أولى

انحطاط الخطاب الإعلاميّ
أمن قوميّ

 

لم يعد ممكناً حصر التعامل مع الملف الإعلاميّ بثنائية حرية التعبير والمسؤولية القانونية عن الحرية في حفظ حقوق الغير، مع تطوّر تأثير وسائل الإعلام وتحوّلها إلى جزء من آلات الحرب التي تتقدم في مكانتها على الحروب التي تخوضها الجيوش بالحديد والنار، خصوصاً في ظل معادلة حرب العقول والقلوب في صناعة النصر والهزيمة وانتشار حروب الشيطنة.

في لبنان حيث خط التماس الأول بين مشروع المقاومة التي باتت مع تطوّر مقدراتها الخطر الوجودي الأول على كيان الاحتلال، وبين القلق الإسرائيلي الذي تجنّدت لتهدئته الدولة الأعظم في العالم وجندت معها دولاً عربية وغربية بأموالها ومقدراتها فتم ضخ أموال طائلة في سوق الإعلام اللبناني صرّح بها مسؤولون أميركيون وعرب والهدف واحد وهو شيطنة المقاومة وتشويه صورتها وتأليب اللبنانيين عليها وصولاً لدفع لبنان نحو مخاطر الفتن والحرب الأهلية.

في لبنان كبلد هشّ على صعيد تكوينه الطائفي وحساسية العلاقات بين الطوائف، ويعيش أزمة اقتصادية مالية خانقة، يصير الاستثمار الحربي في الإعلام ملفاً من ملفات الأمن القومي الحساسة والخطيرة، ولا تستطيع الجهات المسؤولة عن منع انهيار لبنان إلى ما هو أشد خطورة التعامل مع الملف الإعلامي بصفته ملفاً ثانوياً لا يمكن مقاربته الا تحت عنوان المسايرة والمجاملة والتنافس على رضا مؤسسات الإعلام لتخديم طلبات ضيقة وشخصية للمسوؤلين المعنيين بإدارة ملفات الأمن القومي والإعلامي تحت شعار تجنب معركة حريات، وتبييض الوجوه مع مؤسسات تملك مقدرات مالية وإعلامية يتطلع الجميع لتفادي الاشتباك معها أو الى الإفادة من نفوذها، وترك الحبل على الغارب حتى يقع لبنان في المحظور.

لا يحتاج لبنان الى معركة حريات ولا الى إضعاف هامش حرية التعبير، بل يحتاج الى وحدة موقف من المرجعيات المعنية بالأمن القومي والملف الإعلامي، وهنا يبدو عقد اجتماع يضم مدراء محطات التلفزيون خصوصاً كبداية، يضم وزراء الداخلية والعدل والإعلام ومدّعي عام التمييز ومدير عام الأمن العام ورئيس المجلس الوطني للإعلام للتفاهم على خطوط صارمة تضع حداً للفلتان السائد إعلامياً الذي يلعب على خطوط التحريض الطائفي ويشرعن الشتائم، وينخرط في حروب الشيطنة.

في السبعينيّات لعب الإعلام اللبناني بالنار طلباً للمال العربي، فكانت النتيجة أن تحوّل تقييد الحرية الإعلامية إلى بند من بنود التفاهم العربيّ على وقف الحرب الأهلية، وفقاً لمبادرة الحل العربيّ عام 1976.

في كل دول العالم من أكثرها ديمقراطية إلى أدناها الضوابط التي تحفظ أمن المجتمع والدولة تشكل خطوطاً حمراء يحترمها الإعلام، والإعلام اللبناني نفسه يحترم ضوابط الدول التي تموّله، لكنه يبيح الخراب لبلده لبنان.

ما شهدناه مؤخراً خصوصاً على قناة أم تي في ليس إلا أول الغيث طالما الأمور متروكة بلا مراجعة او مبادرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى