أولى

غارة البوكمال

 

تفتح الغارة التي شنتها القوات الأميركية على منطقة البوكمال الحدودية بين سورية والعراق، مجموعة من الملفات دفعة واحدة، فهي من جهة تقول إنها سترد على المقاومة العراقية التي تتهمها واشنطن بهجمات تعرّضت لها مواقعها في العراق، ومن جهة موازية تقول إنها اختارت موقعاً على الحدود السورية العراقية لأنها تريد توجيه رسالة خاصة بهذه الحدود، تتبناها واشنطن منذ أيام إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما كان الرئيس الحالي جو بايدن نائبه، وبقيت قائمة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، ومضمونها السيطرة على هذه الحدود ومعابرها لمنع تواصل إيران والعراق وسورية وصولاً الى لبنان وتدفق السلاح على مقاومته، ومن جهة ثالثة تفتح واشنطن باباً لتوجيه رسائل لكل من سورية وروسيا حول ماهية التعامل الأميركي العسكري شرق سورية.

الرسائل الأميركية الثلاث لن تمر مرور الكرام، وتتوهّم واشنطن كما توهمت ايام إدارة أوباما أن السير بالتفاوض نحو الاتفاق النووي او العودة إليه سيكون حائلاً دون تعريض عملياتها العسكرية لردود مناسبة، ويجب ان تكون واشنطن قد انتبهت إلى مضمون كلام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف تعقيباً على الغارة بالقول ان على واشنطن الحذر من تبعات مثل هذه الغارات، لأن لدى الجيش السوري صواريخ أس أس 300 ويمكن أن يؤدي أي استفزاز إلى مواجهة، والموقف الروسي حاسم في هذه الحالة، لأنه يشكل جزءاً أساسياً من عناصر التقييم التي يبنى عليها التقدير السوري لكيفية التعامل مع الحركة الأميركية العسكرية شرق سورية وعلى المعابر الحدودية مع العراق.

قوى المقاومة العراقية التي نفت علاقتها بهجمات أربيل الصاروخية على القاعدة الأميركية، والتي تعرضت للاستهداف الأميركي بداعي الرد على عملية اربيل، صارت معنية بالرد الدفاعي على الاستهداف، فإذا كانت قوى المقاومة في العراق توقفت عن استهداف الأميركيين منذ تسلم الإدارة الجديدة للسلطة إفساحاً في المجال لرسم سياسات أميركية تحاكي المطلب العراقي بانسحاب القوات الأميركية من العراق، ووضعت استهداف الأميركيين خلال هذه المرحلة في خانة القوى المتضررة من عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، فإن هذه المقاومة ستعيد قراءتها بصورة تضم إحياء داعش الى العناصر التي تتشكل منها السياسة الأميركية الجديدة، بما يعيد لعمليات المقاومة بعد الغارة الأخيرة مشروعيتها.

في سورية يخطئ الأميركيون إذا وضعوا عملياتهم ضمن قواعد الاشتباك السابقة، فالرسائل ليست من طرف واحد، ومثلما فرضت محاولات إسرائيلية لرسم قواعد اشتباك جديدة قبل أربعة أعوام قيام الدفاعات السورية بإسقاط طائرة حربية كانت تنفذ غارات على الأراضي السورية وتنتهك الأجواء السورية، فرضت إقفال الأجواء السورية على الطيران الإسرائيلي، ثمة ما يقول إن شيئاً شبيهاً قد يحدث هذه المرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى