ثقافة وفنون

سفراء الشعر.. يرتّلون أناشيد الوطن والغربة والحب من بون!!..

طلال مرتضى*

بعد افتتاح قسم الأدب العربيّ والترجمة في معهد الدراسات الشرقيّة والآسيويّة في جامعة بون الألمانيّة، تحت إشراف مديرة القسم المستشرقة الألمانيّة داغمار غلاس والدكتور اللبنانيّ الألمانيّ سرجون كرم، نظّمت مجموعة الدراسات العليا في الأدب العربيّ الحديث عبر الأثير الافتراضي احتفاليّة شعريّة باللغتين العربيّة والألمانيّة بعنوان «الوطن والغربة والحبّ» تضمّ قراءات شعريّة لشعراء من العالم العربي يقيمون في المهجر الأوروبيّ. وقد شارك في هذه الاحتفاليّة شعراء يقيمون في ألمانيا: أحمد اسكندر سليمان/ سوريةحسين بن حمزة/ سوريةزكريا شيخ أحمد/ سوريةسرجون كرم/ لبنان، بالإضافة إلى الشاعرة اللبنانيّة البريطانيّة ندى حطيط. وقد تخلّلت الاحتفاليّة مشاركة موسيقيّة للشاعر زكريا شيخ أحمد على آلة البزق افتتاحًا وختامًا

هذا وقد قامت مجموعة قسم الدراسات العليا المؤلّفة من طلاب ألمان وطلاب ذوي أصول عربيّة وشرقيّة مولودين في ألمانيا، وهم: ماريتيريز رودولف، كريستيان كيللينغ، تروسكه علاء الدين، أماني العبّاس، علاء الدين الشلاح، أصالة لكبيري بتلاوة الترجمة الألمانيّة لقصائد الشعراء المشاركين العربيّة.

ومن القصائد التي ألقيت قصيدة الحبر الضال للشاعر أحمد اسكندر سليمان:

انا الأصابع النشوانة بين خيوط انوالك

انا الثمل الذي تلطمينه ويقبل يديك

انا العطر المشتاق لأسبابه

انا الميسم المتباهي بين بتلاتك

انا الميزان الذي لا يملّ ريبتك اللاهثة حول دقته

انا الرغيف في تنورك

انا البرغي الذي يعشق عزقتك

انا حكّاك ظهرك

انا الباحث عن طرق إضحاكك

انا الياطر في أعماقك

انا البرج والقبتان في برزخ شهيقك

انا المدق الذي يقشر الحنطة في جرنك

انا المئبر الذي يقود خيط الزمن في نسيجك

انا الصبح إذا تنفس في صدرك

انا كرة الحب المتدحرجة على ثلج قلبك

انا ناي وحدتك

انا مزمار دبكتك وطبّال أفراحك

انا العتبة العليا لكل ما اختزنته الكروم من اجلك

انا اللحظة المؤاتية لكل رغباتك

انا الثمل المترنح الذي يؤلف القصائد تحت نافذتك

انا انواؤك

انا انواتك وانينك ونقطة النون في قوسك

سورية

انا الحبر الضّال

في أنحائك

 

وألقت الشاعرة ندى حطيط قصيدتين، نورد قصيدة «لا أيام بيننا»:

لا أيام بيننا

يتوقفُ فيها المطر

ولا ذاكرةٌ بيننا

مفروشةُ بلثمِ الأصابع

ولا عشقٌ بيننا

تفوق على افتراسِ النوايا

بيننا عصفٌ

من اللهفة

أضرمتْ جسدي

بيننا جموحُ

ريحٍ تحمل جيناتك إليّ

بيننا لهبٌ

لعمر قد يأتي وبعدَه،

إن متنا فلن نموت

بيننا جنةٌ

تعاقرُ جنياتُها غبارَ قدميك

بيننا عصفورٌ أبله

أمطَرْنا عليهِ

فتفَكَكتْ مساماتُه

وصارَ نعجة تمشي ولا تطير

قلتَ لي

بعد طرفِ الثغرِ

كلّ السمواتِ مفتوحة

سماواتٌ

تبتلعُ فيها

شفتاك الغيم

لتدركَ النساءُ،

كلُّ النساء

أنهنَّ عذارى

ما لم يقتربنَ منك

أنهنَّ عاقرات

ما لم ينجبنَ منك

وأنا من أنا؟

ريحٌ سقطتْ من وردةٍ

سأصدقُ زعمَك،

بأنك ستقفُ

بين أنملتَيْن من خلقي

لتحرقَ الكنائس

في باطنِ الخد

ونتكوَّر في كأسٍ،

ونغمض الكون.

 

أمّا من قصائد الشاعر حسين بن حمزة فكانت قصيدة «ليتهم لم يفتحوا الحدود»:

 

ليتنا بقينا لاجئين داخلَ أحلامنا القديمة

نتقدّمُ بعيونٍ معصوبة

كما لو أننا نطاردُ نجوماً منثورة أمامنا

أو كأننا نطرق أبواباً غير مرئية

ليتنا لم نلوّث ثيابنا بوحل الغاباتِ الأجنبية

ليتنا لم نجرجر حقائبنا المتورّمة بالثياب والذكريات

ليتنا لم نرمِ ماضينا في البحر كي تخفّ حمولتنا في قوارب المهرّبين

ليتنا بقينا مكدَّسين كأسماك السردين

في المعسكرات وصالات الرياضة ومدارس الصيف الفارغة

ليت الصحف ونشرات الأخبار لم تنشر صورنا التي لن ينتبه أحد أنها لا تضمُّ مَن غرقوا منا

ليتنا لم نُجبر على مضغِ لغاتٍ جديدة طعمُها يشبه الطّبخات التي كرهناها في طفولاتنا

ليتنا لم نترك كلّ شيءٍ خلفنا

واستدرْنا لنواجه

معاً وعلى حِدة

عزلاتِنا الجديدة والشّاقة

ليتنا بقينا لاجئين لدى أنفسنا

 ليتنا بقينا لا هنا ولا هناك

نطاردُ كالعُميان نجوماً منثورة أمامنا

أو نطرقُ أبواباً غيرَ مرئية

ليت ذكرياتنا الثقيلة أغرقتنا قبل أن نصلَ إلى الشواطي

ليتنا بقينا عالقين

بين ما تركناه

وما ركضنا خلفه كالعدّائين الهُواة

ليتهم لم يفتحوا لنا الحدود

 

ومن قصايئد الشاعر زكريا شيخ أحمد قصيدة «كنت سأتمنّى»:

كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ شجرةً،

لكني خشيتُ أنْ يستخدموا أغصاني كمشانقَ

فأعجّ بالرؤوسِ المتدليةِ

أو يقتلعوني منْ جذوريّ ويصنعوا مني

منصةَ إعدامٍ.

صرخةً كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ

لكني خشيتُ أنْ لا يسمعني أحدٌ.

كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ وردةً،

لكني خشيتُ أنْ لا أجدِ أحداً

أهديهِ نفسي.

بكاءً كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ

لكني خشيتُ أنْ لا يفهمني أحدٌ.

كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ قبرا

لكني خشيتُ أنْ يحدثَ فيضانٌ فيجرفَني الماءُ

وتتناثرَ على الأرضِ عظامُ المدفونينَ في جوفيّ .

نطفةً أو رحماً كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ

لكني خشيتُ أنْ يجتمعا فيتمخضَ عنهُما

طاغيةٌ أو ديكتاتورٌ في عالمٍ

فيهِ ما يكفي ويزيدُ منَ الطغاةِ .

كنْتُ سأتمنى لو كنْتُ قصيدةً

لكني خشيتُ أنْ يقرأها أحدُهم بصوتٍ عالٍ

فيكتشفَ الآخرونُ ما يدورُ في رأسي

وتتمزقَ حياتُهم.

 

ومن قصائد سرجون كرم قصيدة «خمسون»:

 

أيّتها الحياة

قولي لي: شكرًا

قولي شكرًا للطرقات التي رصفتِها

كي تريني.

***

نصف قرن

أنتظر النبوّةَ تأتيني صبحا

عادياتٍ فوق جبيني

فما خرج ليلةَ القدْر من سحاب الهواء

سوى مسحّراتي الشعر يقرع طبلةَ السِّحْرِ

أنّ الكونَ حصانٌ أعرج.

مرّت الثلاثون ولم يخرج يوشع من لغته

مرّت الأربعون ولم يخرج طه من قبيلته

وستمرّ الستون والسبعون والثمانون

وموسى على شفا جرف هارٍ

يعلك عماه

منتظرًا ميعاد السماء.

***

نصف قرن

كأنّ الأرضَ تعدو خلفي

كأنّ الشعرَ

كأنّ الداكنَ القاحلَ

القادمَ صوبي

والهارب أنا منه في بلاد الغربة

شبهُ جزيرة عربيّة.

وكما كانت البداية عزفاً، هكذا كانت دقائق النهاية.

* كاتب عربي/ فيينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى