الوطن

دمشق… الانتخابات الرئاسية الثانية بعد دستور 2012

} ناجي صباح عبيد

حرصت دمشق على المواعيد الدستورية للانتخابات على ايّ مستوى كان مثل انتخابات مجلس الشعب التي شهدناها في العام السابق، وانتخابات الإدارة المحلية في عام 2018، ورغم مراهنة العديد من الجهات الإقليمية والدولية اصرّت دمشق على انّ الانتخابات ومواعيدها الدستورية خط احمر لا يمكن المساس به، حرصاً على حماية القرار السيادي والتطبيق الدقيق لدستور البلاد الجديد الصادر في عام 2012.

الجولات المكوكية لجنيف اشعرت البعض انّ هناك ما يُحاك على الارض من جديد، لكن دمشق اوضحت للجميع انّ العبرة في الخواتيم، وذلك لن يوثر على ايّ تاريخ يخصّ الانتخابات، فهي تتعامل مع ممثلي اجندات دولية وتعرف مبتغاهم مسبقاً، ويظنّ البعض انّ دمشق متصلّبة بقرارها ويدعوها الى المرونة، لكن الموضوع السيادي هو رسالة للداخل وللخارج، بانّ سورية لم يهتزّ كيانها القائم ابداً، وهو فعلاً ما حصل ورغم انتقال حدود وخطوط الاشتباك مئات المرات، لكن الخواتيم كانت لصالح القيادة السورية، ورغم ما تشهده سورية حالياً من ضغوط اقتصادية اضرّت بشكل كبير بالوضع الاقتصادي، ومحاولات لِبث الخلاف الكبير بين الدولة والشعب، فالبوصلة الشعبية تعي تماماً انّ هناك اجندات دولية تحاك ضدّه على كافة الصعد عسكرية وسياسية واقتصادية من الغرب تستهدف ملف الانتخابات الرئاسية، رغم ما يشعر به المواطن السوري من حالة غبن بسبب تقاعس بعض المسوولين.

اعتمدت القيادة السورية سياسة النفس الطويل على مجابهة الأزمات، فما شهدته سورية خلال عشرين عاماً لم يكن سهلاً، واحتاج الى حنكة ودهاء قلّ مثيله في عصر الصراعات العلنية والتي لا يمكن إخفاء كواليسها، والكلّ كان شاهداً على انتصار دمشق دائماً ولمرات عديدة رغم إصرار اعدائها على كسرها.

اقدّم لكم شرحاً مختصراً عن اليات انتخاب رئيس الجمهورية ليطلع القارئ عليها وهي التي تمرّ بعدة مراحل حسب دستور 2012 وحسب قانوني المحكمة الدستورية العليا والانتخابات العامة وتعليماته التنفيذية، وحسب النظام الداخلي لمجلس الشعب السوري، فمع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الاسد حدّد الدستور السوري في الفقرة (1) من المادة (85) // يدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقلّ عن ستين يوماً ولا تزيد عن تسعين يوماً //، حيث يعلن رئيس مجلس الشعب في جلسة علنية لمجلس الشعب فتح باب الترشح لمن يرغب بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية من اجل التقدّم بطلب الترشح الى المحكمة الدستورية العليا خلال مدة عشرة ايام تلي تاريخ الدعوة.

ويذكر انّ المادة (30) من قانون الانتخابات العامة تنص على انه يشترط في المرشح الى منصب رئيس الجمهورية العربية السورية ما يلي: ان يكون متمّماً الأربعين عاماً من عمره، وذلك في بداية العام الذي يجري فيه الانتخاب، وان يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة من ابوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة، وان يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وغير محكوم بجرم شائن ولو رُدّ إليه اعتباره، الا يكون متزوّجاً من غير سورية، ان يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية مدة لا تقلّ عن عشر سنوات اقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح، الا يحمل ايّ جنسية اخرى غير جنسية الجمهورية العربية السورية، الا يكون محروماً من ممارسة حق الانتخاب.

ثم تاتي مرحلة تلقي الطلبات المقدّمة من قبل المرشحين الى المحكمة الدستورية العليا، وتقوم المحكمة الدستورية العليا بارسال كتب الى مجلس الشعب السوري حول من قدّم ترشيحه، وحسب الفقرة (3) من المادة (85) من الدستور يقوم اعضاء مجلس الشعب ببدء تاييدهم الخطي للمرشحين ويتمّ ذلك في الغرفة السرية وفق الاصول المنصوص عليها في قانون الانتخابات العامة وتعليماته التنفيذية والنظام الداخلي لمجلس الشعب، حيث تنص الفقرة (3) من المادة (85) انه لا يقبل طلب الترشيح الا اذا كان طالب الترشيح حاصلاً على تاييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الاقلّ من اعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب ان يمنح تاييده الا لمرشح واحد.

ويذكر انّ المادة (37) من قانون الانتخابات العامة تنص على انه يدعو رئيس مجلس الشعب الى فتح باب الترشح مجدّداً وفق الشروط ذاتها في الحالات الاتية:

اذا لم يقبل ترشيح ايّ مرشح من قبل المحكمة الدستورية العليا ضمن المدة القانونية المحدّدة، اذا لم يقبل ترشيح سوى مرشح واحد من قبل المحكمة الدستورية العليا ضمن المدة القانونية المحدّدة، اذا توفي المرشح الذي تمّ قبول ترشيحه قبل فتح باب الاقتراع ولم يبق سوى مرشح واحد لمنصب الرئاسة.

ومن ثم في المرحلة التالية من التحضير لانتخابات الرئاسة تبدا المحكمة الدستورية العليا بقبول الطلبات التي استوفت شروطها الدستورية والقانونية، وتكون الطلبات المرفوضة خاضعة لفترة التظلم والتي تستمرّ لمدة ثلاثة ايام بعد تسجيلها.

حيث اكدت المحكمة الدستورية في انتخابات 2014 وللتذكر انه على المواطنين المويدين لايّ من المرشحين للانتخابات الذين قبلت طلباتهم على عدم ممارسة ايّ نشاط او مظاهر اعلامية او اعلانية قبل صدور الاعلان النهائي لاسماء المقبولين وهذا ما سيحصل في انتخابات 2021.

هذه المراحل السابقة كلها تصبّ في اهمّ مرحلة وهي مرحلة بدء الانتخابات في سفارات الجمهورية العربية السورية وفي الداخل السوري، وبحسب المادة (64) من قانون الانتخابات العامة، فانّ فترة التصويت تبدا في تمام السابعة من صباح اليوم وتستمرّ حتى السابعة مساءً، اما خارج سورية فيعتمد التوقيت المحلي للانتخابات بنفس التوقيت، ويجوز بقرار من اللجنة العليا للانتخابات تمديد فترة الانتخاب لمدة 5 ساعات في مراكز الانتخاب كلها او في بعضها.

وبعد الانتخابات تعلن المحكمة الدستورية العليا عدد المشاركين في عملية الانتخابات الرئاسية في داخل سورية وخارجها ونسبتهم، وعدد الأوراق الانتخابية الباطلة والبيضاء، ومن ثم تطبيقاً للمادة 86 من دستور 2012 يعلن رئيس مجلس الشعب السوري فوز المرشح الذي حصل على الأغلبية المطلقة لاصوات المقترعين بمنصب رئيس الجمهورية.

تختم هذه المراحل جميعها باداء القسم الدستوري، وقد قام الرئيس بشار الاسد في عام 2014 باداء القسم الدستوري في قصر الشعب امام اعضاء مجلس الشعب حيث انه لا يوجد مانع قانوني، وذلك جاء تطبيقاً للمادة 90 من الدستور التي اشارت الى انّ رئيـس الجمهورية يودّي القسم الدستوري امام مجلس الشعب ولم تحدّد المكان.

وفي تاريخ 15 تموز 2014 للتذكير اعلن مصدر في رئاسة الجمهورية انّ خطاب الرئيس بشار الاسد المرتقب سيحدّد ملامح المرحلة المقبلة لـ 7 سنوات مقبلة بتوجهاتها وخطوطها الاساسية سياسياً واقتصادياً.

باتت دمشق رقماً صعباً في المعادلات الدولية، ورغم تجاهل جو بايدن المقصود لسورية في خطابه فهذا يدلّ على تهرّبه من إعلان الخطط المستقبلية لها، التي سيرسمها الخط البياني الاقتصادي لدول المعمورة والتفاهمات الدولية حماية من انهيارات عالمية.

اليوم والريف الشرقي للفرات، وإدلب، وبعض نقاط الجنوب السوري الخارجة عن إرادة سورية والغارات «الإسراييلية» المتكرّرة، تظنّها الولايات المتحدة ومن لفّ لفيفها انها نقاط قوة، لكن دمشق تتجاهلها، لانّ ّالقرار هو الصبر واستخدام سلاح النفس الطويل، وما هذا الصمت الا الهدوء الذي يسبق العاصفة، والجميع يعلم انّ التهديد الجدي لدمشق لن يقابل الا بضربات قوية سياسية وعسكرية، فما زالت سياسة الراحل حافظ الاسد التي تحمل المفاجات الصاعقة هي ديدن الدولة السورية والتي حملها الرئيس بشار الاسد وهي راية المقاومة الناصعة امام زمن السواد، زمان الذلّ والهوان والاستسلام الذي تشهده المنطقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى