أولى

فقه الصعود الى النصر عند الإمام القائد

لم يكن الطالب لتولي المناصب في ايّ لحظة من لحظات حياته، لكنه المندفع بعزم راسخ للقيام بواجب بناء الدولة التي حلم بها منذ نعومة أظفاره ويحلم بها أجيال مشاهد العروج الى المثل العليا في مشهدية انتفاضة علماء الفيضية الخمينية الشهيرة…

هكذا هو السيد علي الخامنئي، رجل دعوة ومجاهد وثائر وجندي ومسؤول حكومي تدرّج في مراحل البناء الثوري والحكومي حتى تولى قيادة رأس الثورة والحكم في دولة الولي الفقيه.

منذ ان أمسك بزمام القيادة وهو ينحت بكلّ ما يملك من أدوات لوحة بناء ما يسمّيه المشروع الإنساني المتكامل او ما بات يُصطلح عليه في الفقه السياسي الإيراني المعاصر “الحضارة او المدنية الإسلامية المعاصرة” …

بعد أربعة وأربعين ربيعاً عاشها بمرّها وحلوها وبكلّ تعرّجاتها وهو الشاهد والشهيد على كثير من فصولها صعوداً أو “تراجعاً”، كما عبّر في آخر تصريحات له، اضطربت فيها البلاد بين مدّ وجزر حتى أطلق هو قبل 4 سنوات، منشوره الاستراتيجي الأهمّ والأكثر تحدياً والذي سمّاه “الخطوة الثانية” في الثورة.

ليقول فيه للجميع انّ المحافظة على النصر الذي تراكم درجة فوق أخرى، لا يمكنه ان يحصل إلا بالقطع الكامل مع منظومة الغرب الشيطانية، وتنظيم تحالفات الأمة في العلاقات الدولية، بشكل ثوري ومرن بما يجعل منها “جسرا جديداً للنصر”، ولكن هذه المرة دون السماح لأيّ قوة أجنبية، حتى بالنظر بعيونها الى حدود وسيادة إيران ناهيك عن اجتياحها وتبديل رأس القيادة فيها، كما فعلت في أوْج تحوّلات الحرب العالمية الثانية…

في منشوره الجديد الذي يعمل به حالياً كما يفترض، يلخص فيه خامنئي شروط الصعود الى النصر الحاسم، في سبع فصول، هي زبدة دروس تجربة الصعود والهبوط التجريبي لثورة إيران الإسلامية التي انطلقت من الصفر وبنت كلّ إنجازاتها بختم ودمغة “صنع في طهران”…

يرى هذا القائد المتطلع لفتح خيار ثالث بين عالم يأفل فيه نجم أقطاب الهيمنة الدوليين التقليديين، انّ الفرصة باتت سانحة للإيرانيين الذين خاضوا معه تجربة صمود نادرة، انّ بإمكان هذا الخيار القيام بخطوات جديدة واعدة وقادرة على شقّ طريق الصعود الى النصر، على صعيد المنافسة والحضور الفاعل على المستويين الاقليمي والدولي…

ويرى انّ ما كرّسته إنجازات سلفه القائد الكبير الإمام الخميني الراحل والحرس القديم من كوادر الثورة، قادرة عملياً اليوم بالاستمرار، بشرط إمساك الشباب بالسلطة من الآن فصاعداً لياخذوا بسفينة الثورة وخيارها، لتصبح البديل الناجع والمنقذ لعالم بدأت أقماره التقليدية تأفل ونماذج تنميته القديمة تتكسّر وتتهافت أمام تحديات الوعي العالمي المتنامي في تبني فكرة رفع علم الروح، مقابل راية المادة ومنظومة التديّن مقابل تهافت الفكر الايديولوجي الغربي…

الأكثر تحدياً في هذا المضمار، كما يرى الإمام الخامنئي هو انّ قطار الخيار الثوري المقاوم، صار هو القطار الأكثر أمناً وأماناً والأكثر حصانة في مواجهة موجات الرياح العاتية في الميدان الدولي، بحيث ان لا أحد بات باستطاعته، بعد كلّ الذي حصل ان يوقف هذا القطار في ايّ محطة من المحطات الثورية، لشعوب وأمم وجماعات عديدة تتمركز في سواحل وشطآن ومضائق وخطوط طول وعرض جغرافية وتاريخية استراتيجية نادرة…

من هنا وحتى يكتب الله امراً كان مفعولا، فانّ من أهمّ شروط مواصلة المسيرة التقدمية الصاعدة نحو القمة، وتجاوز عنق ومنعرج صعود الجبل الشاهق، يرى الإمام الخامنئي، انّ على الجيل الأول من الثورة ان يرمي الحبل المتين الى جيل الشباب تاركاً إياه الإمساك برسن التوجيه والإدارة وخوض تجربة الصعود الثانية نحو الأعلى باعتباره الضمانة الحقيقية لتواصل الأجيال والشرط الضامن لاستمرار نجاح التجربة بأكملها…

ولعلّ حجر الزاوية في ما ورد في البيان الاستراتيجي الذي أصدره قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي في منشوره الآنف الذكر “الخطوة الثانية للثورة الإسلامية” قبل نحو 4 سنوات والمعمول به الآن هو التالي :

“تواجه إيران المقتدرة اليوم أيضاً كما في بداية الثورة تحديات يخلقها لها المستكبرون، ولكن بفارق ذي مغزىً كبير. فإذا كان التحدي مع أميركا في ذلك الحين حول قصّ أذرع عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران أو فضح وكر التجسس، فالتحدي اليوم سببه، هو تواجد إيران المقتدرة على تخوم الكيان الصهيوني وإنهاء النفوذ غير الشرعي لأميركا في منطقة غرب آسيا ودعم الجمهورية الإسلامية لكفاح المجاهدين الفلسطينيين في قلب الأراضي المحتلة والدفاع عن الراية الخفاقة لحزب الله والمقاومة في كلّ هذه المنطقة. وإذا كانت مشكلة الغرب في ذلك الحين الحيلولة دون شراء أسلحة بدائية لإيران فإنّ مشكلته اليوم الحؤول دون نقل الأسلحة الإيرانية المتطورة لقوات المقاومة.

وإذا كانت أميركا في ذلك الحين تظن أنها ستستطيع بعدد من الإيرانيين البائعين لذممهم وبعدة طائرات ومروحيات التغلب علي النظام الإسلامي وشعب إيران، فإنها اليوم تجد نفسها لمواجهة الجمهورية الإسلامية سياسياً وأمنياً بحاجة إلى تحالف كبير من عشرات الحكومات المعاندة أو المرتعبة، وهي البتة سوف تنهزم في المواجهة رغم ذلك.

إنّ إيران بفضل الثورة تقف الآن في مكانة سامقة ولائقة بالشعب الإيراني وفي أنظار العالم، وقد تجاوزت الكثير من المنعطفات الصعبة في قضاياها السياسية…”

ها هي إذن ثورة المستضعفين، وبعد أربعة وأربعين ربيعاً إيرانياً تغسل أقدامها في المياه الساخنة من هرمز الى باب المندب الى شواطئ البحر المتوسط لتقول للعالم أجمع :

ولّى زمن الاسكندر وكسرى والناتو ووارسو،

وجاء زمن بدر وخيبر،

فهلموا يا شباب العرب والمسلمين على خير العمل،

لتحقيق قيامة فلسطينية تختصر انتصار القسط والعدل في العالم على الظلم والطغيان على امتداد التاريخ البشري.

ثورة حتى قيام القائم.

بعدنا طيبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى