حديث الجمعة

حكومة بالأهداف

عشرات الوزراء والمديرين سيطلبون إعفاءهم

بينما كان أبو صطوف يبتسم بهدوء، كانت أم صطوف تضحك حتى تكاد تنطمر عيناها الصغيرتان، وهي تحكي لنا النكتة التالية:

 «ولد بيسأل أمو:

ماما، معقول، بابا، ما عندو أهل؟!

الأم: لا حبيبي.. عندو أهل.. جدو وتيتا أهلو..

الطفل: طيب، ليش تاركينو عندنا»..؟!!

في تلك اللحظات رنّ الجرس وإذ به جاري، الشيخ «أبو طاقية» رحّبتُ به، وجلسنا جلسة رزانةٍ..

 كنا نجهّز الشاي حين اتصل صديقي أبو الزُلُف بعد دقائق قليلة، وأخبرني بأنه قادم، ويحمل معه أخباراً جميلة..

 لم نكد نصب الشاي في الفناجين حتى رنّ الجرس، ففتحتُ لـ «أبو الزُلُف»..

 «دخل، والقى التحية، ثم جلس على كنبة، الى جواري، بمقابلة الضيوف..

 وقبل أن أصبّ له الشاي، قال: قرارات مهمة عن مكافحة الفساد والفاسدين، ستجعل مسؤولينا مثل مسؤولي أوروبا..

 وسنتفاجأ قريباً بعشرات الوزراء والمديرين العامين يتقدمون بطلبات استقالاتهم من مناصبهم!!

 استرعت كلماته السابقة اهتماماً غير عادي من الشيخ «أبو طاقية» الذي اعتدل في جلسته وأرجع ظهره إلى الخلف ومسح بيده على لحيته، وتلمّظ شفتيه حتى ظهر طرف لسانه، وهو ينظر في وجه (ابو الزُلُف)، ثم عضّ على شفته العليا، وقال له، بأسلوب التمني والاستنكار:

 كأنك يا أخ مغرم بالأفلام الهنديّة؟!

 أجابه أبو الزُلُف: لا، أبداً يا شيخنا، فأنا عائد للتو من اجتماع (خاص)..

 وقد اتُخذ القرار اليوم باعتماد نظام عمل الإدارة بالأهداف، للوزارات والمؤسسات الحكومية.

 قاطعتُه قائلاً، ولكن إحدى حكوماتنا السابقة جرّبت نظام عمل الإدارة بالأهداف، منذ حوالي عشرين عاماً مع عدد من المؤسسات، وفشلت بسبب اختلاف آراء الجهات المسؤولة عن التقييم.

 قال: هذه المرة الأمر مختلف، فسوف يتم تحديد الخطط والأهداف للوزارات والمؤسسات، ووضع تواريخ دقيقة للإنجاز..

 وستتم المحاسبة على نسب التنفيذ وفق الأرقام الموضوعة..

ولن يتم قبول أي مبررات، مهما كانت، لسوء المنتج، أو للتأخر في التنفيذ للخطة بنسبة 100%.

وستتم مراجعة تنفيذ الأهداف بشكل دوري كل ستة أشهر.

 وسيتم تحميل الوزير والمدير المسؤول والجهة المنفذة للمشروع مسؤولية النسبة التي لم يتم تنفيذها.

وسيتم تنفيذ تلك النسبة على حساب الوزير والمدير وطاقم العمل المسؤول عن تنفيذ الخطة، من أموالهم الخاصة، بالإضافة إلى (السجن).

 وتابع ابو الزُلُف بفرح وحبور: سأطرح أمثلة لفهم ما سيحدث:

هل تتذكرون «تحويلةالحفّةصلنفة» باللاذقية، التي تم إنجازها أواخر عام 2018، ثم انهار جزء منها بعد خمسة أشهر على تنفيذها!!!

 وتم التعاقد لصيانة الجزء المنهار بمبلغ يزيد على 200 مليون ليرة (يُصرف من خزينة الدولة)!!

 من الآن فصاعداً سيتغير الوضع.. أي لو أن ذلك الانهيار حدث الآن، بعد هذا القرار لكانت تمت إعادة تنفيذ «التحويلة» على حساب وزير النقل ومدير المواصلات الطرقية ومدير الطرق باللاذقية والجهة الدارسة والمنفذة والمستلمة للمشروع، ومن أموالهم الخاصة، إضافة إلى عقوبة السجن وإنهاء التكليف بمواقع المسؤولية.

 وتابع يقول: هناك مئات الأمثلة التي يمكن طرحها، ولكن سأكتفي بمثال آخر، وهو السكن الشبابي الذي أقره رئيس الجمهورية على دفعتين عامَي 2002 و2004، وكان يُفترض أن ينتهي الجزء الثاني منه عام 2016، ولكنه لم ينتهِ حتى الآن، وما زالت أكثر من عشرة آلاف شقة غير منجزة..

 أما مع اعتماد الطريقة الجديدة في الإدارة بالأهداف، فإنه في مثل هذه الحالة سيتم بناء الشقق التي لم يتم تنفيذها في موعدها المحدد على حساب وزير الإسكان ومدير المؤسسة العامة للإسكان، إضافة إلى السجن ودفع غرامات التأخير.

كانت أم صطوف تستمع باهتمام شديد، وتتبادل النظرات مع أبو صطوف مع هزات متتالية بالرأس إلى الأعلى والأسفل.

 وكان الشيخ (أبو طاقية) يتململ في جلسته ويتحرك يميناً وشمالاً وكأنه مصاب بـ (البواسير)..

سألته: ما بك يا شيخنا، وكأنك غير مرتاح؟!

 هل تريد تغيير مكان جلوسك؟!

 فانتفض واقفاً، وقد انتفخت اوداجه واحمرّت عيناه.. ثم قال:

 أمّنوا (قولوا آمين) خلفي على هذا الدعاء:

«اللهم اكفني شرّ العابثين والحاسدين والماكرين..

 اللهم، مَنْ أرادني بسوء فاطمُسْ عينيه، وصمّ أذُنَيه..».

 ثم نظر في وجه (أبو الزُلُف) وقال:

 «اللهم اسحق وامحق أهل الدجل البِدع، الذين يسببون للناس الفزع».. وغادر غاضباً!!

 قال لي أبو الزُلُف: لماذا نظر إليّ، وهو يدعو بالسحق والمحق على أهل الدجل والبدع؟!!

لم يكد يُنهي أبو الزُلُف سؤالَه حتى تنحنحت أم صطوف وقالت: مليح ما عطينا حق (الدهبات) لـ «أبو جمال».. والله كانت راحت علينا..!!

 اذاً الشغلة فيها سجن.. ما عاد بدنا منصب المدير لصطوف!!

 وهنا نطق أبو صطوف، وهو الذي لا ينطق إلا نادراً، وقال:

 «راحت على «طاقية»، (ابن الشيخ)..

 أكيد راح يقدّم استقالتو من منصب الوزير!!

هلال عون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى