الوطن

لماذا يهرُب الحريري
من تشكيل حكومة لبنانيّة؟

} د. وفيق إبراهيم

سباق سريع يدور بين انفجار الأوضاع الشعبيّة الداخلية في لبنان وبين نجاح سعد الحريري في تشكيل الحكومة. ايهما يسبق الآخر؟ لأن انفجار الاوضاع يعني انتقال لبنان الى الشوارع في حركة تدمير لن تبقي على شيء، خصوصاً أن حجم الفساد الذي يصيب النظام السياسي غير مسبوق.

أما إذا ترك الحريري الوضع في غاربه فإنه لا يفعل سوى تفجير لبنان خدمة للصراعات الدولية والإقليمية.

فماذا يجري؟

الاتجاه الواضح أن أبا بهاء لا يريد تشكيل حكومة نتيجة لضغطين سعودي وأميركي فيسعى بالتالي الى ترك الشارع اللبناني لمصيره ويجابه أعنف حركة شعبية سبق لبلد عربي أن تعرض لها في مشرق المنطقة ومغربها، وهذا عائد الى الأرقام الاقتصادية التي ترجّح انتهاء لبنان كوطن وليس كدولة.

فهل يحتاج الأميركيون الى مساحات أراض يجدون فيها حلولاً للقضايا الفلسطينية والسورية وربما بعض المطالب اللبنانية لفئات تصرّ على أن يكون لها ما تتمثل به.

فها قد مرّت أشهر والحريري ينتقل من دولة الى أخرى من دون أية محاولة جديدة لتأليف حكومة، يقف عند منطق معين متشبثاً به لا يتزحزح. فماذا يجري؟

حركات الحريري تؤكد وجود دعم خارجي لقراره نحو الخارج، ويبدو أن الأميركيين لا يريدون حالياً حكومة في لبنان لأنهم لم ينظموا شؤون المنطقة حتى الآن، فهم يربطون الوضع اللبناني بإيران وسورية ويترقبون اتفاقات إقليمية تعاود تنظيم الإقليم بكامله، لذلك طلبوا من الحريري أخذ عطلة يقضيها زاعماً أنه يؤلف حكومة، لكنه لا يفعل إلا الانتقال من مكان الى آخر في محاولة حصرية وهي إيجاد أطراف بوسعها مصالحته مع الطرف السعودي الذي أقفل أمامه الطريق الى بلاده، واصبح مضطراً للسفر إلى الإمارات واستجدائها دوراً في إقناع السعودية القبول به رئيساً لحكومة لبنان.

ومشكلة الحريري أن الإمارات عجزت مرتين على التوالي عن إقناع آل سعود بإعادة تبني سعد. يكفي أنها لم ترفض استقباله.

إن لبنان هنا هو المتضرّر المعنوي والمادي. معنوياً لان الإمارات لم تكن الوسيلة الناجحة لإحداث ربط أميركي سعودي لبناني، ومادياً لأن بلاد الأرز تستقر في مقرّ الهاوية.

هناك ملاحظة هامة وهي أن الانفجار الاجتماعي اللبناني لم يعد بالإمكان ضبطه مع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي جعل لبنان مديناً ومفلساً ويكاد يدفع رواتب أبنائه بصعوبة وقد لا يدفعها في الايام المقبلة لا سيما أن انهيار هذه الرواتب ربطاً بارتفاع سعر الدولار الى عشرة آلاف ليرة جعل الحد الادنى للأجور ستين دولاراً فقط، أي ما يساوي الرواتب في أفريقيا والبلدان الأكثر تخلفاً.

لبنان إلى أين؟

بلاد الأرز ذاهبة الى الشارع تبحث عن السرقات التي خسرتها مع نظام سياسيّ يتمسك بالسلطة ولا يتركها والأسباب هي الطائفية التي تجعل كل قوى الطوائف هانئة البال لا تخشى على مصائرها.

فهل يتفق اللبنانيون على منازلة هذه الفئات الحاكمة التي سطت على البلاد والعباد وتحتمي بالأبعاد الإقليميّة، هنا يبدو أن الأميركيين والسوريين والإيرانيين يقاطعون القسم الأكبر من هذه الطبقة السياسية، لكنهم في نهاية المطاف قد يجدون أنفسهم من دون حلفاء محليين لان النقمة الشعبية تزداد والإفلاس يكبر. فأين المفر؟ ما عاد بوسع كل الفئات السياسية التي تلعب دور ممثل الطوائف والمذاهب أداء أدوار على هذا النحو لان الانفجار القريب لن يبقي على أي شيء من قدرة هذه الفئات.

هناك نقطة أساسية يجب تذليلها وهي ان الأميركيين وفئات اخرى لا يريدون انفجار الأوضاع على نحو صعب ودراماتيكي.

لكن الشارع اللبناني وهذه نقطة أساسية يجنح للاندماج تحت ضغط الحاجة، والدليل ان التظاهرات شملت خلال اليومين الماضيين مداخل البقاع وبيروت وجبل لبنان وطرابلس، وهذه تجنح الى مزيد من العنف ولم تعُد ترتضي بمسيرات بسيطة تلتقي بقطع بسيط للطرقات.

لذلك، فإن لبنان ذاهب الى انفجار مريع قد لا يبقي على شيء ويؤسس لصراعات سياسية مع الحاكمين. والمطلوب هنا أن يتمكّن أصحاب هذه الصراعات من منع إحداث خلافات مذهبيّة تتقن الطبقة السياسية الوقوف خلفها، لأن هذه الوسيلة هي الآليّة الأساسيّة لإنهاء لبنان كدولة ووطن.

المطلوب اذاً النزول الى الشارع أولاً لأن الوضع لم يعد يحتمل، والمطلوب أيضاً الترفع عن المواضيع المذهبية والطائفية، لأن الطبقة الحاكمة لم تنجح في الإمساك بالحكم إلا بواسطتها.

أما مسألة التعامل مع الأميركيين فليس مطلوباً من اهل لبنان الاستسلام للمخططات الأميركية الكاملة، وليس مطلوباً ايضاً محاربتها لعجز في القدرة على ذلك.

ما هو مطلوب أيضاً هو الدفاع عن لبنان بالحد الأدنى والترفع عن المذهبية والمناطقية والطائفية، لأن مثل هذا التصرف هو الذي يفرض على البطريرك الراعي التأكد أن لبنان نموذج 1920 انتهى وللأبد مقابل ولادة لبنان بنموذجه الجديد الذي يضع القطار على السكة. فهل ينجح اللبنانيون بهذا الدور؟

المسألة ليست صعبة، لكن الوقوف في وجه القوى السياسية التقليدية هي مسألة تجعل بلاد الأرز تقف على رجليها وتؤدي دوراً طليعياً في مدى عربيّ غير متطور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى