الوطن

زيارة البابا الى العراق… 
حجّ إلى مهد الحضارات والشرائع

} بهيج حمدان

رغم الأنواء العاتية التي تلفّ العالم العربي ما كانت زيارة بابا روما إلى العراق ان تمرّ كحدث عادي من غير ان نضيء على مضامينها الروحية والإنسانية وجولاته على قرى ومدن العراق من بغداد الى نينوى وأربيلحيث تعرّضت الكنائس والأديرة الضاربة في عمق التاريخ إلى أبشع الاعتداءات الإجرامية التي ارتكبتها داعش واخواتها من القوى الظلامية التي صنعتها الولايات المتحدة وما زالت بشهادة وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون.

    وكانت لافتة جداً زيارة البابا فرنسيس للمرجع الإسلامي الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني في مقرّه المستأجَر المتواضع في الأحياء الشعبية الفقيرة في النجف الأشرف، ولا تزيد مساحته عن ٨٠ متراً مربعاً ومجهّزاً بأثاث الضرورة في حيّ الرسول، يشقّ طريقه سيراً على الأقدام، وفوق كتفيه 84 عاماً من السنين، يتلمّس خطواته في الأزقة الضيقة متأسياً بالسيد المسيح عيسى بن مريم.

وكان قداسة البابا تبلّغ من مكتب المرجع الاعتذار عن عدم استقبال الوفد المرافق، وضرورة أن يقتصر الاجتماع عليهما فقط، وانّ الوفد الرسمي المرافق للبابا طلب تدخل قداسته لحضور اللقاء لكنه نزل عند رغبة المرجع، وعندما دخل البابا الى مكان الاجتماع سُمح للمصوّرين التقاط الصور ثم الانصراف واستغرق ذلك سبع دقائق لم ينطق خلالها المرجع بكلمة واحدة.

وقد حرص السيد السيستاني أن تكون خلوته مع المرجع الضيف من غير وجود أيّ مسؤول رسمي عراقي. وعلى مدى 45 دقيقة كانت جولة صدق وتبصّر واستعراض للقيَم المسيحية الإسلامية الساعية إلى النور وإلى خير الجميع تجسيداً للبشارات ووحدة الرسالات السماوية، وقد عبّر السيد السيستاني عن أسفه للمظالم التي لحقت بالمسيحيين وبمراكز عباداتهم، ما استوجب الفتوى التي أصدرها لمواجهة داعش وتحرير المحافظات التي احتلوها، وقال إنه حقّ للمسيحيين وهم أبناء الأرض أن يعيشوا بسلام وأمان كغيرهم من العراقيين لأنهم يمثلون جزءاً من ثقافة العراق وتاريخه الحاضن للشرائع، ومهداً للرسالات العظيمة من ابراهيم الى موسى الى عيسى الى محمد وسائر الأولياء والصالحين الذين يحتضنهم التراب العراقي من الشمال الى الجنوب.

 وبنهاية اللقاء عبّر البابا عن سعادته بلقاء السيد السيستاني، وأشاد بحكمته وبجهوده لنصرة الأقليات، وهو ما دفعه الى الاجتماع به وقال: شعرت بالاطمئنان وأنا استمع الى سماحته، وتمنى المرجع أن تعلو أصوات المؤمنين مطالبين بالحقوق الإنسانية لجميع البشر في كلّ العالم.

 وكان حديث عن التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية وضرورة إشاعة الإيمان بالله وبالرسالات السماوية والقيم الأخلاقية لمواجهة فجور هذه التحديات والتغلب عليها. وتحدث السيد السيستاني عما يعانيه الكثيرون في مختلف بلدان العالم من ظلم وقهر وفقر واضطهاد ديني وفكري وغياب العدالة الاجتماعية وحصار اقتصادي وتهجير وخاصة ما يلحق بالشعب الفلسطيني، وينبغي على القيادات الدينية والروحية الكبيرة أن تبذل طاقاتها لجعل الحوار والتسامح وفهم الآخر سبيلاً الى انتهاج العدالة.

وكان من الظلم ان تتناقل وكالات الأنباء العالمية خبر اجتياح مناطق المسيحيين في العراق على يد «الدولة الإسلامية» بينما الإسلام هو دين الرحمة والمودة والتسامح وصون النفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق، الداعي الى كلمة سواء بين خلق الله ولا إكراه في الدين.

وصحيح انّ مواطني العراق المسيحيين بحاجة اليوم الى أكثر من أمنيات ومناشدات، لكن زيارة البابا وتجواله على أطلال الكنائس والأديرة المدمّرة أكد على ضرورة وجود مسيحيّي العراق في بلادهم، وهو ما أكده المرجع السيستاني الذي شدّد بدوره على حق المسيحيين في العيش في العراق كغيرهم من العراقيين، وهو ما يكفله الدستور وانّ التطرف والعنف خيانة للدين.

وقد نشرت  CNN الأميركية انطباعات قداسة البابا عن لقائه بالمرجع السيد السيستاني وقال رداً على سؤال عما إذا كان اجتماعه قد يؤدي الى إعلان مكتوب للوحدة مثل توقيع البابا مع إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب في أبو ظبي عام ٢٠١٩، فأجاب «قد يكون ذلك في خطوة ثانية».

   ووصف البابا السيستاني بأنه (رجل الله العظيم الحكيم) وكان من الجيد لروحي مقابلته وشعرت بالفخر أنه رجل لم يقف أبداً لتحية شخص ما، ووقف معي مرتين.

وكشف البابا فرنسيس عن ان رحلته القادمة الى منطقة الشرق الأوسط ستكون إلى لبنان، موضحاً انّ لبنان يعاني ويعيش أزمة حياتية، لقد وعدت بزيارة لبنان، وسُئل عما إذا بإمكانه زيارة سورية وقال إنه لم يكن لديه الإلهام بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى