أولى

ذكرى انتفاضة 6 شباط 1984

في مثل هذا اليوم قبل خمسة وثلاثين عاماً شهد لبنان تحوّلاً تاريخياً في مساره، فبعد سنتين فرضت عليه خلالها حالة الاحتلال الوصاية، نجح لبنان بفتح مسار معاكس، حيث بدأ الانسحاب الإسرائيلي الذي انتهى عند أطراف الشريط الحدودي، وخرجت القوات المتعددة الجنسيات التي كانت تتمركز في العاصمة، وفي طليعتها وحدات المارينز الأميركية وحاملاتها ومدمّراتها، وأسقط بنتيجتها اتفاق 17 أيار الذي كرس الوصاية الإسرائيلية برعاية أميركية.

في مثل هذا اليوم بدأ المسار الذي فتحت فيه طريق بيروت دمشق وصولاً الى الجنوب، ومعها الإمداد الذي أتاح للمقاومة رفع منسوب حضورها وعملياتها وصولاً الى التحرير عام 2000، ومهد الطريق لتوافق لبناني على خلفية التحولات الجديدة، بالعلاقة مع سورية، وانطلاق حوار وطني انبثقت عنه حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وانطلق البحث بالتعديلات الواجبة على الدستور التي تكرست في اتفاق الطائف، وانتهت عندها الحرب الأهلية.

الأجيال التي لم تعش تلك المرحلة وهي الأجيال التي تشكل اليوم شباب لبنان وشاباته يجب أن يتاح لها التعرف على هذا التاريخ المشرق في حياة لبنان، لاستلهام حقائق تشكل زاداً فكرياً لكل عمل إصلاحي او تغييري، فالإنجازات التي تحققت جاءت في ظل موازين قوى مختلة بما لا يقبل النقاش لصالح فريق الاحتلال والوصاية الداخلي والخارجي والذين صنعوا الانتصارات فعلوا ذلك بإمكانات متواضعة لكن بعزم لا يلين وإرادة لا تنكسر.

نشأ في قلب الانتفاضة نموذج سياسي وعسكري جدير بالدراسة، فقد تشكل مجلس شورى شعبي سياسي كان ينعقد في أول أيام الانتفاضة يومياً برئاسىة الرئيس نبيه بري الذي عقد له لواء قيادة الانتفاضة، وتشاركت فيه القوى السياسية الوطنية والهيئات الشعبية وبالتوازي تشكل لقاء سياسيّ شعبي أوسع برئاسة الرئيس سليم الحص كان ينعقد أسبوعياً في نادي متخرجي الجامعة الأميركية وكان لهذا النموذج الديمقراطيّ المتفوّق دور بارز في إنجازات الانتفاضة.

يستحق هذا الحدث التاريخي التنويه وجعله مصدراً لاستخلاص الدروس، خصوصاً أن الأزمة الاقتصادية والعقد الطائفية التي نعيش في ظلها اليوم، تكرار في الكثير من عناصرها للأزمة التي حالت دون تحول الانتفاضة يومها الى مدخل لتغيير جذري في حياة لبنان واللبنانيين، لتصير ثورة كاملة تنجز أهدافها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى