الوطن

هل الانفجار الحقيقيّ آتٍ؟

} د. وفيق إبراهيم

بداية إن الانفجار الحقيقي هو سيطرة الفئات الشعبية من الطوائف والمذاهب كافة على البلاد كلها، وتدميرها لكل الرموز السياسية التي تؤشر الى النظام القديم وإمساكها بالمال العام وتسييره وفق مقتضيات الحاجة العامة.

تلي ذلك محاولاتها إنتاج سلطة شعبية بالانتحار بشكل لا لبس فيه ولا ألاعيب كالتي كانت تجري في السلطة القديمة.

المرحلة الثالثة هي تحويل من تمكنت السلطات القديمة من اعتقاله من رموز النظام السابق وانتزاع المال المسروق منه، وتحويله الى محاكمة نزيهة فعليّة تحاسبه على الأمور الدقيقة وليس الوهميّة او المقترحة.

وحتى تكتمل نزاهة مشروع السلطة الجديدة وقدراتها على المجابهات والتحمّل يجب أن تضمّ أبناء من طوائف لبنان كافة وإلا تبقى ناقصة تشوبها الشوائب، فهل هذا ممكن؟ هكذا تجري الثورات. وهي ممكنة في لبنان من دون اي اعتبار لأطراف قد لا تكون موجودة، ما هو مهم هو أن لا يتمكن بعض الزعماء من التعطيل بدواعٍ مذهبية وطائفية أو لأنه يسيطر على منظمات شبه عسكرية لها خلفيات مذهبية وطائفية وبوسعه الاستناد إليها ساعة يرى أن الساعة قامت ومصيره بات على المحك.

هناك قياديان يلتزمان هذه المعايير وهما وليد جنبلاط ونبيه بري اللذان يمتلكان ميليشيات خاصة بهما تتحرّك سياسياً عند الحاجة وطائفياً عند اللزوم، وهما يعتنيان بهما الى درجة تخصيص رواتب شهريّة لا تنقطع وبعض أنواع المنافع التي تشبه ما يتقاضاه موظفو الدولة.

لبنان، إذاً ذاهب الى عمق الشارع لتقتتل الطوائف والمذاهب والناس في واحدة من أعنف حرب اهلية ممكنة في التاريخ، وذلك لتدفق السلاح وكثرة الراغبين في استخدامه وشرعيّة المطالب السياسية التي يبحثون عنها؛ لعل هذا هو السبب الذي يجعل هذه الحرب تتأخر. لكنها تتوسّع وتنتقل من الجبل الى البقاع والجنوب وبيروت وصيدا، ما يعني أن هذا التوسع هو دليل إحساس بضرورتها لكن الناس تفكر في كيفية مواجهة ميليشيات بعضها موالٍ للزعماء وأخرى موالية لزعامات طائفية وثالثة توالي قوى الدولة بصمت.

لكن المشكلة الظاهرة اليوم هي تخوّف الناس من تحويل أي تحرّك إلى أبعاد طائفية وثانياً الخوف من الصراع مع ميليشيات الطوائف.

لكن الأمور لم تعُد على هذا النحو فقط، فلبنان من طرابلس الى بيروت مروراً بجبل لبنان كان يحتاج الى الجنوب والبقاع حتى يصبح ثورة شعبيّة حقيقيّة، لكن مظاهر تحركات في هذه المناطق كانت تؤكد أن انتقال الثورة إليهما عمل اكيد لأن أهلهما بحاجة الى النقاهة الاقتصادية اكثر من غيرها. لا تكفي الولاءات العشائرية والقبلية والعائلية حتى يصمت الناس في مواكب الضعفاء.

هل يمكن تلافي مشهد اشتباكات مميتة تتهدّد لبنان؟ نعم هناك مصير واحد هو استسلام الطبقة الحاكمة وإدخالها السجون وتسليمها الأموال المسروقة، أما ما عدا ذلك فغير ممكن لأنه يندرج في إطار التسويات التي تدفع نحو خسارة الدولة مليارات الدولارات.

كيف تكون هذه الثورة؟

إنها ثورة اللبنانيين على الطغاة التاريخيين. وهذا يحتاج إلى وحدة المناطق اللبنانية بالعواطف والسلاح والتحرّكات، لكنها ثورة قابلة للنجاح لأنها شاملة كل لبنان من مدنييه ورجال الكهنوت فيه والقسم الأكبر من عسكرييه لأن هؤلاء هم صغار الذين تدنّت رواتبهم إلى 60 دولاراً للفرد شهرياً ولم تعُد تنفع لشراء أي شيء. هؤلاء قد يتمردون على الالتزام العسكريّ ليسألوا قياديّيهم: كيف نعيش؟ وهل أصبح الموت ضرورة لبنانيّة؟ كيف نؤمن القوت لعائلاتنا الجائعة في المنازل؟

هذه هي الأسباب التي تجعل من هؤلاء العسكريين أقرب الى حقوق الناس من القيادات العسكرية والسياسية التي تنعم عملياً بالمكاسب العالية والتغطيات المالية الهامة.

لبنان إذاً أمام هذه الصورة القاتمة التي لا ينقصها للانفجار إلا المراحل الطبيعيّة للتحضر والانفكاك من التأثير الديني في الجنوب والإقطاعي الجنبلاطي في الشوف والعشائري القبلي في البقاع والمذهبيّ في بيروت وعكار.

اما شعار هذه الثورة فهي أن إنقاذ لبنان هو إنقاذ اللبنانيين من براثن القتلة الذين يشترون المثقفين والجاهلين ويستنزفون إمكانات لبنان منذ 1948.

وللحقيقة فإن الاستنزاف القاتل ابتدأ مع رفيق الحريري في 1990 الذي استطاعت مرحلته حتى العام 2000 رفع الدَّين العام الى نحو ألفي مليار دولار وفساد على مستوى الإدارة العامة بكامل مفاصلها في الجيش والقضاء والإدارة.

يبدو هنا أن قائد الجيش في اجتماع هام اليوم (أمس) مع الإدارة اللبنانية أخبرهم أن توريط الجيش في اشتباكات مع الناس يعني إنهاء الجيش والناس، ودعاهم الى التعقل ومحاولة حل المشاكل بشكل جيد. بالطبع هذا كلام لا يقنع لكنه يرجئ الصراع الى مراحل أخرى وقد يسمح لقوى أجنبية أن تتدخّل لإظهار تضامنها مع لبنان كفرنسا. وهذا أصلاً صعب، لأن الطرفين السعوديالأميركي لا يريدان حالياً حكومة فمن يتجرّأ على التحرّك.

لبنان بين أيدي شعبه القادر على الإنقاذ، فهل يتحرك لضرب الطائفيّة ورموزها أو يبقى مستكيناً يترقب التدخل الخارجي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى