أولى

سورية اختارت موقعها المقاوِم
والأولويّة لتخليص الوطن
من آفة التطرّف والإرهاب

 طارق الأحمد _

جانب الكاتب الروسيّ ـ السوريّ الأستاذ رامي الشاعر

تحية طيبة وبعد..

بوصفكم شخصية معروفة في الأوساط السياسية، نتابع مقالاتكم في موقعروسيا اليوموفي صحيفةزافتراوغيرها من الصحف الروسية، والتي تعبّرون فيها عن وجهة نظر روسية. ولكن، مع كلّ مقالة تضعون السوريين في حيرة وتخمين، فيقول البعض بأنّ لكم موقعاً رسمياً وآراءكم تعبّر عن وجهة النظر الرسمية للدولة الروسية، والبعض الآخر يقول العكس، لأنكم توقعون مقالاتكم بصفةكاتب سوري، روسي، فلسطيني، ما يزيد الحيرة حيرة.

نعم نحن في سورية وعلى كلّ المستويات، المشتغلين بكثافة في حقل السياسة، أو المتابعين لها بحكم الضرورة، أصبحنا بحاجة ماسّة لقراءة وجهات نظر تعبّر عما تفكر به القيادة الروسية، إذ ليس من المنطقي أن يتلاعب بنا كتّاب الرأي من هنا وهناك، فيتحدّث أحدهم عن وقوف روسيا الى جانب شعبنا، ويُطلق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توصيف (أبو علي بوتين) وهو توصيف شعبي مستخدم في مصر كما في سورية للرجل الشهم المقدام الذي يعمل لإحقاق الحق ورفع الضيم عن شخص أو شعبفي حين يناقضه آخر فيعتبر روسيا (دولة احتلال) ويسوق ضدّها كلّ الاتهامات.

وثمّة كتّاب آخرون يتناولون فرضيات أخرى لحنق أو خيبة أمل، فيقولون، ماذا لو لم نعُد حلفاء وأصدقاء وبتنا عكس ذلك، ثم يترك العنان لأنواع الخيال ليسبح في فضاءات تلك الفرضيات، التي تذهب بعيداً بعيداً، حتى يصيح البعض عند قراءتها على طريقة السوريين فيقولون للكاتب، كما كانوا يقولون لسائق الحافلة (وين وين يا مهوِّن، بكسر الواو…) لقد ذهبت بعيداً عن الطريق!

كلّ تلك التصوّرات تأتي من البعيدين عن دائرة التقدير الصحيح والقرار في البلدين، ربما لأنّ القريبين من هذه الدائرة، قلما تحدثوا أو أوضحوا الحقائق في أوقاتها، مما يفتح الباب واسعاً للتاويلات، وحتى عندما يخرج سفير في بيروت أو دمشق يتحدّث العربية بموقف ما، فإنّ التأويل يذهب بعيداً جداً، فيستفحل الأمر قبل أن يأتي التصويب منه، على طريقة البيانات الرسمية التي تنفي الشائعات وتؤكد أنّ العلاقة استراتيجية ومتينة، ومؤطرة باتفاقات دوليّة بين القيادتين في البلدين وتحكمها المصالح المشتركة العليا للدولتين، وكلّ ذلك مع صحته العلمية، لكنه لا يشفي عطش المنتظرين للخبر العاجل في وقته، حتى عندما كانت الحرائق تلتهم أشجار جبالنا وشقاء عمر أهلنا في القرى وتسمّر الكثيرون أمام نشرات الأخبار، لعلهم يشاهدون طائرات مكافحة الحرائق الروسيّة تتدخل لإطفاء الحرائق، بأسرع مما حصل حين تدخّلت لإطفاء حرائق مماثلة في تركيا أو كيان الاحتلالالإسرائيليّ، وهذا مثال على كيفية ترجمة كلّ البيانات الرسميّة ولا أعتقد أنّ المرء يُلام على هذا التقدير

حضرة الكاتب

أشرتم في مقالتكم الأخيرة إلى أنكم تنتظرون من الرئيس بشار الأسد الموافقة على مبادرة لإشراك المعارضة في صيغة الحكم، وأنكم وجّهتم رسالة له بهذا الخصوص، وضمّنتم مقالتكم هذا الأمر، لذا سنناقش الأمر معكم في مقالة أيضاً، خصوصاً أنكم تعرفون جيداً موقفنا الشخصي الداعي دوماً إلى الحوار، والذي لا يستثني أيّاً من القوى السياسية على قاعدة مصلحة الوطن ووفق معايير صحيحة لتمثيلها الوطني والشعبي، إلا الذين يجاهرون بتمثيلهم لدول خارجية، ونأخذ مثالاً خالد خوجة الذي كان رئيساً لما يُسمّىالائتلاف المعارض، أيّ الذي مثل الطرف الرئيسيّ في المعارضة، والذي لا يعتبر دولياً ولا أممياً أنّ الحوار يتمّ بدونه، علماً أنه عضو قيادي في حزب تركي ويحمل الجنسية التركية. هذا مثال فقط، ويمكن لنا أن نؤلف انسكلوبيديا عن تنوّع الشخصيات القيادية في المعارضة التي لا نعرف عن تمثيلها شيئاً، سوى أنها ظهرت بفعل ما سُمّي بـالربيع العربيبعد عام 2011. ولذلك فإنني حين أطرح هذه التساؤلات كسياسي مراقب، وهذا من حقي، فأنا أطرحه ضمن تساؤل استيضاحي فعلاً وليس استنكارياً بالفعل، وأنتظر الجواب ممن يقدّم إجابات واضحة وليس عرضاً للأحداث كما جرت منذ مظاهرات درعا، مع الاحترام لجميع الآراء، لأّن الأمر قد أشبع عرضاً والمواقف كلها معروفة.

التساؤل الآخر يتعلق أيضاً بما تضمّنته مقالتكم حول إشراك المعارضة في الحكومة، رغم أنكم تعلمون بأنه لا يوجد أيّ مانع أو رفض، بل على العكس، إنّ كلّ ما يمكن أن يؤدّي إلى تحقيق مصلحة سورية العليا التي هي فوق كلّ مصلحة، فنحن معها تماماً، لكن المسألة ليست توزيعاً للكراسي، ولا يمكن تبرير لا الوضع الاقتصادي المؤلم الذي نعيشه ونرزح جميعاً تحت وطأته، ولا حتى تفشّي الفساد بشكل كبير، وهو الأمر الذي يتطلب علاجاً سريعاً لوقف تفشي الفساد، لكن كلّ ذلك لا يعني أبداً توزيع كراسي الوزارات على أسماء في المعارضة تحت هذا المسمّى أو ذاك، لأنّ الجسم الحكومي هو جسم واحد ويُفترض فيه الانسجام لتحقيق مصلحة الدولة وتأمين سبل العيش وإنّ التجربة التي خاضها الدكتور قدري جميل في وزارة التجارة الداخلية تعكس هذا التناغم المطلوب مع الحكومة وليس التنافر معها أو (العيش معها وخارجها)، وهذا يستدعي طرح الأمر بشكل استراتيجي للنقاش، لأننا من حيث المبدأ مع الطرح ولسنا ضدّه، ولكن كيف؟

كما تعلمون، أنّ الحرب على سورية بدأت حين رفض الرئيس الأسد المشروع القطري ـ التركي بمدّ أنابيب الغاز القطريّة عبر سورية، ما دفع قطر وتركيا لتحشيد حلفائهما وشنّ حرب إرهابية كونية على هذا البلد، وقد اعترفت قطر بدفع عشرات مليارات الدولارات وبتأسيس كلّ ما يتطلبه هذا العدوان داخل تركيا، وليس هناك ضرورة لشرح ما تقومون أنتم عادة بشرحه للعالم ونحن نعرف ذلك، لكن علينا أن نكمل دائرة التفكير.

الحرب الإرهابيةالإفقارية على سورية والسوريين تدخل عامها العاشر، فماذا لو أنّ عديد السوريين بدأوا يتساءلون، ألم يكن علينا أن نقبل العرض القطريّ لنكون في بحبوحة من العيش الآن، بدلاً من أن نقف أياماً على طابور البنزين ونرتجف من برد الشتاء، في حين أنّ حلفاءنا هم أكبر منتجي النفط والغاز في العالم؟! فهل دورنا نحن كسياسيّين أن نتجاهل حديث الناس أم نحترمه ونناقشه بجدية؟

بكلّ صراحة لم أجد مناسبة للإجابة على هذا السؤال في مقالة، أفضل من مناسبة مناقشة مقالتكم، لأنها توضح تماماً تلك المقاربة على الشكل التالي:

إنّ خطوط الغاز والنفط هي ليست مجرد مشاريع اقتصاديّة كما يعتقد البعض، وللأسف في الوقت نفسه، حيث لا يوجد نفط في العالم من دون حروب وأحلاف، وأما الفرضيات المثالية، فهي لدى أصحاب ما يسمّى (Wishful thinking) أيّ التفكير بالأمنيات..

وانّ فرضية دخول سورية في تمرير خطوط نفط وغاز تعادي ولا تنافس فقط المصالح الروسيّة والعراقيّة والإيرانيّة كمنتجين أساسيين، سيعني دخول سورية في حلف آخر، لا بد أنه أيضاً في الموقع الآخر والذي يرتبط بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيلبالضرورة. ونحن هنا لا نتحدث عن مشاريع اقتصادية أو تبادل تجاري، فقد أخذ القطريون والأتراك ما يكفي ويفيض منها قبل 2011 وذلك معروف لكلّ متابع للشأن، ولكن في القضايا الاستراتيجية، فالأمر لا يقتصر ولن يقتصر على تمرير أنبوب، بل وهكذا كانت جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية، المشروع يصبح أكبر من الدولة ويستهلك الدولة، وأنّ سورية قد اختارت أن تكون في حلف المقاومة لمشروع صهيونيّ يحتلّ فلسطين ولا تزال تدفع ثمن مواقفها وهي رابحة ذاتها التي لا تنفصل عنها. وهذا المشروع هو المكمل الطبيعي لتجمع أطلقه الرئيس فلاديمير بوتين وليس أبو علي بوتين، مشروع دولبريكسبالتعاون مع الرئيس الصيني شي جين بين، الذي صرّح بدوره منذ سنوات بانتهاء عصر أحادية القطبية، وهذا الأمر هو خلاص للبشرية جمعاء من التبعية، لغول أميركي لا ينفع معه انتظار كلّ 4 سنوات انتخابات ديمقراطية ننتظر دروسهم في علوم الحياة ليصدّروا لنا تارة الرئيس ترامب وأصحابه غزاة الكابيتول، وتارة أخرى أوباما وهيلاري كلينتون، مؤسّسي داعش وخلفها النصرة والقاعدة، ولن أطيل بشأن الرئيس بايدن الذي ينتمي للمنظومة نفسها، لكن المحدّد لما سيكون عليه عمله هو مدى فشل مشروعهم وتجميع قوانا وليس ديمقراطيتهم

الآن يأتي السؤال: لو كان في منظومة الحكم تلك التشكيلة من المعارضة السورية، فهل ستقبل بالخيارات الاستراتيجية، والسؤال فعلاً أصبح ملحاً لأجل القارئ، عما تريده القيادة الروسية فعلاً، فهل تريد منظومة حكم في سورية لا تنظر إلى الأمور المصيريّة وهي تعلن عن نفسها بصراحة على أنها في الطرف الآخر تماماًأيّ أنها كانت وسوف تعمل كلّ ما تستطيع لإخراج سورية من المحور الذي شرحته آنفاً، وهو محور المقاومة ضدّ المشروع الصهيوني والذي يتلاقى ويتكامل مع مشروع التعددية القطبية الروسيّ الصينيّ.

كلّ ذلك لا يعني بحال من الأحوال رفضاً للحوار، فمن السذاجة اتهامنا بذلك ونحن ننتمي إلى القوى الأكثر تجذراً في الحياة السياسية السورية، ومع ذلك وضمن فقه الأولويات، نعتقد أنّ الأولوية القصوى هي لتخليص الوطن من آفة التطرف والإرهاب، وإنّ أيّ شماتة أو مبادلة لخطر الإرهاب بكعكة سياسيّة، يمارسها سوريّ بحق بلده، تصنف في خانة التصيّد في آلام الناس، والمشتبه فقط هو الذي يعتقد بأنّ الشعب السوري لا يدرك حقيقة المواقف ونبلها من عدمه.

نحن في المقابل نعتقد أنّ العملية السياسية يجب أن تبدأ فعلياً وداخل الوطن في عقد حوار سوري ـ سوري يضمّ جميع الأحزاب السياسية والقوى والشخصيات الوطنية سواء كانت في الداخل أو الخارج وفق تمثيلها الحقيقي مع تمثيل قوى المعارضة والمجتمع المدني والنقابي لتنتج عن ذلك الحوار برامج إصلاحيّة تصبّ في مصلحة الناس وتثبت حق الوطن في استعادة كلّ الأراضي المحتلة.

*كاتب سياسيّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى