ثقافة وفنون

مسلسل «ع إسمك» حقّق المعادلة وقدّم وجبة فنيّة ناجحة وأبرز إمكانيات المخرج

} جهاد أيوب

منذ سنوات، وأنا أكتب الكثير من النقد والملاحظات البعيدة عن المجاملة، والمباشرة حول أعمال المخرج فيليب أسمر، ولم أكن أعيره أي اهتمام حينما أشير إلى المخرجين، أما بعد مسلسل «ع إسمك» أرفع له القبعة احتراماً لهذا الجهد الذي قام به، وحقق من خلاله النجاح ومعادلة أن المخرج سيد العمل، وأن الدراما التلفزيونية هي مفتاح البعد الاجتماعي، لذلك ما قدّمه فيليب في «ع إسمك» يعتبر إضافة في الدراما اللبنانية والعربية من خلال رؤية واقعية في التقاط الصورة وحركة الكاميرا داخل المنازل بما هي عليه من فقر أو ثراء أو تمثيل، لم يبالغ، ولم ينافق في واقعية العمل، والأهم درس مشاهده من كل التفاصيل، واهتمّ بسينوغرافيا المشهد حتى تخاله حقيقة، أي لم تفلت منه أي مفردة كما لو كان يعمل على تجسيد المسرح داخل لوكيشن الدراما التلفزيونية. وهذه تحسب له إلى جانب التقاط أكثر من مشهد لـ خمس دقائق «وان شوت» ومعه طفلة لأول مرة تمثل، وهذا يتطلب الجهد والعناء، وهنا بيت القصيد في تميّزه وتفوّقه!

ولم يصَب المخرج بعقدة التفزلك بالألوان والإضاءة كما حدث في مسلسله «إم البنات» سابقاً، وكما يحدث في أكثر من عمل لبناني، هنا خدم القصة، تصالح مع الحدث، ووفق في طبيعة الحوار والأداء والمكان، ودرس زواياه بعمق، وكادر ما ستلتقطه الكاميرات بذكاء، وكل هذا يعني تصالح المخرج مع العمل ومع رؤيته ومع ذاته مما أوصل لنا مخرجاً ناجحاً ومتفوقاً دراميّاً، فقط يوجد بعض الهزات أو العنات، ومنها ما هو حصل في الحلقات الخمس الأخيرة، حيث كانت تكراراً وتطويلاً لا حاجة له لكون الخطوط الدرامية أوفت ما لديها، والحوارات الحشو لم تعُد مفيدة، وقد ظهر جلياً في الحلقة الأخيرة، وتحديداً في مشهد المواجهة بين الحبيب والعروس داخل منزل الصيدلانية، ومن ثم الخروج إلى الحديقة المدخل والشارع، وأعتقد السبب يعود إلى ركاكة الحوارات المعنية بالمشهد، وربما كانت مرتجلة، نعم الحوارات هنا ضعيفة غير مدروسة سببت تشتتاً في الأداء، ولم نشعر بوجود نص مكتوب بالأصل، وجاءت تعبيرات حالة الوجوه والجسد مربكة وساذجة، لنجد أن النص افتُقد، والحوار أصبح حالة ارتجاليّة مشوشاً وضعيفاً عند البطلين الأساسيين والمعنيين (الارتجال يُعلم من خلال المسرح والخبرة)… هذا الفقر في الأداء والنص والمشاهد اصاب الممثلين بالتلعثم تتحمّله الكاتبة بشكل رئيسي، ومن ثم المخرج!

ومع ذلك من الجحود أن لا نعترف بتميّز المخرج في «ع إسمك». هو هنا يستحق الثناء على البناء الدرامي السليم والجميل والممتع، لقد اكتسبنا المخرج الجيد، ويستحق جائزة عليه رغم ملاحظة الحلقة الأخيرة.

كما قدّم المخرج مجموعة من الممثلين في أفضل حالاتهم، ولم يبالغ لا في تجسيد الشخصية ولا في صناعتها كي تطل عبر الدور، ولا في المكياج ولا في الإضاءة، والأهم لم نشاهد حالة من التمثيل عند بعضهم، بل وفقنا من الغالبية بالأداء الواقعيّ الذي خلناه حقيقة في بعض المشاهد، ومع بعض سقطات قليلة يتحمل سببها الممثل واختيارهم له من الأساس، أي منهم من قدّم دوره من باب الشطارة فمثل ولم يُبدع، وشعرنا لو كان بعضهم يقرأ الحوار في اللوكيشن وقبل التصوير بلحظات!

} القصة

القصة والسيناريو والحوار كلوديا مارشيليان، وهذه المرة الأولى التي أتابع فيها حوار كلوديا بشغف، وباهتمام، كلوديا التي تغرق بقصة في نصها، وتنسى تفاصيل القصص الخطوط التي تقدّمها بالعادة، وهنا مختلفة كلياً عن كل ما قدّمته، وعن كل ما يقدّم في الدراما اللبنانية والعربية، وتحديداً في اختيار الموضوع، وهو جديد لم يُطرَق من قبل «مع ملاحظات إشكاليّة دينيّة سنتطرّق إليها في مقالة خاصة» وجرأة في تناول بعض الحالات في القصة المحور. وهذا يفتح شهية المشاهد لاكتشاف كيفية معالجة قضايا حسّاسة وجديدة حيث سرّ من أسرار الدهشة وصولاً إلى الجدلية والنجاحوالجميل أيضاً في «ع إسمك» حوارات رشيقة وعميقة تدخل في تفاصيل الشخصية، وكل شخصية استخدمت مفرداتها وحالاتها النفسية بأبعاد درامية تحسب لكاتبة السيناريو التي تمكنت من تقديم 6 خطوط درامية بنجاح، وعالجت كل خط بعمق درامي يحسب لها مع أننا لم نعُد نجد تعداد الخطوط الدرامية في الدراما العربية داخل المسلسل الواحد، ربما فقط نجدها في كتابات المؤلف اللبناني طوني شمعون مع ملاحظة أن الإخراج قد ينسف جهد الكاتب، هنا تفوّقت كلوديا، وقدمت تبريرات ذكية في إنهاء الخط المفتوح، وربطه بالحبكة الاساسية.

وفقت كلوديا في «ع إسمك» إلى حدوث الدهشة عند الناقد، وعند المتلقي، الدهشة بسبب جديدها في دراسة شخوصها شكلاً ومضموناً، وكانت ترسم واقعية الحالة بتفوق!

} التمثيل

لا خلاف أن القديرة ليليان نمري فرضت حالة استثنائية في العمل، وكانت بطلة مطلقة، وكان لشخصية جورجيت درباس انتشار واسع ساهم في إبراز العمل، وبالطبع يعود السبب إلى طريقة أداء الممثلة، وفهمها تفاصيل الشخصية الدور، واللافت أن حوارات جورجيت كانت عميقة ومدروسة إلى حدود صلابة فهم الشخصيّة. وهذا لم نكن لنشاهده عند غيرها، وكما ساعد في فرضها طريقة حركة كاميرا المخرج، وكأنه يتناغم مع أداء ليليان.

كارين رزق الله في أفضل حالاتها، لم تفلت منها الشخصيّة بالمطلق، تشعرك أنها هي الصلبة الضعيفة الحاقدة الطيبة، الجامدة الحرة، السكيرة الواعية، الخادمة والمُدرّسة، القاسية والأمكل هذا ولد انطباعاً نافراً وقاسياً عند المشاهد الذي أخذ يهاجمها من الحلقة الخامسة من دون أن يركز على طبيعة الشخصيّة الدور!

لا تُحسَد كارين على أداء هذه الشخصيّة النافرة، وجرأة منها أن تلعبها، وفقت، ونجحت رغم انتقادات المشاهد لعدم حبّه للشخصية، وربما قد يقول لا جديد قدّمته، وهذا ظلم وقسوة وجهل في عدم فهم طبيعة الدور ورواسب أحداث الماضي مع حاضرها، وقد تفهّمت كارين جيداً الشخصية فتميّزت في أداء المشاهد التعبيريّة والصامتة جداً، وفي هذا العمل كانت الأنضج والأكثر حضوراً، لم تتصنّع الصراخ، ولم تخسر الحالة النفسية.

الشابة غرازييلا طربيه «حالة خاصة» كانت بطلة ناجحة وجميلة بامتياز، ذكية تستوعب المشهد، وعفوية كما لو كانت صاحبة خبرة في الفن!

غرازييلا تستحق التنويه والجوائز على دور استطاعت أن تقنعنا به، وتشعرنا بامتلاكها موهبة التمثيل!

أما الطفلة البطلة تالين أبو رجيلي فهي حكاية جميلة، وتمكنت من جعلنا نتابعها بشغف، وفرضت حبها وموهبتها ورشاقتها وكل حركة، وهنالك مشاهد طويلة أدّتها بتفوّقكانت بطلة وبجدارة.

جيري غزال، أولاً علينا أن نشير إلى أن الديو مع كارين لم يعُد مقبولاً لأسباب كثيرة، وهذا العمل أشبع، وإذا كان لا بد فيجب الابتعاد عن حالات الحب والغرام

الإعلامي الممثل جيري شاب طموح، ومنذ «إم البنات» أشرنا إلى أن الكاميرا تعشقه وتحبه، ولكن هذا لا يكفي حتى يحقق النجاحات والاستمرارية، قد ينجح في عمل أو إثنين، وكي يستمر يتطلب الدراسة لدوره، والتعلم من الخطأ، وقراءة الشخصيّة بفلسفة وليس بتغيير المهنة!

جيري في «ع إسمك» ينجح ويخفق في مشاهده، يقنع في الحوارات الصغيرة، ويتوه وتفلت منه الحالة كلما كبرت الجملة، لا يستطيع أن يستوعب الحوار الطويل ولا يحفظه، وتتوه منه الكلمات والتعابير لتصلنا بضعف مربك، وهذا يتطلب إعادة تصوير بعض المشاهد لكنهم لم يعيدوها!

منذ الحلقة الأولى الشخصية قدّمت ضمن حالة واحدة من دون أبعاد درامية في ملامحه وحركته، مع أن الدور ليس عادياً، ويتطلب الكثير من الجهدجيري فنان سيحقق نجومية إذا قرّر أن يستمر في التمثيل بشرط أن يستوعب أن التمثيل يختلف عن تقديم البرامج، والتمثيل ليس مجرد الوقوف أمام الكاميرا بعفوية، التمثيل تقمّص، وذكاء، وجهود في قراءة الشخصية وصولاً إلى استيعاب الإماءات والحالات التعبيرية ووضعية حركة الجسد والنطق فيها، وأن الكلمة حالة، والحالة تعابير وليست مجرد حفظ للدور المكتوب، والنطق يعني التعبير والحركة والصوت التمثيلي، وكلها تختلف في تجسيد الحالة أمام الكاميرا المعنية بالدراما!

ختام اللحام مجتهدة وذكية في تأدية الأم المتألمة والموجوعة، وعلي الزين خميرة العمل، ومجدي مشموشي تميّز بحدود دوره الصغير، وكان بالإمكان إعطاء مساحة درامية وخط أكبر قد يثري العمل، وفيفيان انطونيوس ورغم إعجابي بما تقدّمه إلا أنها في «ع إسمك» كانت تُمثل، ولم تقنعني رغم أهمية الدور الذي كان بالإمكان أن تلعبه بطريقة مغايرة كلياً! ويوسف حداد لعب بما أمكن، هو فنان متميّز ولكن هنا لم يكن مقنعاً في بعض مشاهده ربما لأن الشخصية كانت تحتاج إلى قراءة درامية أعمق، وشربل زيادة منذ حلقاته الأولى إلى نهاية مشاهده لم يستطع التلوين أو إعطاء أبعاد للشخصية، ربما مساحة الدور لم تمكنه من أن يثبت قدراته مع أنه من الممثلين الجيدين، وهنا لم يكن كذلك!

وماريبال سركيس اجتهدت ونجحت، دورها جميل أدته ببساطة غير مزعجة، والشابة نازالي كاسبيان كان الأفضل إعادة مشاهدها أكثر من مرة حتى تستوعب هي مشاهدها وحواراتها، للأسف لم تكن مقنعة، وهذه الحالة الضعيفة من هنات المخرج، وكذلك تحية إلى بعض الوجوه العابرة من مشاركات صغيرة لأبناء الضيعة!

وفاء طربيه قيمة في أي عمل تشارك فيه، كان بالإمكان توسيع الدور وتعميق الحالة إلى خط درامي إضافي، ومع ذلك لعبت أكثر من مشهد بتفوّق يفرض علينا أن نحترم صاحبة هذا الأداء الذهبي، وطوني بلابان «الأب» منذ بدايات الحلقات لم يكن مقنعاً في جميع مشاهده، ومع احترامي لـ 40 سنة من تدريسه المسرح، ولكن التنظير يختلف عن ممارسة الواقع تمثيلياً، غالبية مشاهده تتطلّب الأداء المختلف…!

الظهور الأول للفنان تامر نجم «ماريو» كان موفقاً، وناجحاً، وفرض متابعته، والمخرج أخذ زوايا من حركته ووجهه بذكاء تحسب للممثل، تامر فنان، وعليه الاختيار لأن الكاميرا تحبه، ولديه موهبة حاضرة تحتاج إلى مخرج يعرفها كما فيليب!

وكذلك الظهور الأول للفنانة القادمة من عالم مختلف عن التمثيل ريتا عاد كانت مقنعة، وحضورها محبب، ونطقها سليم، والغريب معرفتها لاستخدام صوتها ونفسها، كانت مكسباً للعمل.

باختصار مسلسل «ع إسمك» استحق المتابعة، وأظهر طاقات جيدة عند بعض الفنانين في لعبة الدراما اللبنانية لم نعتدها منذ سنوات، كما قدم لنا مخرجاً ناجحاً نعلق الآمال عليه في زمن لم نعد نجد بالمسلسلات اللبنانية اي دور للمخرج!

{ فريق عمل مسلسل «ع إسمك» مخرج منفذ سالم حدشيتي، مساعدات مخرج اماندا وربى يوسف، وتنفيذ داي تو بيكتشر، ومدير التصوير فؤاد سليمان، وهندسة الصوت طوني صوفان، و»مايك اب ارتست» رلى سليمان، وتنفيذ «تسريحات الشعر» أومبيرتو جبور، ومدير الإنتاج حمادة جمال الدين، ومن إنتاج MTV.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى