أولى

في فلسطين المحتلة عرب 1948 واليسار كما نتنياهو… ليسوا بخير؟

 د. عصام نعمان*

 

في تموز/ يوليو 2018 أقرّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي «قانون أساس القوميّة». ينصّ القانون على أن «إسرائيل» هي «الدولة القومية للشعب اليهودي وأن حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي فقط». كما ينصّ القانون على أنّ الدولة اليهودية تعتبر «تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية وتعمل من أجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته».

كلّ العرب وبعض اليساريين في الكيان الصهيوني اعتبروا «قانون أساس القومية» عنصرياً وضدّ الأقلية العربيّة التي تعيش داخل كيانٍ مفترض أنه يساوي جميع سكانه في الحقوق والواجبات.

الفريقان العربيّ واليساريّ قدّما لاحقاً نحو 15 طلب اعتراض الى المحكمة «الإسرائيلية» العليا لإلغاء «قانون أساس القومية». بين مقدّمي طلبات الإلغاء رجال قانون وأساتذة جامعيون من العرب واليهود، وعضو كنيست سابق، وسبعة ضباط بدو في الجيش «الإسرائيلي»، وحزب ميرتس اليساري، والمركز القانوني لحماية حقوق الأقليّة العربيّة بالنيابة عن لجنة المتابعة العليا لشؤون السكان العرب في «إسرائيل»، والقائمة العربية المشتركة (15 نائباً في الكنيست) ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، وجمعية رؤساء السلطات المحلية العربية (صحيفة «يديعوت أحرونوت» تاريخ 2020/12/4).

في وجه الحملة ضدّ «قانون أساس القومية»، تتزايد المعارضة في صفوف اليمينيين ضدّ أيّ تدخل قانوني من جانب المحكمة العليا يمسّ مشروعية هذا القانون. فالمستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت أعلن معارضته ايّ تدخل قانوني من جانب المحكمة العليا في القانون المعترض عليه. معارضة مندلبليت أتت متزامنةً مع بيانٍ صادر عن مفوّضة الكنيست لدى المحاكم مفاده أنّ المحكمة العليا لا تملك صلاحيةً تخوّلها النظر في قانون أساس صودق عليه سنة 2018.

اللافت أنه، بالتزامن بين تحرّك شخصيات وهيئات يهودية وعربية مرموقة ضدّ «قانون القومية»، اندلع خلاف عاصف في صفوف الجمهور العربي نتيجةَ الانشقاق الحاصل في القائمة العربية المشتركة البرلمانية. ذلك انّ عضو الكنيست منصور عباس استطاع اجتذاب 4 من زملائه الأعضاء في القائمة المشتركة لتأييد دعوته الى تعزيز العلاقات بين تكتل ليكود الذي يتزعّمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والقائمة المشتركة بغية تمديد سريان مفعول الخطة 922 لتطوير المجتمع العربي سنةً إضافيّة، وذلك بغية تعزيز التزام الحكومة معالجة ملف الجريمة والعنف الذي يشكّل أولوية لدى الجمهور العربي في هذه الآونة.

اللافت أيضاً أنّ قوى اليسار المناهضة لنتنياهو وحزب ليكود سارعت الى منافستهما في التقرّب من هيئات الجمهور العربي التي تهتمّ وتسعى الى تحسين أوضاع السكان العرب. في هذا السياق، كشف رئيس بلدية حيفا السابق بونا ياهف لصحيفة «معاريف» عن أنّ الاستعدادات الجارية لتكوين وتسجيل حزب يهوديعربي أصبحت في مراحلها الأخيرة.

الى ذلك، قالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب ميرتس اليساري تمار زاندبرغ أنه يتعيّن على معسكر الوسطاليسار استخلاص درسٍ من الانتخابات الثلاثة الأخيرة وهو «عدم إقصاء الجمهور العربي مع الاستعداد لعقد تحالفات مع هيئات عربية بما في ذلك القائمة العربية المشتركة أو لدمجها داخل ميرتس».

أعضاء في القائمة العربية المشتركة استهجنوا مواقف زميلهم عباس منصور الهجينة واحتجّوا بأنّ نتنياهو المراوغ اجتذبه بوعود لتحسين أوضاع المجتمع العربي وأقنعه بأنّ الطريق الى ذلك يكون بإبداء مرونة وبراغماتية في التعامل مع الحكومة وليس في اتخاذ موقف سلبي متواصل منها.

ما يمكن استخلاصه من هذه الواقعات والتجاذبات المحتدمة أنّ عرب 1948 واليسار (او ما تبقّى منه) ليسا في خير في هذه الآونة. فالقائمة العربية المشتركة مهدّدَة بالتفكك ما يفضي إلى خسارتها 3 او 4 من مقاعدها الـ 15 في الكنيست. أما اليسار فهو متشرذم وغير فعّال لدرجة ان الاستطلاع الذي أجراه مؤخراً معهد «مانلز بوليتكس» المتخصص في استقصاءات الرأي العام أظهر أنه في حال إجراء الانتخابات العامة الآن فلن تتمكن قوائم حزب العمل، أقدم وأكبر أحزاب اليسار، من تجاوز نسبة الحسم، وانه بالتالي لن يكون له أيّ مقعد في الكنيست المقبل.

ليس عرب 1948 وقوى اليسار وحدهما في ضعف وانقسام. عدوى الانقسام انتقلت الى صفوف أهل اليمين ولا سيما إلى الحزب الأكثر عنصرية بينها: ليكود الذي يتزعّمه نتنياهو. فقد أعلن عضو الكنيست البارز جدعون ساعر انسحابه من الحزب واستقالته من الكنيست، وأكد أنه سيعمل على تشكيل حزب جديد لخوض الانتخابات المقبلة ضدّ رئيس الحكومة نتنياهو كي يحلّ محله.

إعلان ساعر جاء في سياق مؤتمر صحافي أكد فيه أنه لم يعد بإمكانه دعم رئيس الحكومة أو البقاء في حزب بقيادته. وأشار ساعر إلى أنه لم يعد قادراً على أن يكون عضواً في حزب يعتمد على مصالح شخص واحد من دون إجراء حوار معمّق وبنّاء بشأن السياسة والنهج الواجب اتباعهما.

صحيفة «يسرائيل هيوم» (9/12/2020) القريبة من نتنياهو نسبت الى مصادر سياسية في القدس المحتلة أنّ من المتوقع أن تنضمّ إلى ساعر شخصيّات في الكنيست الحالي وخارجه، مثل الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة الجنرال غادي أيزنكوت.

اما صحيفة «معاريف» (9/12/2020) فقد ذكرت ان الذعر الذي اندلع في مقرّ رئاسة الحكومة مبرّر لأنّ الأسباب ليست سياسية بل قضائية بعد الخطوة الجريئة التي قام بها جدعون ساعر والمؤدّية الى استبعاد الانتخابات. ذلك انّ الهواجس الوحيدة لنتنياهو حالياً هي بنود الاتهام الثلاثة الموجهة إليه: الرشوة، والاحتيال، وخيانة الأمانة. لا كورونا ولا الإصلاحات في منظومة القضاء، ولا تأليف حكومة. ففي اللحظة التي يشكّل فيها ساعر حزباً، وعلى افتراض أنه سيدخل إلى الكنيست، فإن فرص نتنياهو في الحصول على 61 مقعداً في الكنيست تمنحه الحصانة/ التغلّب لإلغاء محاكمته ستتهاوى بشكل خارق. ومن المحتمل أيضاً أنه في اللحظة التي تتهاوى هذه الفرصة تتهاوى معها الانتخابات.

إلى أين ستصل قضية ساعر؟ تجزم «معاريف» انّ الجواب المنطقي إلغاء الانتخابات. لماذا؟

لأنّ في الانتخابات سيتراجع حزب ليكود ولن يكون زعيمه نتنياهو في وضع يمكّنه من البقاء في رئاسة الحكومة، و«يتحقق أخيراً الهدف الذي من أجله أنشأ نائبه في رئاسة الحكومة بني غانتس حزب أزرق أبيض: تحرير «إسرائيل» من احتضان عائلة نتنياهو الخانق لها»، كما تخمّن «معاريف».

لعلّ التخمين الأصحّ هو أنّ ما من حزبٍ بإمكانه تحرير دولة العدو من وضعها الخانق

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى