الوطن

هذه هي قصة تعديل المرسوم 6433 من ألفها إلى يائها

في الثاني عشر من نيسان عام 2021، وقع رئيس حكومة تصريف الأعمال في ذلك الحين الدكتور حسان دياب مشروع المرسوم القاضي بتعديل المرسوم 6433 المتعلق بترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وأرسلته الأمانة العامة لمجلس الوزراء الى قصر بعبدا، على أمل أن يوقعه رئيس الجمهورية ليصبح نافذاً.

يومها صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة بيان رسمي أكد ذلك، مشيراً الى أنّ الوزراء المعنيّين وقعوا على مشروع المرسوم، وهم وزيرا الدفاع والأشغال العامة والنقل.

وورد في البيان أنه يُستعاض عن موافقة مجلس الوزراء بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة على المشروع باعتبار الحكومة مستقيلة، على أن يعرض لاحقاً على مجلس الوزراء للموافقة عليه.

في ذلك الوقت كان منتظراً وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت لاستئناف مساعيه بهدف تحريك ملف ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال «الإسرائيلي»، وسط ترقب لما يحمله في جعبته إلى المسؤولين اللبنانيين، وخاصةً بعد الرسالة اللبنانية إلى مجلس الأمن رداً على تلك «الإسرائيلية» التي تعترض على إطلاق دورة التراخيص اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وفي وقت يتفاعل الحديث عن سعي أميركي لـ ”تقاسم” الموارد لا “الترسيم”، وهي مستجدات غاب عنها أيّ تطور بشأن توقيع الرئيس ميشال عون تعديل المرسوم 6433 الذي يصحّح حدود لبنان البحرية.

مصدر مسؤول في قصر بعبدا الجمهوري قال يومها إنّ “لبنان ينتظر ما سيحمله معه الوسيط الأميركي من مقترحات وأفكار وأجوبة إسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية والتي على ضوئها يحدد الموقف اللبناني”، مشيراً الى أنّ “الفرضيات كثيرة، ولكن حتى الساعة لا نعلم ماذا في جعبة هوكشتاين؟»

وأوضح المصدر أنّ “الرسالة التي أودعها لبنان الأمم المتحدة موجهة من قبل وزارة الخارجية اللبنانية بعلم الرئيس ميشال عون وكذلك رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعكس ما تردّد عن خطوة تفرّد بها عون، وهي تحفظ حقوق لبنان التي يتمسك بها وبثروته البحرية وتؤكد حتمية نقل التفاوض من الخط 23 إلى الخط 29، وبأنّ حقل كاريش متنازع عليه».

 إلا أنّ الرئيس عون لم يوقع المرسوم الذي يعدل المرسوم 6433 والذي يصحّح حدود لبنان البحرية جنوباً من الخط 23 إلى الخط 29، ويضيف 1430 كيلومتراً مربعاً على المساحة السابقة 860 كيلومتراً، والتي كان فرضها الخط 23، ويعطي لبنان الحقّ في التفاوض على نسبة من حقوقها في حقل كاريش.

وتوضيحاً لرفض عون التوقيع، قال المصدر المقرّب من رئيس الجمهورية إنّ “تعديل المرسوم مرتبط بالمفاوضات، والرئيس عون لم يتخذ قراره بعد بهذا الشأن، باعتبار أنه عندما تكون هناك مفاوضات علينا أن نحافظ على معطيات من شأنها إنجاحها ولا يمكن اتخاذ خطوات قد تؤثر على مسار التفاوض. من هنا وعلى ضوء النتائج وفي حال وصلنا إلى حائط مسدود فعندها لكل حادث حديث والمرسوم موجود».

ولا يزال المرسوم موجوداً في قصر بعبدا، ولكن من دون توقيع رئيس الجمهورية. وهنا يتوقف المؤرّخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة عند “أهمية الرسالة التي وجهتها سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة آمال مدللي، لما فيها من تأكيد رسمي للمرة الأولى على حقه بالخط 29، وبأنّ حقل كاريش متنازع عليه، الأمر الذي سيحول دون تمكن إسرائيل من القيام بعمليات التنقيب فيه عن النفط والغاز أو الاستخراج، ولكن هذه الخطوة تبقى غير كافية وناقصة، إذ على لبنان أن يرسل وثائق بإحداثيات الخط 29 وإيداعها الأمم المتحدة، وهنا أهمية توقيع تعديل المرسوم 6433 الذي كان يفترض أن يترأس جدول أعمال حكومة نجيب ميقاتي».

ويشير خليفة إلى أنّ “الرسالة تصبّ في صالح لبنان، ولكن لا يمكن أن تكون بديلاً عن توقيع تعديل المرسوم 6433 الذي يفترض إخراجه من الصراع أو البازار السياسي وتعبيد الطريق أمامه لإيداعه مع الوثائق اللازمة لدى الأمم المتحدة، بالنظر إلى دوره بحفظ حقوق لبنان في حقل الغاز والنفط الذي دائماً ما نتمنى تسميته حقل قانا، كما سيعطي لبنان الحق بالتفاوض على نسبة من حقوقه في حقل كاريش».

ولكن ماذا حمل الطرح الأميركي في ذلك الحين؟

لم يصدر أيّ توضيح رسمي في هذا الصدد، ما فتح المجال أمام التكهنات والتحليلات.

 الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب قال في حينه إنّ “الطرح الأميركي لم يعد حول ترسيم الحدود البحرية، بل تقاسم الموارد في الحقول المشتركة، مع العلم أنه في القوانين والمواثيق الدولية يجب ترسيم الحدود أولاً الذي على أساسه تحدّد الحقول».

ورأى أيوب أنّ “الملف أصبح سياسياً أكثر منه تقنياً، وحيّد المفاوض الأساسي وهو الجيش اللبناني وفجأة أرسل لبنان رسالة أقرب إلى توجهات الفريق المحيط برئيس الجمهورية للتذكير بالخط 29، في خطوة وكأنها ورقة تفاوضية لتعلية السقف قبل زيارة الوسيط الأميركي إلى لبنان، وهنا يبقى السؤال هل تعني هذه الرسالة تنازلاً ضمنياً عن الخط 29 والقبول بحقل قانا مقابل إعطاء حقل كاريش أو سيصار إلى التمسك به فعلياً؟»

وسأل أيوب “هل من رابط في السياسة بين حركة آموس والانتخابات النيابية في لبنان؟”. وكان لافتاً تصريح السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الذي استبق الزيارة بالتأكيد على ضرورة إجرائها في موعدها.

وأضاف: “هل من رابط بين الموقف اللبناني مما يحمله الوسيط الأميركي وملف الترسيم وإعطاء الضوء الأميركي الأخضر لمصر لاستجرار الغاز إلى لبنان؟»

هذه الأسئلة كلها كانت تأتي في وقت هناك تخبّط لبناني واضح وانقسام في المواقف، بينما الجانب «الإسرائيلي» يعلم تماماً ماذا يريد من ضمانة أمنية واقتصادية وسعي لبدء الإنتاج في حقل كاريش في مارس/ آذار 2022، وهو المتمسك بأن يشمل التفاوض المساحة 860 كلم2 التي يفرضها الخط 23.

وكانت المفاوضات التقنية غير المباشرة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي انطلقت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقد عقدت خمس جولات، آخرها في أيار 2020، بحيث أفضت إلى طلب الوسيط الأميركي السابق السفير جون ديروشير أن يكون التفاوض محصوراً فقط بين الخط الإسرائيلي والخط اللبناني المودعين لدى الأمم المتحدة، يعني أن يشمل التفاوض المساحة البالغة 860 كيلومتراً مربعاً، وذلك خلافاً للطرح اللبناني ولمبدأ التفاوض من دون شروط مسبقة.

وكان الجيش اللبناني قد أودع وزارة الدفاع كتاباً رقم 2320 بتاريخ 4/3/2021 يتضمّن لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية، حيث تبيّن أن مساحةً إضافية تعود إلى لبنان، ما يفضي إلى تعديل الإحداثيات التي تناولها المرسوم رقم 6433/2011.

ومن مسلمات الوفد اللبناني أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة تبعاً لما نصّت عليه اتفاقية “بوليه نيوكومب” عام 1923 والممتدّ بحراً استناداً إلى تقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي، علماً أنّ العدو يتمسك باعتبار صخرة “تخليت” جزيرة مع أنها غير قابلة للسكن ولا تنطبق عليها اتفاقية البحار الصادرة عام 1982.

وبات الجيش اللبناني في موقع المترقب أيضاً لمسار حركة الوسيط الأميركي، وما إذا كانت المفاوضات ستستأنف بين الوفدين اللبناني والاحتلال الإسرائيلي في الناقورة، مع العلم أنّ رئيس الوفد اللبناني العميد بسام ياسين أحيل على التقاعد ولم يعين بعد بديل عنه.

الأزمة اليوم

اليوم وصلت باخرة كاريش الى المنطقة المتنازع عليها شمال الخط 29، وبدأت تثبيت ركائزها لاستخراج الغاز خلال ثلاثة أشهر، في وقت تتكثف الاتصالات بين المسؤولين اللبنانيين لمواجهة الموقف، ويلعب نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب دوراً في هذا المجال بين الرئاسات الثلاث لبلورة الموقف.

وتقول مصادر مطلعة إنّ الموقف اللبناني سيتحدّد الأسبوع المقبل، لتفادي انفجار الوضع على الحدود، وهو ما لا يريده أحد في هذه المرحلة.

“الحوار نيوز”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى