حديث الجمعة

ورد وشوك

 

أمسكتُ بقلم الرصاص ورحتُ أخط به خربشات على ورقة بيضاء وكأنني أنكر عليها أن تبقى هكذا نقية جرداء لا حياة فيها لتتابعها أعين المتطلعين عشاق القراءة ومحبي اكتشاف ما يرمز له الرسموما المقصود من وراء الكلماتسألتُ نفسي لمَ بقلم الرصاص والكتابة به باتت متعبة بعد أن علّمنا إياها في طفولتنا من الألف إلى الياء وبعد ما حصل من تقدّم في صناعة الحبر وأقلام الكتابة بمختلف الأنواعفبه حاجة لجهد من أصابع ممسكة وانقطاع عن الكتابة للحظات لاستخدام المبراةوهي عملية مؤلمة لقلم الرصاص يخسر فيها من قيمته وقوامه ومقدار تمكنه على العطاء رغم كونه في الوقت ذاته قادراً على التجدد وإبراز ما بداخله وهو ما يظهّر به الكاتب ما شاء من الأفكاروالأهم على الإطلاققدرته الكامنة على تصحيح الأخطاء من دون إحراج عن طريق استخدام الممحاةهنا سرحت بالخيال متوغلة في العالم البعيد من ماضي الزمان عالم الأساطير عنه تُروى أغرب الحكاياتفيها تحققت أمنيات كان تحقيقها ضرباً من المحال وفكرت أن أمضي قاصدة مليكة السحر سيدة الساحرات لأستعير ممحاتها السحرية علّي بها أمحو ما خطته في صفحات عمرنا تلك السنواتسنوات حسبت من عمرنا ظلماً وبهتاناً ما حققنا في ظننا فيها إلا الخيبات على مختلف التجمّعات والمجتمعاتما سيكتب عنها لاحقاً سيملأ أسفاراً مخطوطة بالدم والسواد لا بقلم الرصاصلمَ كل هذا الظلم يا معشر البشر وإلى أين سينتهي بنا المقام؟فجأة توقفت يدي عن الكتابة لأقرأ حصيلة ما كتبت من كلماتلكن ما كان أنني ما سجلت إلا بعض الخربشات وما أردت كتابته حرمني من تسطيره قلم الرصاص بعد أن كسر محتواه منذ اللحظة الأولى لدخول عالم الأحلام ولم أجد على ورقتي البيضاء بعد بعض الخربشات سوى آثار احتكاك خشب قلم الرصاص بها ممتنعاً عن تسجيل أي معاناة معترضاً على ما يكتب والثمن انكساره وانكفاؤه عن العطاء. هنا أعدت النظر في ما جال في خاطري قبل إمساكي بقلم الرصاصصحيح أن ما فات قد فات، لكن الوقت لا يقف عندما تتعطل عقارب الساعة عن الدورانما نفع الهروب إذاً نحو عالم الخيال ونحن في واقع يصارعنا نحاول أن نصرعه رغم تباين المكانة والإمكانيات على كل المستويات. ما مرّ بنا يفوق قدرات البشر على التحمل، لكن والحق يُقال جعلنا ونحن نسير في العتمة نتلمس السلامة وتجاوز الحفر والمطبات، وكأننا امتلكنا مهارة المشي بحذر بين الألغام وجعلنا قادرين على التحلي بالصبر والتصابر ومنح الفرص للتعلم من قلم رصاص كيفية مسح ما أتعبنا مما رسمه لنا من فشل كل المحيطين بنا من أغبياء.

رشا المارديني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى