أولى

زيارة ميلي إلى شمال شرق سورية: بين الأهداف الأميركية و”الإسرائيلية”

حسن حردان

طرحت زيارة رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة مارك ميلي الى شمال شرق سورية في هذا التوقيت، الأسئلة بشأن الأهداف المُراد تحقيقها، لا سيما أنها تأتي في سياق انتهاك سافر لسيادة واستقلال سورية، والإمعان الأميركي في مواصلة سياسة احتلال قواتها لأجزاء من الأرض العربية السورية.
وبالتوقف أمام أهداف زيارة ميلي يمكن القول، إنها الى جانب التأكيد على بقاء القوات الأميركية في هذه المنطقة لأهميتها في الاستراتيجية الأميركية ـ “الإسرائيلية”، والأمن القومي للولايات المتحدة، فإنها تستهدف السعي للاستمرار في المراهنة على تحقيق جملة من الأهداف غير المعلنة، أهمّها:
الهدف الأول، منع الدولة الوطنية السورية من استعادة سيادتها وسيطرتها على كامل أراضيها، وبالتالي الحيلولة دون خروجها من آثار وتداعيات الحرب الإرهابية، والعمل على استخدام القواعد الأميركية منصة لضمان استمرار هذه الحرب بغية مواصلة سياسة ابتزاز سورية، عبر محاولة مقايضة سحب القوات الأميركية، بالقبول بالشروط الأميركية للحلّ السياسي.
الهدف الثاني، ضمان استمرار تغذية تنظيم داعش الإرهابي ليبقى مبرّراً علنياً لبقاء القوات الأميركية من ناحية، واستمرار استنزاف سورية من ناحية ثانية.
الهدف الثالث، سرقة ثروات سورية من النفط والغاز، والقطن والقمح، لتمويل نفقات القوات الأميركية، وقوات قسد، وحرمان الدولة السورية من الاستفادة من هذه الثروات، في سياق تشديد الحصار الأميركي الإرهابي على سورية لإجبارها على الرضوخ للإملاءات الأميركية.. ومحاولة تكريس أمر واقع انفصالي في مناطق سيطرة قسد.
الهدف الرابع، منع التواصل البري بين العراق وسورية وباقي أطراف محور المقاومة، بما يخدم أمن كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، لأنّ انسحاب القوات الأميركية من سورية يشكل، بنظر كيان الاحتلال، خطراً عليه، يسرّع في خروج الدولة السورية من حرب الاستنزاف والبدء بمسيرة إعادة الإعمار وعودة النازحين وانفتاح دول العالم عليها، ويعزز قوة محور المقاومة، وهذا ما لا يريده كيان الاحتلال.
الهدف الخامس، إيصال رسالة دعم مباشرة إلى قوات قسد التي طالما عبّرت، بعد كيان الاحتلال الإسرائيلي، عن القلق من قرار واشنطن في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب سحب قواتها من سورية، لأنّ ذلك يؤدي الى الإخلال بتوازن القوى لمصلحة الدولة السورية، وعموم باقي أطراف محور المقاومة، الأمر الذي جعل ترامب يتراجع عن قراره لطمأنة قسد وكيان الاحتلال.
الهدف السادس، إيصال رسالة إلى كلّ الدول بأنّ أميركا مُصرّة على الاستمرار في احتلال أجزاء من الأرض السورية وإدامة الحرب الارهابية، والحصار، وبالتالي عدم السماح بأن تشكل كارثة الزلزال، التي وفرت مدخلاً لانفتاح العديد من الدول العربية على دمشق، وإغاثة المنكوبين من الزلزال، عدم السماح بأن يصبح هذا الانفتاح دائماً… خصوصاً بين العراق وسورية، واستطراداً بين إيران وسورية، حيث كان لافتاً مدى الانزعاج والقلق “الإسرائيلي” الأميركي من تسيير قوافل المساعدات من العراق إلى سورية ودور قوات الحشد الشعبي في تقديم كلّ أشكال الدعم والمساعدة لسورية، لإنقاذ وإغاثة المنكوبين والمتضرّرين من الزلزال.
وفي هذا السياق يمكن النظر الى تسريب بعض المصادر الأميركية، خبر عن مناقشة عملية عسكرية غير واضحة المعالم بعد، من أجل ربط القاعدة الأميركية في منطقة التنف، بمناطق سيطرة “قسد” حتى يتمّ إغلاق جميع الطرق البرية أمام إيران للربط بين العراق وسورية، وصولاً للسيطرة على البوكمال بريف دير الزور.
انّ هذا العملية العسكرية الأميركية، وانْ كانت ستنفذها قوات قسد وبعض المجموعات المصنعة أميركياً، إلا أنّ تحقيقها ليس سهلاً من دون مشاركة ميدانية من القوات الأميركية، وهو أمر يتطلب إرسال المزيد من القوات واستعداد واشنطن لتحمّل كلفة بشرية ومادية، كونها تدرك مسبقاً أنّ عملية من هذا النوع ستواجَه بمقاومة قوية من الجيش السوري وبقية أطراف محور المقاومة التي تدعمه في مواجهة الإرهاب الأميركي.
الهدف السابع، السعي الأميركي إلى مواصلة إرباك روسيا، التي أسهمت من خلال دعمها النوعي لسورية في تسريع إلحاق الهزيمة بجيوش الإرهاب المدعومة أميركياً، وذلك من خلال منع خروج حليفتها سورية من الحرب والعمل على إدامة استنزافها.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، إنّ هذه الاستراتيجية الأميركية في سورية، إنما ترتكز على قاعدتين، الأولى، حماية وخدمة كيان الاحتلال الصهيوني، والعمل على الحفاظ على توازن القوى لمصلحته، وتمكينه من مواصلة اعتداءاته ضدّ سورية والتي كان آخرها العدوان على مطار حلب وتعطيل قدرته على الاستمرار في استقبال المساعدات لمنكوبي الزلزال…! والقاعدة الثانية، وهي عدم إراحة روسيا، في سياق الرهان الأميركي على استنزافها في أوكرانيا.
ولهذا فإنّ واشنطن لن تفكر بإعادة النظر في هذه الاستراتيجية، إلا في حالة من اثنتين، او الاثنتين معاً:
الحالة الأولى، اشتداد المقاومة الوطنية المسلحة في مواجهة القوات الأميركية، وتمكنها من إيقاع الخسائر البشرية المتزايدة في صفوفها، بحيث يشعر الجيش الأميركي أنّ بقاء احتلاله سيكون مكلفاً جداً بالنسبة له، وهو غير قادر على تحمّله، أو التورّط في حرب جديدة ستزيد من كلفة استنزافه.
والحالة الثانية، فشل أميركا في تحقيق أهدافها من الحرب في أوكرانيا، ونجاح روسيا في تحقيق أهداف عمليتها العسكرية.. مما سيؤدّي إلى تعزيز مكانة ودور روسيا على الساحة الدولية، ويضعف النفوذ الأميركي، ويسرّع انهيار الهيمنة الأميركية الأحادية المتداعية أصلاً بفعل التحوّل الحاصل في موازين القوى الدولية.. وفي هذه الحالة فإنّ واشنطن ستكون مضطرة إلى الاتجاه نحو عقد التسويات في الساحات الساخنة، بعيداً عن سياستها الاستعمارية، وإنما على قاعدة التسليم بالدورين الروسي والصيني، اللذين يسعيان إلى إعادة تشكيل النظام العالمي على قواعد التعددية والشراكة واحترام القوانين والمواثيق الدولية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى