أولى

من نصح بكركي بالتضحية بورقة قوتها؟

 

ليس هناك أفق لتحقيق أي من الشعارات التي أعلنت من بكركي لجهة إقرار مجلس الأمن الدولي لقرار حياد لبنان، وهو شيء مختلف عن دعوات سابقة لتحييد لبنان بقرار طوعيّ لقواه السياسية، ومثله لا أفق لقرار من مجلس الأمن الدولي لعقد مؤتمر دولي يعلن تدويل الملف السياسي اللبناني، وهو لو حصل فلن يكون ملزماً بعد حصوله بما أعلنه البطريرك من طلبات من التدويل يعرف أن ما سيحلّ هو طلبات الدول الكبرى التي تملك قرار التدويل.

لا أفق لأي من الطلبين لأن ثمة طريقين لبلوغهما، الأول هو إجماع لبناني يتحول الى قرار حكومي وربما يحتاج لإجازة بقانون من مجلس النواب، وينتهي بالتوجّه الى الدول الكبرى ويسعى لتشكيل لوبي دولي إقليمي، يمر بكل المعنيين الفاعلين في الإقليم كشرط لا يقوم التدويل ولا إعلان الحياد من دونه، من الشرط الأميركي برضى «إسرائيل» وضمان طلباتها، إلى الشرط الروسيّ برضى سورية وضمان طلباتها، أما الطريق الثاني فهو مبادرة دوليّة تحظى بدعم القوى العظمى صاحبة قرار الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وبكركي تعلم أن لا فرصة لأي من الطريقين ولو بنسبة ضئيلة، فهي لم تسلك الطريق الأول، وقرّرت عدم سلوكه برفع السقف بوجه مكوّنات لبنانية يستحيل بتجاهلها صدور أي قرار لبناني يحتاج إلى الإجماع، والطريق الثاني مغلق بسبب ما يكفي من تناقضات واهتمامات وأولويات تتصدّر جدول أعمال الدول العظمى.

السؤل الجوهري بمعزل عن الموقف من جوهر التدويل والحياد، وفي ظل تأكيد عدم وجود إمكانية لإحداث اختراق نحو هذه العناوين، هو لماذا تغامر بكركي بفقدان أوراق القوة التي تشكل مصدر قدرتها على المبادرة لقاء تحرّك محكوم بالفشل، وفي طليعة هذه الأوراق ما تضمنه خطاب البطريرك بشارة الراعي، أولاً الدعوة للتمسك بالسيادة، ومدخل مفهوم السيادة هو اشتراط حصر السياسات الخارجية ومخاطبة الدول والمجتمع الدولي بمؤسسات الدولة الشرعية وتراتبيتها التي تبدأ من رئيس الجمهورية، الذي نالته الشتائم مباشرة من حشود الاحتفال بمبادرة بكركي، وثانياً التمسك بالديمقراطية اللبنانية التي تحترم التعدّد أو ما يعرف بالديمقراطية التوافقية، والتي تقوم في جوهرها على اشتراط الإجماع في الخيارات المصيريّة، وثالثاً قوة التوازن التي رسمها البطريرك كمعادلة نظرية في مواجهة موازين القوى، وأطاحها بمجرد التوجّه المنفرد لدعوات بحجم التدويل والحياد، رهاناً على تعويض ميزان القوى لقوة التوازن الوطني عبر افتراض أن انضمام الفاتيكان لدعوة بكركي سيضمن توافر ميزان قوى يتيح السير بها بعيداً عن قوة التوازن الداخلي.

عملياً بكركي ستفشل في مشروعها كهدف، لكنها في الطريق إليه فقدت ما كانت تسجله من مآخذ على حزب الله، بما هو أبعد من مجرد امتلاكه للسلاح، لجهة وضع قرار السلاح خارج مؤسسات الدولة، فيصير بنظرها خروجاً على السيادة، وخارج التوافق الوطني فيصير بنظرها خروجاً على الديمقراطية التوافقية، وخارج قوة التوازن فيصير احتكاماً لميزان القوى.

الفارق أن حزب الله في كل ما تتهمه به بكركي نجح واقعياً في تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيليّ، وبتحرير الجرود أو جزء منها معاوناً الجيش اللبناني بتحرير الجزء الثاني، وبقي حكيماً ومتواضعاً في إعلان استعداده لوضع كل خلاف يطال سلاحه على طاولة حوار وطني. كان الأجدر أن تطلب بكركي من رئيس الجمهورية الدعوة لانعقادها وتدعو مؤيّدي دعوتها من القيادات للمشاركة بهدف مناقشة طروحاتها، ضماناً لاحترام السيادة والديمقراطية التوافقيّة وقوة التوازن، بدلاً من الانفراد بمخاطبة الخارج من فوق السيادة والديمقراطية التوافقية، والوقوع بوهم ميزان قوى يضرب قوة التوازن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى