلياً فلسطينياً كان أول من قطف ثماره «إسرائيل»، ليتحوّل الصراع من صراع مركزي ضدّ المعتدي ومغتصب للأرض إلى صراع داخلي مرير.

أمّا المنعطف الخطير الذي يحصل اليوم هو في المجاهرة العلنية في التعامل مع هذا الكيان الغاصب بعدما كانت العلاقات التي تجمع بعض الدول العربية بـ «إسرائيل» تتمّ بسرية مطلقة بعيداً عن الأنظار والإعلام نرى اليوم التحوّل الخطير نحو المجاهرة العلنية دون أدنى اعتبار واحترام لمشاعر الفلسطينيين ولحقهم المهدور باستباحة «إسرائيل» للحجر والبشر في فلسطين، والسبب فيعود لغياب الرادع، هذا الرادع المتمثل بالحركات المقاومة والأحزاب القومية وتلاشي التنظيمات الشيوعية واليسارية التي اتفقت في يوم ما مع بعضها البعض لمحاربة الصهيونية ومعاداة السياسة الإمبريالية التوسعية الغربية.

 فما يحصل اليوم من خلال فتح باب التطبيع مع «إسرائيل» من قبل بعض الدول الخليجية بدءاً بالإمارات العربية المتحدة وبعدها مملكة البحرين والتنسيق في مختلف الصّعد اقتصادياً وتجارياً وأمنياً وثقافياً يشكل منعطفاً خطيراً يجب التوقف عنده كي لا يكون بداية لنعي الصراع العربي – «الإسرائيلي» وللقضية الفلسطينية وبداية تعبيد الطريق للصهيوني كي يتغلغل في كافة عالمنا العربي.

بالنسبة لـ «إسرائيل» فإنّ التطبيع معها اليوم هو اعتراف بها وقبولها وتشريع لسياستها الاستيطانية بعدما تراجع العرب عن كلّ الشروط التي وضعوها سابقاً في مختلف القمم العربية السابقة، وأبرز هذه الشروط «فلسطين مستقلة عاصمتها القدس الشريف».

جاء التطبيع ليبرز الانقسام الحادّ بين العرب وليرسم معالم جديدة في المنطقة العربية بحيث قسّم هذا العالم إلى معسكرينمعسكر منفتح على الوجود «الإسرائيلي» في المنطقة وتربطه علاقات وثيقة ومصالح مع الولايات المتحدة الأميركية ويعوّل على صفقات تجارية واقتصادية مربحة دون أدنى اعتبار لخسارة القضية الفلسطينية، ومعسكر آخر رافض للاعتراف ولكلّ أشكال التطبيع حتى اليوم. ولكن لا شك انّ لهذا التطبيع تداعيات كبرى على المنطقة العربية وسيؤدّي إلى انقسامات حادة بين الدول ستحدّد معالمها في المستقبل القريب .

وإنْ كانت الدول التي طبّعت وأقامت علاقات مع الكيان الغاصب تعمل من خلال أجندات خارجية إلا أنّ نظرة في العالم العربي يرى ان لا اتفاقيات «السلام» حققت في السابق استقراراً لعالمنا العربي، كما أنّ التطبيع اليوم لن يحقق أيضاً الإزدهار للدول المطبّعة مع الكيان الصهيوني إنما فقط سيزيد من حجم الارتهان والتبعية للخارج، وسيُصادر كرامة العرب مقابل بحبوحة مادية بمباركة دولية ورعاية أميركية.

مع ذلك ستبقى فلسطين القضية المركزية الوحيدة بوصفها آخر القضايا الاستعمارية، وهذا الواقع لن تستطيع الأنظمة المتآمرة على القضية أن تغيّره ولا يمكن لـ «صفقة القرن» أن يُكتب لها النجاح طالما هناك شعب مثقف واع مقاوم ومناضل يتنفس عروبة وينتمي إلى هذه الأرض مستعدّ للمقاومة بالكلمة وبالدم ولبذل الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن القضية الأمّفلسطين.

*أستاذة محاضرة في العلاقات الدولية في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى