الوطن

بداية الحلّ… قطع رأس أفعى الفساد والتحاصص والمصالح الخاصة

} علي بدر الدين

صرختان متقاربتان زمانياً ومضموناً أطلقهما رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، يؤشران إلى أنّ البلد والدولة والمؤسسات يسيرون في ظلّ التجاذبات والسجالات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية، في طريق الهلاك المدمّر والقاتل، التي ستطيح بكلّ الآمال والأحلام والإنقاذ، وأن تضييع البوصلة والسير عكس وجهتها الحقيقية، وسياسة انتظار ما سيفعله لنا الخارج، واستمرار الرهان عليه، ووقوف مكونات السلطة السياسية والمالية الحاكمة، على الحياد حيال ما يجري، وتحويله إلى منصات لتوجيه الرسائل وتقـــاذف الاتهامات والمسؤوليات حول كثير من القضايا الوطنية الكبــيرة والخطيرة، لن يبرّئ أيّ مسؤول أو فريق او سلطة من الحال المأســاوية الكارثية التي حلت بالبلد ومؤسساته وشعبه، الذي أجبرته المنظومة السياسية الحاكمة بأدائها وإدارتها لشؤون البلاد والعباد، واعتمادها المبرمج والممنهج لسياسة الفساد والتحاصص والنهب المنظم للمال العام والخاص، واصطناعها لخلافات وصراعات غير واقعية، بل وهمية، للحؤول دون الوصول إلى الخواتيم الحقيقية لكثير من الأزمات والمشكلات والملفات التي تحتاج إلى الكشف عنها، والانطلاق منها، لاجتثاث الفساد وكشف الفاسدين والسارقين، ومحاسبتهم، مثل التدقيق الجنائي، الذي هلل له الجميع، ثم بقدرة قادر اختفى من التداول، والتحقيق في انفجار الرابع من آب 2020، ثم مساءلة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن هذا الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولارمَن المسؤول عن ذلك ومَن سرق السلع المدعومة واحتكرها وخزّنها وصدرها وهرّبها، وجعل من الشعب قنبلة موقوتة قد تنفجر في المتاجر الكبرى، وهو يبحث بين الرفوف عن حقه الضائع والمصادر والمسروق من تجار الجشع والاحتكار والبطون المتخمة مالاً حراماً.

آخر إبداعات السلطة، بعد أن «طجّ» سعر الدولار إلى ما يوازي مساحة الوطن رقمياً، أنها اكتشفت انّ صرافي الشوارع هم السبب الفعلي لارتفاع سعره، انها بدعة، بل مهزلة، صحيح انّ هؤلاء الصرافين يملأون الشوارع ويبيعون ويشترون، لكنهم مجرد وسيلة لمشغليهم الصيارفة الكبار وحيتان المال والمصارف، والمواجهة وانْ كانت ضرورية معهم وقطع دابرهم، يجب أن تقطع رأس أفعى المتغوّلين السلطويين والماليين، الذين أعمى الطمع والجشع عيونهم عن مشاهد تدمي القلوب وتدمع العيون، وتهز الجماد لشعب، يفقر ويجوع ويتسوّل ويتضارب من أجل سلعة هي أساساً من حقه.

من حق الشعب ان يغضب ويحتجّ وينتفض ويثور، ويختار الطريقة التي تجبر السلطة الحاكمة لمراجعة سياساتها وأخطائها وخطاياها، وكلّ ما اقترفته بحق الوطن والشعب والمؤسسات على مدى ثلاثين سنة، والتي أدت إلى السقوط المدوي في الخطر الحقيقي المتربص بالحاضر والمصير برمته، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتـــماعياً ومعيـــشياً وفــقراً وجوعاً ومرضاً وذلاً، لا قيامة منه إلا بإصلاحات حقيــقية، وتغــيير جذري لنظام سياسي طائفي ومذهبي، متهالك، ولطبقة سياسية فاجرة وتاجرة وجائرة، انتهى زمانها، وحان أوان تغييرها، لأنها أفلست وهرمت، وعجزت، ولم يعد لديها ما تقدّمه وتعطيه، لأنها اعتادت على الأخذ من دون العطاء و»فاقد الشيء لا يعطيه».

أفرقاء السلطة، بكلّ وقاحة يحمّلون الشعب مسؤولية ما يحصل في الشارع من قطع للطــرق وفلتان وفوضى واحتجاز المواطنين عليها، وأنّ بعض القوى السياسية والطائفية التي تضع رجلاً في السلطة وأخرى خارجها، وفق «التعليمة والمصلحة والأجندة» تركب موجة الحراك، هذا كلام صحيح ولا غبار عليه أوشــك في صحته، ولكن أليس معظم أركان الطبقة السياسية مجتمعة، هم المسؤولون عما آلت إليه الأحوال، أوَليسوا هم من سطوا على الأمــوال العامة والخاصة، وهــرّبوها؟ أليسوا هم من صادر المؤسسات وأفسد وتحاصــص وأفــقر الناس وجوّعهم؟ أوَليسوا هم من دفعهم إلى الغضــب والاحتجاج والنزول إلى الشارع وقطع الطــرق وإشــعال الإطارات، وإقدام أصحاب الأجندات والمشاريع السياســية، المدعومة من الخارج المعلوم، لاستغلال أوجاع الناس وتشــويه غضبهم، وأحقية حراكهــم؟ ليــس مقبولاً من أي كان تزوير حقــيقة انّ الشعب بات فقــيراً وجائعاً وعاطلاً من العمل، وبلغ مرحلة التسوّل، وبدلاً من تشــويه حراك هــؤلاء المقــهورين المعذبين، الواجب الوطني يقتضي بتنقية شــوائب الانتهازيــين وتســمية صيادي الفرص وإنزالهم عن الشجرة لأنّ خطر بقائهم كبير جداً ويعمّق الأزمات. وعلى المعترضين على ما يحــصل في الشارع، ومن أجل انتزاع فرصة اقتناص حقوق الشعب، وتحقيق المآرب البعيدة والقريبة، مطلوب قبل فوات الأوان، قطع رأس أفعى الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار والجشع والطمع، وعدم الاكتفاء بقطع رأس الذنب، وبعقد الاجتماعات وإطلاق الوعود، التي لا يمكن تنفيذها، والسيف مسلط على رقاب الناس، وخلط الطالح بالصالح، والحابل بالنابل.

الشعب المنتفض من أجل حقوقه، وليس الدخلاء المأجورون على الانتفاضة، لا يطلب سوى الحدّ الأدنى من حقه في العيش بكرامة وأول خطوة على السلطة الموجودة اتخاذها، وهي قدر الشعب ونكبته، ان تخرج من مصالحها، وتبعيّتها وارتهانها وطائفيتها ومذهبيتها، وتوقف ألاعيبها وخزعبلاتها السياسية وتتجرّأ على مواجهة الخارج الذي يزنّرها بمصالحه وشروطه وحصاره ومعاقباته، وتتوافق وتعلن إلى الملأ، انّ من حق شعبها عليها، ان تؤلف حكومة، علها تكون بداية ولوج الحلول. هل هذه الطبقة السياسية قادرة على فعل ذلك، أشك، ولتثبت العكس…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى