أولى

من دون صدمة إيجابيّة الكارثة تقترب

يقدّم المسار المتسارع مالياً ونقدياً واجتماعياً صورة عن السيناريو المقبل خلال أقل من شهرين. فالمصرف المركزيّ لا يسدّد للسوق مطلوبات الاستيراد والسلع تُفقد من الأسواق، وليس خافياً أن أغلب أزمة الدواء تعود لهذا السبب ومثلها أزمات الكهرباء الناتجة عن نقص الفيول المتعمّد، ومثلها ترتفع أسعار السلع بصورة هائلة تحت ذريعة التمويل للدولار من السوق السوداء، من أسعار اللحوم إلى الكثير من المواد الغذائية وبعض المعدات الطبية، والنتيجة المترتبة مزدوجة، ارتفاع سعر الدولار بتسارع ناتج عن زيادة الطلب، وبالتالي تراجع متزايد بقدرتها الشرائية، وارتفاع جنوني في الأسعار. وهذا يعني أن ساعة الانفجار الكبير تقترب.

هناك طريقة وحيدة لمنع حدوث هذا الارتطام الكبير لتايتانك بجبل الجليد، وهي حدوث صدمة إيجابية كبرى تعدّل المسار الانفجاريّ، والصدمة إما أن تكون بقيام مصرف لبنان بضخّ العملات الصعبة اللازمة لتمويل الاستيراد بمعزل عن إمكانية تعديل سعر بيعه للدولارات في بعض السلع، لكن الأهم رفع الضغط عن سوق الصرف بطلب متصاعد جنونياً لخدمة حاجات الاستيراد، ومعلوم أن هذا يستدعي التصرف بجزء من الاحتياط الموجود لدى مصرف لبنان، بعد إعادة تقييم الاحتياط الإلزامي للمصارف، في ظل تراجع حجم الودائع، أو تعديل النسبة المقرّرة للاحتياط، طالما أن مصرف لبنان قد استعمل أصلاً ودائع اللبنانيين تحت شعار شراء الوقت في ظروف أقل خطورة، ويريد الاختباء اليوم وراء الحديث عن أن هذا الاحتياط عائد للمودعين، والمودعون لا يصلهم منه شيء، وبيد مصرف لبنان شراء الوقت اللازم لبلورة حلول سياسية تشكل هي الصدمة الأهم إيجاباً لعكس الاتجاه من الانفجار إلى الانفراج.

نوع ثانٍ من الصدمة الإيجابية تستطيع حكومة تصريف الأعمال القيام بها، وهو كان ممكناً منذ اليوم الأول لتمويل الاستيراد، عبر تقسيم فاتورة الاستيراد إلى أبواب يمكن تمويلها بعقود من دولة الى دولة مؤجلة السداد، كفاتورة المحروقات، وهي تشكل نصف متطلبات العملات الصعبة تقريباً، وأبواب يمكن تخفيض كلفتها الى النصف، كتوزيع فاتورة الدواء الى أبواب تمول بسعر منخفض كأدوية الجنريك وأدوية الأمراض المزمنة، وتدرج أسعار البيع للدولار لتمويل استيراد الباقي حسب موقعه في حاجات الناس، ومثل ذلك في فاتورة استيراد المواد الغذائية والاستهلاكية.

الخطوة الحاسمة في إحداث الصدمة الإيجابية المطلوبة، تبقى بحكومة جديدة تضع يدها على الملف الاقتصادي والملف المالي وتستجلب تمويلاً لمرحلة انتقالية لسنوات تتيح إنهاض قطاعات الإنتاج وتردم الفجوة في الميزان التجاريّ واستطراداً لميزان المدفوعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى