الوطن

سياسيّو لبنان… «الله يعطيكم العافية»!

 

} علي بدر الدين

نُقل عن المحامي وليد أبو دية، صديق عائلة الراحل الفنان وديع الصافي، أنه أحيا حفلاً فنياً غنائياً، لإحدى القبائل الليبية، وعندما صعد إلى المسرح، قوبل بتصفيق حار من الحاضرين، فما كان منه إلا الانحناء احتراماً، وإلقاء التحية عليهم، والقول لهم «الله يعطيكم العافية» فساد الصمت القاعة، ما دفع بمنظم الحفل ومقدّمه للتدخل والتوضيح، متوجهاً إلى الفنان وديع الصافي بالقول، نحن ندرك يا أستاذ، أنك تتكلم بلهجتك اللبنانية، ولكن هذا الدعاء في منطقتنا، يعني الدعاء بالموت، والراحة والعافية في الموت، فابتسم الصافي، وقال للجمهور حقكم عليّ، و»الله لا يعطيكم العافية».

دعاء الصافي باللهجتين الليبية واللبنانية ينطبق تماماً على السياسيين اللبنانيين الذين تعاقبوا في كلّ العهود والحكومات والسلطات، واقترفوا الجرائم على أنواعها وأشكالها بحق الشعب اللبناني وأفقروه وجوّعوه وسدّوا فرص العمل والإنتاج في وجهه، ورموه في الشوارع يبحث عبثاً عن عمل، واستبدله بتسوّل الفتات من الداخل، ومنبوذ في الخارج، وتحويل وجوده ومصيره الى ألعوبة بين الدول، تتاجر بإسمه وتعقد الصفقات والسمسرات والعمولات، كما هو حاصل اليوم في تقديم القروض والمساعدات الدولية إلى لبنان بشروط وأثمان مكلفة جداً.

إنّ ما آلت اليه الاوضاع في لبنان من كارثية حقيقية خطيرة ومدمّرة على كلّ المستويات، ما كانت لتحصل، إلا لأنّ حكام هذا البلد منذ مائة عام باعوا البلد برمّته، وكلّ ما هو على سطح الأرض وفي باطنها، وحوّلوا قرارهم وقرار لبنان وسيادته واستقلاله إلى سلعة تباع وتشرى، في أسواق النخاسة ولمن يدفع أكثر، حتى أصبح لبنان مكشوفاً، لا غطاء يحميه أو يدافع عنه، أو يحرص على بقائه حراً سيداً مستقلاً، حتى بلغ الأمر حداً غير مسبوق، وتخلى عنه الجميع، ولا دولة قريبة أو بعيدة تطمع في احتضانه والتسويق له ورهنه بعد أن أفقدته الطبقة السياسية معنى وجوده، وإذا ما قرّرت دولة ما مدّ يد العون والمساعدة والانتشال، فإنها تفرض شروطاً تعجيزية على الطبقة السياسية لتدفيع البلاد والعباد الأثمان، وهي تبقى بعيدة لأنّ ثمنها بات معروفاً ومتفق عليه سلفاً.

انّ قرار تأليف الحكومة، وبالتالي فرض الإصلاح والتغيير والإنقاذ، هو قرار الشعب أولاً وأخيراً، والاستجابة الدولية والإقليمية لإرادة هذا الشعب ستكون عاجلة لأن لا أحد في الداخل والخارج يقدر على الوقوف في مواجهة شعب أراد الانتفاضة والثورة على حكامه الجائرين، المستبدّين، الجشعين والفاسدين، لأنّ هذا حق متقدم من حقوقهم وحرياتهم وحمايتهم من سلاطين وأنظمة جائرة، هذا لا يعني، انّ هذا الخارج الاستثماري بسياسات الدول وحياة شعوبها وأمنها واقتصادها وثرواتها سينأى بنفسه عن المستجدات، أو سيبقى متفرّجاً ويخسر كلّ شيء، لأنّ مصالحه تفرض عليه التعاطي بحذر، والبحث عن ألاعيب وسياسات بديلة، وربما وكلاء بديلون، بعد أن «خلص» زيتهم ومفعولهم، وتحوّلوا إلى عبء على مشغليهم، لأنه في حال فرض الشعب قراره بالتغيير، فإنّ تأثير وتدخل الخارج سيخف بطبيعة الحال، بعد ان فقد وكلاؤه وعملاؤه وسماسرته المخفيّين والعلنيّين و «ومن تحت إبطه إبرة فلتنعره وتؤلمه حتى يئنّ منها».

غير أنّ الرهان على الشعب اللبناني، لا يبدو حالياً، أنه في أوانه، أو أصبح على «قاب قوسين» لأنه لا يزال «يعوم على شبر ماء»، ولا يزال بعضه أو معظمه غارقاً في أحلام وردية ووعود خلبية، ولا يرى أصدق وأفهم وأحرص من الذي يكاد «يؤلّهه» ويصفق لرؤيته وأنه سيكون الخلاص على يديه من دون سواه، وانّ مستقبل الوطن والأولاد وكلّ الأجيال ستكون من فعله هو أو أولاده أو أحفاده أو سليلته من بعده. إنه «فعل إيمان» الشعب بهؤلاء الذين يملكون الحلول السحرية لمصالحهم و»العصا والجزرة»، والظلم له.

هذا الشعب الذي يجعل من «الحبة قبة» في قضايا صغيرة جداً، وألاعيب تفتعلها السلطة السياسية، لإلهائه وإشغاله بها وإغراقه في «تركيب النكت وإحداث ثورة غير مسبوقة على وسائل التواصل»، وكأنّ هذا الشعب المسكين والمقهور والمغلوب على أمره، والمنهوب والمصادرة حقوقه وأمواله وطحينه وخبزه وأدويته وأمنه وأمانه».

للأسف نجحت المنظومة السياسية الحاكمة في استجرار الشعب اللبناني الى ملعبها الذي تبرع فيه وتحقق «الإنجاز» تلو الأخر على حساب الوطن والشعب والمؤسسات. الثمن هو سكوت المواطن على ما حلّ به من مآس وكوارث ومعاناة وخسائر وفقر وقلة، ولبقائه حيث هو من دون حراك، أو صراخ من الألم والجوع والمرض والبطالة والقمع. ومن دون أن يكشف المخبأ الأصعب وربما الأخطر الآتي، في ظلّ التناحر الطائفي والسياسي، والقطيعة المصطنعة بين مكونات السلطة ومنسوب الخطاب المرتفع، وكأنّ الحرب باتت على الأبواب، كلّ الذي يحصل ليس من أجل إنقاذ لبنان ودولته وشعبه ومؤسساته، بل من أجل مصالح الطبقة السياسية وحاضرها ومستقبلها السياسي وحماية الثروات والمغانم والنفوذ والصلاحيات، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال استمرار الإمساك بالسلطة ومتفرّعاتها السياسية والأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية، وهي من أجل ذلك تقاتل العالم وتحبط مبادرات وترفض الحلول وتعرقل تأليف الحكومة، لأنّ من أهمّ أهدافها إقرار قوانين إصلاحية حقيقية في مقدّمها اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة والمهرّبة.

وفي زمن إطلاق المنصات بات لا بدّ من إطلاق منصة الإصلاح والتغيير والمساءلة والمحاسبة ومن ثمّ إسقاط الهيكل على مصاصي دماء الشعب وناهبي ماله.

وختاماً يجدر بنا صباحاً ومساء تكرار الدعاء باللهجة الليبية «الله يعطي العافية للسياسيين في لبنان».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى