أولى

بايدن والإقليم… ما العمل؟

 د. جمال زهران*

 

بلا شك، فإنّ الجالس في البيت الأبيض له من التأثير الإيجابي أو السلبي، على الإقليم بل والعالم كله، أحببنا أم كرهنا. ولذلك فإنّ مَن يريد أن يتعامل مع هذا الحاكم وتلك الدولة الأميركية، عليه أن يدرك ذاته وحقيقتها ومكامن قوته وضعفه، وإمكانات العمل في مواجهة هذا «الطاغوت».

لذلك فإنّ السؤال: ما العمل؟ تتوقف الإجابة عليه، على مَن يتعاملون مع أميركا. فهل تريد أن تكون «فاعلاً يُحسَب لك حساب، أم مفعولاً به، تنفذ ما يطلب منك باسترخاء وبلا متاعب. فإن كنتَ حاكماً يقدّر شعبه وأتى بإرادته ويعبّر عنه فعلاً، فإنك تستطيع أن تتعامل مع ساكن البيت الأبيض، بندية وقدرة على التحدي، ومن نماذج ذلك (فنزويلاإيرانسورية). أما إذا كنتَ لا تقيم حساباً لشعبك وقادراً على قهره، ولا يعنيك إلا نفسك والاستمرار في الحكم بأيّ ثمن، فإنك قد اخترت أن تكون مفعولاً بك»، ونماذج ذلك كثيرة في الإقليم وغيره!! ولا ينخدع أحد بأن الرئيس الأميركي سيعمل لحسابه، أو تحقيقاً لمصالحه، إنما هو يعمل لحساب بلده أميركا وشعبها الذي يملك أن يحاسبه طول الوقت بلا هوادة أو رحمة، ولا ينتظر وقت الانتخابات فحسب مثل بعض الأنظمة. وتلك هي سمات المجتمع الديمقراطي، حيث إنّ حرية التعبير بكلّ الوسائل السلمية متاحة بلا قيود وطول الوقت. وقد رأينا، كيف أنّ الرئيس «ترامب» طوال أربع سنواتفترة حكمه لم ترحمه. وسائل الإعلام في أميركا خصوصاً، من النقد اللاذع ومن دون حدود أو سقف. ولذلك استطعنا أن نتوقع منذ (6) شهور قبل الانتخابات، هل في الإمكان استمراره ونجاحه أم سقوطه المدوّي في الانتخاباتّ على عكس أيّ نظام آخر غير ديمقراطي، لا تستطيع أن تتوقع، بل أن تكتب أصلاً إلا «مدحاً» وتأييداً، وليس نقداً أو توقعاً!!

والثابت تاريخياً وبالدراسات العلمية، أنّ الدول الكبرى، وعلى وجه الخصوص «الاستعمارية»، لا تحترم إلا القوة والمقاومة. ولم تتحرّر دول مُستعمرَة تفضّلاً من الدول الاستعمارية، بل كان التحرر نتيجة المقاومة. ولننظر نماذج الزعماء في التاريخ الحديث في مقدمتهم (جمال عبد الناصرهواري بومدينصدام حسينحافظ الأسدالسيد حسن نصر اللهبشار الأسدمعمر القذافيوغيرهم)، وفي الإقليم الكثيرون في مقدّمتهم آية الله الخميني، ومَن جاؤوا بعده، قادرون على تحدّي أميركا والغرب، بخلاف زعماء أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ولنذكر بكلّ إجلال كاسترو زعيم كوبا التي لا تبعد أميالاً عن أميركا، والذي استطاع تحدّيها، وإلى الآن، رغم رحيل كاسترو، الذي خلف أبطالاً استمروا على نهجه.

وخلاصة ما سبق، فإنه لا يجب أن ننتظر من بايدن، إلا بقدر فعلنا وممارستنا لآليات القوة في مواجهته، حتى يقيم لنا وزناً وحساباً.

فقد كان ترامب يتصرّف في الإقليم، باعتباره عزبة خاصة أو شركة يمتلكها، يفعل ما يشاء ويأخذ ما يشاء ويعطي «إسرائيل» ما يشاء، وكلّ أفعاله الإجرامية ليست لها أيّ شرعية دولية على الإطلاق، لكنه يفعل ذلك، لأنّ درجة المقاومة له من غالبية الأطراف في الإقليم، تكاد تكون منعدمة تماماً، والاستثناء من ذلك محور المقاومة.. فازداد المقاومون مقاومة، وازداد المنبطحون المستسلمون استسلاماً وانبطاحاً.

الآن، جاء بايدن، ولم يمض على وجوده في البيت الأبيض، سوى عشرة أيام فقط، ماذا فعل وقرّر بما يتعارض مع سياسات ترامب مئة في المئة تماماً؟

فعلى مستوى الإقليم، اتخذ بايدن، عدداً من القرارات الهامة للغاية، وهي في الإجمال تمثل نقطة تحوّل خطيرة، سيكون لها تداعيات استراتيجية هامة. ومن ذلك ما يلي:

1 ـ إلغاء أو سحب الاعتراف الأميركيّ بسيادة المغرب على الصحراء الغربية الفاصلة بين المغرب وموريتانيا والجزائر، وهي التي سبق لترامب أن قرّرها، كمقايضة مع المغرب، لإعلان الموافقة المغربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني.

2 ـ تجميد صفقات الأسلحة وطائرات «أف 35» لكل من السعودية والإمارات، وفي تصريح لوزير الخارجية الأميركي قال إنه تمّ التجميد لعدم وقف الحرب في اليمن وإلى أن تقف نهائياً.

3 ـ إلغاء قرار ترامب، باعتبار الحوثيين وجماعة أنصار الله، جماعة إرهابية، وطالب من خلال هذا القرار بضرورة الاعتراف بالواقع وتشجيع الجميع على الدخول في العملية السلمية ووقف الحرب في اليمن.

4 ـ البدء في اتخاذ إجراءات العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي تمّ توقيعه في عام 2015، إبان فترة حكم الرئيس باراك أوباما، حيث طالب وزير الخارجية الأميركي، الدولة الإيرانية بضرورة الالتزام بمفردات الاتفاق النووي، وهي بداية لحوار أميركي/ إيراني آتٍ وقريباً، وبالتالي حدوث انفراجة في هذا الملف، وليس وفقاً لبعض التوقعات أن «إسرائيل» سيكون لها دور في استمرار تأزيم العلاقات الأميركية الإيرانية.

5 ـ الموافقة على العودة لتمويل منظمة «الأونروا»، وهو ما يعني عودة تقديم المساعدات الفلسطينية مرة أخرى، وعودة فتح «السفارة» الفلسطينية في واشنطن، وربما عودة الحوار مع السلطة الفلسطينية. ولا يعني ذلك تغيّراً نوعياً في الموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية. فلا يزال الاعتراف الأميركي في عهد ترامب، بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكذلك ضمّ الجولان لـ «السيادة الإسرائيلية»، وهي تصرفات لا تتفق مع الشرعية الدولية، فضلاً عن المستوطنات، واستمرار الضم في الضفة الغربية.

وخلاصة ذلك: فإننا مقدمون على مرحلة جديدة، بلا شك، وأنها ستشهد أوضاعاً ومواقف جديدة، يجري رصدها وتقييمها استراتيجياً. فقد تتوقف حرب اليمن، وقد يتوقف قطار التطبيع وقد يتراجع، وقد تعود القضية الفلسطينية إلى الصدارة مرة أخرى، وقد يكون الموقف الأميركي يحمل توافقات ومواءمات مع الفلسطينيين ومع إيران، وقد ترفع الإدارة الأميركية غطاء التأييد عن عدد من الأنظمة الحاكمة في الإقليم، مما قد يؤدي إلى تغييرات مقبلة تحملها الأيام الآتية وبسرعة وبشكل غير مسبوق. لكن من السذاجة أننا نتوقع ألا تكون «إسرائيل» في مضمون كلّ التحركات الأميركية، وليس على هامشها. وسيظلّ اعتبار «إسرائيل» في قلب الاستراتيجية الأميركية في الإقليم، وقد يتمّ الاستغناء عن نتنياهو في هذه المرحلة، والقادم خطير وكبير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى