الوطن

العودة ـ وخطاب العودة… «البناء» في الأول من آذار تستعيد «الثاني» من آذار في «صدى النهضة»

اعتدال صادق
على مسافة وثيقة بين «الذكرى» و»الحدث»… وما بينهما من التقاء البعد المضاعف دلالات ومعنى ومشهداً…
الذكرى أولاً، وهي الاحتفاء بفجر الولادة في الأول من آذار بما هي حفاوة برمز نهضوي استثنائي أرسى فينا قيَماً ومفاهيم نبيلة تستهدف قبل كلّ شيء بناء الإنسان الجديد نحو سمو إنساني خلاق، نحتفي به بوصفه صاحب رسالة ومحيي “نهضة سورية قومية اجتماعية” تعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، ولأجلها فاض حياة… ولأجلها ارتقى شهيداً…
الحدث… هو “العودة” لصاحب العيد، قائد الأمة “المغيّب” قسراً في المغترب البعيد، والعائد على وقع ذاك الاحتشاد القومي الكبير المتدفق شوقاً وشدة إيمان وصلابة الإرادة، ومضاء العزيمة، وانبثاق النهضة، وجريان تيارها في جسم الحزب مجدّداً…
هذا اليوم الموصوف “عودة سعاده” الذي سما في خيالنا، وعواطفنا ورافق وعيَنا، من مرويات الجيل الذي انتمى إلى تلك الفترة الزمنية، حيث أفسحوا لهذا اليوم المشهود في أفئدتهم وعقولهم المكانة الخالدة، وسطروا تفاصيله في تاريخ الحزب والأمة وفي ذاكرتنا، وأشبعوه لنا وصفاً جليلاً…
سعاده العائد بعد رحلة اختيارية حدّد مدتها بسنتين، فتحوّلت الى غياب قسري دام تسع سنوات )1938-1947( بمقتضى حكم مبرم بـ 20 سنة سجن و 20 سنة بتوقيع الحاكم العسكري للاحتلال الفرنسي بتاريخ 20 آب 1940، إلى جانب نشوب الحرب العالمية الثانية…
ها هو يصل إلى أرض الوطن بعد رحلة انطلقت في 2 كانون الأول 1946 واستغرقت حوالي مائة وعشرة أيام قضى منهم 11 يوماً في القاهرة، وكانت عبر ريو دجانيرو، رسيف، دكار، لشبونة، مدريد، تونس، طرابلس الغرب، واخيراً القاهرة، ثم بيروت على متن طائرة تابعة لشركة النقليات العامة اللبنانية «بونكر».
من وسط هذا المشهد «العودة» والاستقبال الشعبي الذي لم يسبق له مثيل…
تستعيد «البناء» هذه الذكرى بمناسبة 119 آذار، إذ تعاود صوغ الإصدار الممتاز لجريدة «صدى النهضة» الناطقة باسم «الحزب القومي» على بعد ستة وسبعين عاماً من اليوم (1947 -2023) احتفاء بعودة قائد الحزب وباعث النهضة في تتبّعها لمسار إيابه، خطوة خطوة، ومحطة محطة، ومن طائرة الى طائرة، وصولاً الى الاستقبال «المنقطع النظير» حشداً وتنظيماً وهيبة، استقبال يليق بالقوميين وبدأبهم الجميل وبمآثرهم في الوفاء، وفي زخم زوبعة تهلل لعودة الزعيم القدوة فكراً ونضالاً وأخلاقاً، وبعظمة المقاصدِ العليا للعائد يحذوهم الشوق والانتظار بعد طول فراق «قسري»، إلا أنه في البال لم يغب…
بأعناق مشرئبّة انتظروه، وبقلوب متأجّجة تلهّفوا لسماع الرأي السديد، وسريعاً دوّى الصوت ملهما في أديم المكان، أنوفاً مهاباً، وقوراً جلياً في «لغة عربية صحيحة أخاذة»… ليكون «فصل الخطاب» من «التبلبل الى اليقين» قيَماً و نهجاً وبهاء، وحزباً معافى، وانتصاراً لحقيقة العقيدة بعد «تخبّط وبلبلة» إلى “عقيدة جلية صحيحة”…
الخطاب هو جلاء الموقف، وما تلاه من «ارتدادات» خطيرة على الساحة السياسية خاصة الأحزاب المعادية والمحرّضة على الحزب وعقيدته التي تلاقت في عداوتها مع أركان الدولة اللبنانية، وقد هالهم هذا المضاء الشامخ عند القوميين في استقبال زعيمهم فلم تتأخر كثيراً وبسرعة تحركت لإصدار مذكرة «التوقيف» الكيدية (لنا عودة لها في عدد آخر) لإحباط الأثر العارم الذي أثاره الاستقبال الضخم للزعيم في نفوس الناس.
غير أنها كانت ارتدادات حميدة على وضع الحزب الداخلي إذ أعادت له بالدرجة الأولى هويته «السورية القومية الاجتماعية»، في حقيقته واتجاهه وأهدافه، وما هي إلا «مسألة وقت» حتى يمضي سعاده في إعادة ترميم البيت الحزبي عقائدياً وسياسياً، وإعادة ضبط المؤسسات، وتبديد الدلالات الخاطئة تجاه «القيَم العيا» التي طرأت على الحزب في غيابه، حاسماً مركزية العقيدة في البناء النهضوي اسماً، وراية، وإدارة، ومدركاً فلسفياً مدرحياً «عقيدة جلية صحيحة واضحة»، عكس ما أريدَ للحزب وكان يُخطط له من «واقع» يخرجه عن «معنى الأمة»، لا يشبه عقيدته، ولا مفاهيمه، ولا غايته الكبرى…

سجلّ «صدى النهضة»
اليوم في هذه الصفحة نعيد إحياء هذه الذكرى استناداً الى «سجل» «صدى النهضة « وأرشيفها المحفوظ بعناية فائقة، ونطلّ على المشهد من مرآة الصحافة كشاهد عيان على الحدث، ومن قلب الحدث والصورة الفورية في بانوراما شاملة.
ومن جلي القول انّ سعاده الفتى الذي وعى الصحافة مبكراً ونشأ وترعرع بين توليفاتها وتفتحت عيناه على عالمها الثري تحت رعاية وعناية والده العلامة الاستثنائي الدكتور خليل سعاده،
وعلى هذا النهج الطليعي والمطامح النبيلة استهلّ أنطون سعاده ومضى على صراط الكلمة وهي عنده لا تُرمى جزافاً بل رؤية وتطلعاً تمهيداً لصياغة فكر نهضوي جديد الى أمته والعالم بأسره، فاستطاع ان يرسّخ مفهومه الفكري العقائدي وإنشاء مدرسة إعلامية ساهمت فعلياً في عملية بعث النهضة وتطورها (منذ تأسيسه مجلة «المجلة» عام 1933 (في الوطن) حتى تاريخ استشهاده 1949، في مدة زمنية لم تتخط 16 عشر عاماً بما تخللها من اعتقالات وسجن واغتراب قسري وملاحقات الى جانب سهره على شؤون حزبه.
وعلى نهج سعاده استكملت المؤسسات الحزبية المتتالية من العام 1949 حتى العام 2009 تاريخ إعادة إصدار جريدة الحزب «البناء».
… وعلى هذا المسار تعاود جريدة «البناء» الإضاءة على الدور الإعلامي الذي أدّته ولعبته «الزميلة» «صدى النهضة» في التغطية الإعلامية لعودة حضرة الزعيم… ونبقى ونستمرّ.
ونتاول في هذا العدد من «البناء»، ما ورد في عددين من «صدى النهضة»: إصدار الاحد 1 آذار 1947 العدد 244 الخاص بالترحيب بعودة الزعيم.
وإصدار الأربعاء 5 آذار العدد 245 الخاص بوصول سعاده الى الوطن ـ حيث ألقى الخطاب الشهير. واللقاء الذي كما وصفه سعاده شخصياً «إنّ هذا اليوم هو أسعد يوم رأيته في حياتي».
بطاقة «صدى النهضة»
«صدى النهضة» التي أصدرها سعاده (1937-1938) والتي توقفت بموجب المرسوم الجمهوري تاريخ 17 أيار 1938 لتعود الى الصدور قبيل عودته (28 كانون الثاني 1946)،
وقد أوْلى سعاده الاهتمام بـ «صدى النهضة» من مغتربه القسري وأشرف عليها مباشرة إثر عودته من المغترب 1947 ليكون لها الامتياز الأول في مواكبة «العودة» منذ اتخذ «القرار»، وفي 2 كانون الأول 1946 حين صعد سعاده القطارمع عائلته مغادراً البرازيل في طريق العودة الى الوطن.
اسم الصحيفة» «صوت البصير» سابقاً،
أصدرها سعاده في عامي 1937-1938،
هويتها: قومية سياسية (صحيقة قومية سياسية يومية)،
أعيد اصدارها في الأعوام 1946 – 1947،
المديرالمسوؤل: فريد مبارك
مديرالإدارة: جبران جريج
تعرّضت للتعطيل من قبل السلطة ثلاث مرات.
«الأستاذ سعاده»…
لا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ «صدى النهضة» كانت تطلّ على الرأي العام على أنها جريدة الحزب «القومي» تعبّر عن أفكاره وتنشر نشاطاته، إلا أنها لم تعلن عن هويتها بصراحة إلا ابتداء من العدد 58 تاريخ 1 أيار من العام 1946، إذ أضيف الى اسمها عبارة: «صحيفة قومية سياسية يومية»، أيّ بما يشبه الشعار الذي تعتمده جريدة «البناء» اليوم (يومية سياسية قومية اجتماعية)، وهذا قبل الإعلان الذي سيرِد أدناه أيّ قبل العدد 17 في الأول من آذار من العام ذاته.
وبهذا المقتضى تمّت الإشارة الى سعاده بـصفة «الأستاذ» لا «الزعيم» حتى أنه لم تتمّ الإشارة إلى سعاده في الخبر على أنه مؤسّس «الحزب القومي».
والأمر ينسحب أيضاً على بيانات قيادة الحزب آنذاك، على سبيل المثال نشر مقال تحت التسمية التالية: «بقلم الأستاذ نعمة ثابت رئيس المجلس الأعلى في الحزب القومي»!
أما البيانات والبلاغات الحزبية فكانت تنشر كما هي الأصول الحزبية في مخاطبة سعاده «بحضرة الزعيم» بصفته المؤسس والمشرع. ولم تحد عن هذه الصياغة «صدى النهضة» أبداً في أيّ منشور حزبي نشرته.
وبالعودة الى أول إشارة عن إمكانية عودة سعاده الى الوطن، ايّ قبل سنة تحديداً من عودته خرجت «صدى النهضة» إلى القراء والرأي العام تتصدّر صفحتها الأولى صورة للزعيم تحت عنوان «الأستاذ سعاده» مرفقه بالنص التالي: «ننشر أعلاه رسم الأستاذ أنطون سعاده، بمناسبة قرب عودته إلى الوطن، وبمناسبة ذكرى عيد ميلاده هذا اليوم. لقد كان من المتوقع ان يكون سعاده في الوطن في هذا اليوم لكن متطلبات نضاله القومي بين اخواننا في المهاجر اقتضت تأخير قدومه لا سيما انّ المهاجر المختلفة كلها تصرّ على مروره بها قبل استقراره في الوطن.
ونحن في هذا اليوم نشارك رفاقه باحتفائهم بذكرى مولده ونرجو له حياة سعيدة، ملأى بالنضال والجهاد».
– البلاغات العشر… تقرع أجراس العودة
– وصل الزعيم
– وفد حزبي يستقبله في مصر
ونشرت الصحيفة بعد هذا الإعلان البلاغات العشر التي صدرت في مسار تتابعي على درب عودة سعاده الى الوطن، والموقعة من عميد الإذاعة فايز الصايغ، في أعداد متفاوتة وصولاً إلى الثاني من آذار 1947… ابتدأت بالبلاغ رقم 1 وصولاً الى البلاغ اليقين رقم 10 الذي حدّد عودة سعاده في 2 آذار… وقد اعتمدت «صدى النهضة» صورة واحدة للزعيم مع كلّ بلاغ التقطت له في العام 1936 ايّ قبل اغترابه القسري لدلالتها الرمزية.. ونثبت هذه البلاغات في هذا التقريركما وردت حرفياً.
البلاغ رقم 1 تاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 1946 بعنوان: من عمدة الإذاعة في الحزب القومي: بلاغ الى القوميين حول عودة سعاده:
أيها القوميون: انّ مجيء الزعيم على الأبواب! فلقد حدّد حضرته، في رسالة وردت مؤخراً الى مركز الحزب: تاريخ مغادرته بلاد الاغتراب المضيافة، متوجهاً نحو الوطن الحبيب!
فكونوا على استعداد !
وستدعون في وقت قريب جداً إلى مهرجان الاستقبال.
البلاغ رقم 2 بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1946
أيها القوميون: إني مكلف ان أذيع بأنّ حضرة الزعيم قد انتقل من توكمان الى بيونس ايرس كخطوة أولى في انتقاله من مغتربه الى الوطن.
البلاغ رقم 3 تاريخ 11 كانون الثاني/ يناير1947 العدد 210
أيها القوميون:
انّ رحلة حضرة الزعيم نحو الوطن قد ابتدأت…
في 30 ترين الثاني/ نوفمبر أقامت مديرية “تكمان” وفريق من المغتربين المحبّذين، مأدبة وداعية لحضرة الزعيم،
في 2 كانون الأول/ ديسمبر غادر حضرة الزعيم “تكمان” بصحبة عائلته إلى بيونس ايرس.
في 20 كانون الأول/ ديسمبرتوجه حضرة الزعيم الى “كردبه” حيث أقيمت له حفلة وداعية في دار”الجمعية السورية – اللبنانية” اشتركت فيها عدة جمعيات ومنها “معهد التبادل الثقافي الأرجنتيني ـ العربي”، وقد ألقى الزعيم في ذلك المعهد ثلاثة أحاديث دراسية اختصّ بها المعهد المذكور.
في 25 كانون الأول/ ديسمبر انتقل حضرة الزعيم الى ضواحي “روكلد” حيث قضى فترة للاستجمام في دار ومزرعة السيد عبود سعاده وعائلته.
سيمرّ حضرة الزعيم بالبرازيل لمدة أسبوع أو عشرة أيام
البلاغ رقم 4 تاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 1947 العدد 211
أيها القوميون:
إني أحذركم من الإصغاء الى سائر الإشاعات والأقوال التي ترد في بعض الصحف، والتي تزعم انّ الحكومة اللبنانية تمانع عودة حضرة الزعيم الى الوطن.
انّ موافقة الحكومة اللبنانية على التأشيرة على جواز سفر حضرة الزعيم لم تكن موضوع بحث.
وإني، إذ أبلغكم هذا النبأ، دفعاً لأيّ التباس، لا يسعني إلا أن أصرح لكم بموافقة حكومتنا الاستقلالية على إنهاء المعاملات القانونية، لذا كانت منتظرة من حكومة وطنية استقلالية مثلها. (نشرهذا البيان على الصفحة 2).
ـ البلاغ رقم 5 تاريخ 21 كانون الثاني/ يناير 1947 العدد 217
أيها القوميون
لقد عاد حضرة الزعيم من رحلته الى “كردبه” (التي ابتدأت في 20 كانون الأول/ ديسمبر، ثم انتقل الى “وركلده” في 25 كانون الأوا/ ديسمبر الى عاصمة الارجنتين في 31 كانون الأول/ ديسمبر.
وبالامس، في 20 كانون الثاني/ يناير، توجه الى البرازيل، لزيارة منفذية سان باولو والنزالة هناك.
لن تستغرق رحلة الزعيم الى البرازيل مدة طويلة،
ـ البلاغ رقم 6 تاريخ 26 كانون الثاني/ يناير 1947 العدد 220
أيها القوميون:
تباعاً للخطة المرسومة بإبلاغكم تنقلات حضرة الزعيم الجليل فإنّ عمدة الإذاعة يسرّها أن تعلن وصول حضرته الى ساو باولو عاصمة الجمهورية البرازيلية نهارالجمعة الواقع فيه 18 كانون الثاني/ يناير 1947،
ـ البلاغ رقم 7 تاريخ 8 شباط/ فبراير 1947 العدد 234
أيها القوميون:
كنت أعلنت لكم في بلاغات سابقة انّ المعاملات المختصة بعودة حضرة الزعيم كانت سائرة سيرها الطبيعي.
ويسرّ عمدة عمدة الإذاعة ان تعلن الآن انّ وزارة الخارجية قد ابرقت في هذا الأسبوع الى الدوائر ذات الصلاحية في المهجر طالبة إليها تسهيل كلّ المعاملات لعودة الزعيم.
ـ البلاغ رقم 8 تاريخ 15 شباط/ فبراير 1947 العدد234:
طار حضرة الزعيم من مقرّ إقامته الموقت في البرازيل متجهاً نحو الوطن في 15 شباط فبرايرالحالي، فوصل الى باريس في 16 منه. وسيكون في القاهرة غداً الاثنين في 17 منه.
وقد طار ظهر الأمس من بيروت الى القاهرة حضرة رئيس المجلس الأعلى الأمين نعمة ثابت، وعضو المجلس الأعلى الرفيق أسد الأشقر لاستقباله.
ـ البلاغ رقم 9 تاريخ 19 شباط/ فبراير 1947 العدد 337
أيها القوميون:
لقد وصل حضرة الزعيم الى القاهرة بعد ظهر الثلاثاء في 18 شباط/ فبراير ونزل في فندق شبرد.
ـ البلاغ رقم 10 تاريخ 26 فبراير1947 العدد242
ايها القوميون
لقد تقرّر نهائياً موعد وصول حضرة الزعيم الى مطار بيروت وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح الأحد الواقع في 2 آذار/ مارس 1947،
لهذا يقتضي تقديم موعد وصولكم الى المطار، عما ورد في تعميم حضرة عميد الداخلية:
عليكم ان تصلوا الى المطار في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح الأحد.
وان تتقيّدوا بكافة التعليمات الأخرى الواردة في تعميم حضرة عميد الداخلية
الترتيبات المركزية للحشود المشاركة
عميد الداخلية: من يخالف يعاقب…
في مراجعة للتفاصيل لجهة الترتيبات المتخذة للاستقبال، بدا واضحا انّ إرباكاً حصل في موعد وصول الزعيم الى مطار بيروت، حيث كان مقرّراً ان يصل إليه في الأول من آذارالموافق يوم السبت بحسب إفادة مراسل النهضة الخاص في القاهرة الذي تساءل (بتاريخ 24 شباط/ فبراير) في رسالة عنوانها «لقد قابلت الزعيم سعاده بالقاهرة، أيكون ببيروت في أول مارس المقبل»؟
وأشار المراسل في الرسالة إلى «أن وفداً وصل القاهرة قادماً من بيروت يضمّ حضرة رئيس المجلس الأعلى للحزب القومي الأمين نعمة ثابت والرفيق أسد الاشقر يوم السبت في 15 شباط/ فبراير الحاضر، وعلمنا منهما أنهما قادمان لاستقبال الزعيم المنتظر وصوله في 17 من هذا الشهر. إلا أنّ الزعيم لم يأت بطريق باريس كما هو مقرّر ومرتب، لأن الطيارة التي أقلته من ريو دجانيرو لم تتمكن بسبب حالة الإقليم الجوية وحاجة بعض محركاتها الى الإصلاح، من متابعة سفرها من لشبونة الى باريس في الوقت المناسب، الأمر الذي دفع سعاده الى ان يستقلّ طائرة أخرى أمريكانية وهكذا وصل الى أوتيل كننتنال في القاهرة في 18 شباط/ فبراير وسط اندهاش الوفد الذي كان في انتظاره»… وأنهى المراسل رسالته أنه من المتوقع وصول سعاده الى بيروت صباح السبت في الأول من آذار. غير أنّ سعاده وصل صباح الأحد في 2 آذار.. ولم يتضح سبب التأخير في مرويات القوميين، والأرجح أنّ السبب يعود إلى أنّ 2 آذار واقع يوم الأحد وهو يوم عطلة الأمر الذي يسمح للوفود بالمشاركة والتحرك من غير تعطيل حركة البلد (تقدير شخصي).
هذا التبديل بموعد عودة الزعيم من 1 آذار الى 2 منه ادّى إلى تعديل الترتيبات ِالتي كان أعدّها وحضّر لها المركز مما اقتضى إجراء التعديلات على التوقيت الجديد واللافت أنها أوعزت الى القوميين بالترتيبات بكافة التفاصيل (المنفذين العامين والمدراء المستقلين) عبر صحيفة «صدى النهضة» وهذا إجراء لم يتبع يوماً في المناسبات الحزبية حتى اليوم. في العادة تكون التعليمات من خلال الأطر الحزبية الداخلية، وهذا الأمر إنْ دلّ على شيء إنما يدلّ على حرية العمل التي كان يتمتع بها الحزب آنذاك خاصة انه كان قد تم ّالترخيص له من وزير الداخلية في حينه كميل شمعون في حكومة رياض الصلح وعهد بشارة الخوري (ولنا عودة لاحقاً الى رخصة الحزب).
وبهذا الصدد، أيّ التأخر بوصول طائرة الزعيم، وجه عميد الإذاعة فايز صايغ تعميماً الى القوميين تاريخ 15 شباط/ فبراير1947 العدد 234 جاء فيه:
ايها القوميون
في ايّ منفذية كنتم وفي ايّ بلد عملتم: انّ يوم استقبال الزعيم قريب:
وهو يوم لن يتخلف منكم أحد عن الاشتراك به، وستردكم التعليمات بصدد مهرجان الاستقبال بالأساليب الرسمية الحزبية كونوا على استعداد.
ولا يتركن أحد منكم مركز إقامته أو عمله، في الليل او النهار، إلا بعد إبلاغ ذويه عن مكانه، حتى لا يتعذر تبليغه عن الموقف مهما كان التبليغ مباغتاً وفي أيّ وقت جاء تقيّدوا بالنظام! وانتظروا!
وقد ألحق هذا البيان بآخر عمّمه عميد الداخلية جورج عبد المسيح بتاريخ 27 شباط/ فبراير العدد 242 أعيد نشره بتاريخ في 1 آذار/ مارس العدد 234 كما ذكرنا للتأخير بطائرة الزعيم، وجاء في تشديد على بنوده التالية:
– أيها المنفذ العام… ايها المدير المستقلّ
– يقوم بقيادة الهتاف الحزبي أشخاص معينون يحملون شارات خاصة محظور الهتاف على ايّ شخص آخر سواهم… كلّ من يهتف يَسكت.
– ممنوع منعاً باتاً إطلاق النارفي أي مكان كان، كل من يخالف يعاقب.
المدير مسؤول عن التقيّد بهذا الأمر.

«صدى النهضة» العدد الممتاز 1 آذار 1947
باسم الشعب: «تشارك القوميين والأمة في الاغتباط بعودة الزعيم الجليل»
بعد ان حسم الأمر وتأكد وصول حضرة الزعيم في 2 آذار سارعت «صدى النهضة» الى تخصيص عدد ممتاز بالمناسبة العزيزة، صدر في 1 آذار 1947 العدد 244، وخرج بحلة مختلفة عن الأعداد العادية وقد جاء في الكلمة التمهيدية للعدد الممتاز:
«إذ كانت النهضة ترغب في مشاركة القوميين بهذا الشعورالنبيل في هذه المناسبة السعيدة وتقوم بقسطها المتواضع في هذه المساهمة بالترحيب باسم الشعب بحضرة الزعيم، فقد فتحت صدرها للقوميين، وخصصت صفحاتها لمقالاتهم وكلماتهم، وتركت لهم أمر تعريف القارئ على الزعيم ومظاهر شخصيته وعبقريته»…
ويسرّ «صدى النهضة» أن تشارك الأمة في الاغتباط بعودة الزعيم الجليل، في عودته السالمة الى الوطن المفدى ـ ذلك الوطن الذي أوقف حياته على خدمته – وفي الترحاب به.
وان تشارك القوميين خاصة في استقبالهم للزعيم المفدى، وتحيّي فيهم ولاءهم له، ذلك الولاء الذي لم ينجح البعد والغياب في إضعافه أو إدخال الفتور اليه، بل زاده شدة وصقلاً… كما تحيّي فهم إخلاصهم لبلادهم ولقضية أمتهم: ذلك الإخلاص الذي عجز المستعمر عن خنقه أو وأده أو كبته.
وعجزت الرجعية عن إذلاله، وعجز الخصم عن تشويه طهارته او استفزازه او تحويله عن المجرى الإيجابي الواعي، الى مجرى فنائي سلبي هدام… وتحيّي في الأمة هذه الفئة الحية من أبنائها، وهذا الزعيم الجبارمن أبنائها، يعملون معاً متعاونين في سبيل أبنائها!»
فايز صايغ: على أتمّ الأهبة
لتلقي التوجيه منك مباشرة الآن!
وقد شارك في الكتابة في هذا العدد الممتاز عدد من أعضاء قيادة الحزب، الا انّ الحيّز الأكبر كان لكلمة عميد الإذاعة فايز الصايغ،
وتحت عنوان «أيها العائد الذي لم يغب» كتب الصايغ: «انّ هذه الجموع التي احتشدت، بنظامها البديع، وصفوفها المتراصة، تترقب قدومك، وتجشمت الصعاب، ووطئت العقبات، كي تحظى بلقياك ورؤيتك، لخير تعبير عن ترحاب الأمة بأسرها بمقدمك… وإنما أوجه لك هذه الكلمة، ساعة تطأ أقدامك أرض الوطن الذي أحببت وتحب، وساعة تجتمع برفاقك الذين أحببتهم فأحبوك، لأعلن لك بالنيابة عن رفاقي ورفقائي، وبالأصالة عن نفسي: انّ القوة التي أيقظتها من مكامنها، ودفعتها للفعل، وابتدأت تفعل، والتي تعهّدتها لتوجيه المداور في غيابك، إنما هي على أتمّ الأهبة لتلقي التوجيه منك مباشرة الآن، بما لك من عبقرية ووعي، فتتوجه نحو الغايات المثلى، وتسخر الوسائل اللائقة، فتتحقق الأهداف المنشودة… ولأعلن لك، أخيراً، انّ الأمة بكاملها تنتظر، وانّ القوميين على استعداد وانّ الظرف مؤات، لحشد قوانا الروحية والمعنوية، وما نملك في سبيل الانطلاق لتحقيق أهداف نهضتنا، وخلق المجتمع الجديد، والحياة الجديدة، والمجد الجديد…
اننا على استعداد، ونحن نعلم ونؤمن أنك أنت أيضاً على استعداد…
(غير انّ الافتراق جاء سريعاً وقبل ان يجفّ حبر الكلمات… وتتبعثرالعواطف والمواقف)
أما الكلمات فجاءت عناوينها على الشكل التالي:
ـ «أيها العائد الذي لم يغب» بقلم فايز الصايغ عميد الإذاعة ـ عميد الثقافة ـ ناموس مجلس العمد – عضو المجلس الأعلى
– «عرفته رجلاً… فزعيماً» بقلم معروف صعب عضو المجلس الأعلى
– «العبقرية الموزونة» بقلم فريد مبارك عضو المجلس الاعلى.
– «كيف أصبحت العضو الأول في الحزب» بقلم جورج عبد المسيح عميد الداخلية – عضو الجلس الاعلى.
ـ «أهلا بالزعيم العائد» بقلم عبد الله قبرصي المحامي عضو المجلس الأعلى
– «يا أبناء الحياة لمن الحياة» بقلم وديع الاشقر وكيل عميد الإذاعة.
– «ماتت الطائفية بمولد الزعيم» بقلم ممتاز الخطيب نقيب محرري الصحافة وناظر الثقافة بمنفذية بيروت.
ـ «رددوا معي… زعيمي، موطني، علمي» بقلم زكريا لبابيدي ناموس منفذية بيروت العامة
إصدار 5 آذار العدد 245 “صدى النهضة» في وصف الاستقبال الكبير…
– الأحد زحفت الأمة الى مطار بيروت ترحب بالزعيم العائد: منقذ الأمة العظيم
– ألوف القوميين الوافدين من عموم مناطق الوطن يؤدون للزعيم التحية القومية
– الزعيم يستعرض القوميين يحيط به أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد
– وصل الزعيم
ما ان وصل سعاده وهبطت الطائرة (وهي تابعة لشركة النقليات العامة اللبنانية «بونكر» ذات المحركين) على أرض «مطار بيروت» عند الساعة العاشرة والعشر دقائق، فكانت «صدى النهضة» منخرطة مع الحشود المحتفلة في تغطية شاملة لهذا اليوم المرتجى، وعنونت بالبنط العريض: «الأحد زحفت الأمة الى مطار بيروت ترحب بالزعيم العائد: منقذ الأمة العظيم».
هذا اليوم الذي قيل فيه الكثير من حيث أنه خرج عن سياق التوقعات حتى عند قيادة الحزب انْ لجهة الأعداد الكبيرة وانْ لجهة التنظيم الدقيق والانضباط العالي الذي تحلى به القوميون، وكان مدار إعجاب وتثمين عند الجهات «المراقبة» والرأي العام والصحافة. بدا للجميع هذا الكمّ العارم من العاطفة التي حفظها القوميون الاجتماعيون لزعيمهم رغم سنوات الغربة.
ولأجل جلاء الصورة العامة لساحة الاستقبال لا بدّ هنا من هذه التوطئة لتنجلي الصورة أمام القارئ لهذا اليوم المشهود فاستعنا بمقتطفات من مرويات القوميين الذين شاركوا وشاهدوا ودوّنوا تفاصيله، ومن هؤلاء الأمين عبدالله قبرصي الذي أفرد له حيّزاً في مذكراته بالتالي: «غطت الجموع رمل بيروت تتزاحم وتتدافع»… «من ذلك اليوم أخذ الناس أمثولة ما نسوها ولن ينسوها الحزب السوري القومي الاجتماعي حزب النظام والقوة وحزب الصمود».. «شكل القوميون حاجزاً طويلاً يتماسكون بالأيدي لكي تبقى الطريق الى المطار حرة. «ولم يسجل حادث واحد مخلّ بالأمن».
ويسجل الامين قبرصي تفاصيل هذا اليوم «الأغر» كما أسماه من لحظة هبوط الطائرة حتى نهاية الاستقبال حيث ألقى الزعيم كلمته ووقف رئيس المجلس الأعلى نعمه ثابت يحيط به أعضاء المجلس وقد انتدبوا الرفيق قاسم حاطوم في الصعود الى مدخل الطائرة لاستقبال الزعيم…
وفي مرويات القوميين ايضاً… انّ سعاده استعرض الحشود من المطار الذي كان موقعه في بئر حسن آنذاك الى حيث مستديرة الكولا اليوم ايّ مسافة كيلومتر وكانت قد أمّت المكان وفود جاءت من جميع المناطق اللبنانية والمدن السورية وصولاً الى القامشلي، ودير الزور، والمدن الفلسطينية، كالقدس وحيفا وغزة، وقد افترشوا الأرض العراء بانتظار وصول الزعيم: «حتى تكاد لا ترى رملاً بل بحراً من الرؤوس» على ما وصف المشهد ميشال فضول صاحب مطبعة الجمّيزة التي سيكون لها الموقع التاريخي في الأحداث في ما بعد.
أما خط الموكب بدأ عند توجه سعاده الى الغبيري حيث منزل مامون اياس بسيارة مكشوفة لصاحبها عبدالله الجميل يرفرف عليها علم الزوبعة وتتقدّمها دراجتان.
وقد تمّ تسجيل هذا الموكب بكاميرا عبدالله الجميل بكامله لكن الفيلم تعرّض للتلف أثناء «التحميض» قبل إعادة ترميمه في ما بعد من قبل ابراهيم يموت في العام 1958.. (انتهت التوطئة)
– خطاب سعاده التاريخي الى القوميين يوم استقباله
– عهد النهضة القومية، والكيان اللبناني، وفلسطين، والجامعة العربية
– اليوم يعرف الملأ أنكم لستم أعداء لبنان!»
ثلاثة عناوين اختارت “صدى النهضة” على صفحتها الأولى تصف المشهد، مع اعتمادها نسق في الإخراج الفني للصفحة نجحت فيه بتحقيق انسياب بصري جمالي وعاطفي، ويعد إصدار مكثف لجهة نقل الاحتفال كاملاً الى جانب متابعة مجريات الأمور السياسية وردور الفعل وقراءتها الخاصة لنقاط الخطاب، وهي الى ذلك تابعت الصحف المحلية في تغطيتها للاحتفال، وتتبع سيل برقيات التهنئة من القوميين والوحدات الحزبية والأصدقاء بعودة الزعيم سواء في الوطن او من أقطار العالم.
اما في التفصيل البصري، نرى عن يسار الصفحة الأولى تتصدّر صورة الزعيم تلك الراسخة في الأذهان يلقي كلمته من على شرفة منزل مأمون أياس تحيط به قيادة الحزب، وفي وسط الصفحة وضمن كادر صورة عميد الإذاعة فايزالصايغ يلقي كلمة الترحيب، وتوزعت صور الاحتفال على الصفحة الأولى كما على التتمة في الصفحات 3 و 4 و 6 منذ لحظة نزول سعاده من الطائرة ومصافحته لقيادة الحزب وتحيته للحشود المستقبلة له، ثم لقائه مع مسوؤلي المناطق والوفود الشعبية، وصولاً الى الغداء في منزل الأمين نعمه تابت.. ثم أقيمت في المساء حفلة عشاء في منزل الأمين فؤاد أبي عجرم.
وعن يمين الصفحة نص الخطاب مع ملاحظة للجريدة بأنها تنشر الخطاب الرسمي «كما أعطتنا إياه عمدة الاذاعة في الحزب القومي «.. مع إشارتها الى انّ «أهمّ نقاط الخطاب الأساسية حصول التأكيد «انّ الكيان اللبناني هو ثابت وراسخ عند الحزب القومي، وهذا التصريح يؤيد تصريحات الزعيم السابقة وموقف القوميين في جميع الأدوار، إذ لم يندمجوا في اية حركة خارجة عن هذا الكيان بتهديمه بل بالعكس دعموه بكلّ قواهم كما يدعمون هذا الكيان الآن في أشدّ أوقات حملة الملك عبدالله بن الحسين لتحقيق مشروعه الخاص في سورية الكبرى». ويلي هذا الشرح خطاب الزعيم كاملاً وكما صار مثبتاً في مدونات الحزب والأعمال الكاملة للزعيم. وأبرز ما جاء فيه:
إنّ عملكم القومي كان أصدق تعبير عن إرادة الأمة في لبنان وفي الشام، وفي فلسطين وفي شرقي الأردن وفي ما بين النهرين.
الكيان اللبناني.. وما هو الكيان اللبناني؟ أهو قالب من حديد يوضع فيه الفكر في لبنان لكي يضمحلّ في نفسه، أم هو دائرة ضمان لينطلق الفكر منها يعمّم الإخاء في الأمة، يعمّم الاتحاد، ويوحّد الصفوف، ويجمع الأمة كلها على مستقبل لا نحيد عنه قيد شعرة.
أيها القوميون الاجتماعيون،
إنّ جهادنا يستمر، ويجب أن تذكروا دائماً أنّ فلسطين السورية، أنّ هذا الجناح الجنوبي، مهدّد تهديداً خطراً. إنّ إرادة القوميين الاجتماعيين هي إنقاذ فلسطين من المطامع اليهودية ومشتركاتها.
ولعلكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ انقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات.
وأعود فأقول إنّ هذه الكيانات يجب أن لا تكون حبوساً للأمة، بل معاقل تتحصّن فيها الأمة وتتحفز للوثوب منها على الطامعين في حقوقها.
إنّ كلمتي إليكم أيها القوميون الاجتماعيون هي العودة إلى ساحة الجهاد.
إيها القوميون الاجتماعيون،
كنت أودّ أن يتسع الوقت لأصافح كلاًّ منكم، كلّ واحد بمفرده وأتعرّف إليه، ولكن الوقت ضيّق. وهذا الوقت لا يكفي، ولكن عزيمتي اليوم، كما كانت في الماضي، أن أقصد مناطقكم وأزوركم فيها.
استقبال منقطع النظير لعائد كبير، لمنقذ عظيم، عزيز النظير ويوم من أيام هذه الأمة الكبيرة الجبارة
بهذه العبارات المبجلة والحفاوة المميّزة وصفت «صدى النهضة» احتفاء القوميين في استقبال زعيمهم والشوق الذي يكنّونه له وقد رصدت هذا اليوم كالتالي:
«شهدت البلاد الأحد أروع استقبال عرفته حتى اليوم، استقبالاً منقطع النظير لعائد كبير، لمنقذ عظيم، عزيز النظير، ويوماً من أيام هذه الأمة الكبيرة الجبارة، السعيدة الخالدة، وشهدت البلاد في غمرة من الغبطة والترحيب، عودة الزعيم سعاده الى الوطن الذي أحبّ، بعد اغتراب تسع سنوات. ففي الصباح الباكر بدأت وفود القوميينمن من عموم مناطق الوطن تتقاطر الى مطار بيروت يحدو بها الشوق، سيول من السيارات الكبيرة والصغيرة، وترفرف عليها الأعلام القومية، وتزخر بالشباب الثائر المتحفز المتحرّر تشقّ هتافاتهم الفضاء تطلقها حناجرهم الفتية شهادة أمة وعهد أمة لقائد امة، منقذ أمة.
وما ان أزفت الساعة العاشرة حتى غطت أمواج القوميين المسافات الرملية الشاسعة المنبسطة على جانبي شارع المطار، صفوفاً متراصة، فرقاً، فرقاً، يرفرف فوق كلّ منها علم الحزب.
وصول الزعيم
وعند الساعة العاشرة والعشر دقائق تماماً حطت الطائرة في المطار وكان أول النازلين منها حضرة الزعيم وكان بانتظاره حضرات أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد في الحزب فعانقهم حضرته واحداً واحداً، عناق الشوق واللقاء بعد تسع سنوات.
… سارالزعيم بين القوميين: تلال من بشر، بل تلال من العيون والقلوب والأيدي، تتحرك كلها معاً، تحيّيه في هتافها وتصفيقها، وتعجز عن ضبط ما يجيش في نفسها من سرور برؤيته بعد هذا الغياب الطويل
ـ أيها الزعيم الجليل: لم تطأ ارضاً… بل وطئت قلوباً ترفرف
ومباشرة تحت خطاب الزعيم صورة لعميد الإذاعة فايزاصايغ يلقي كلمته الترحيبة، وجاء فيها: «لئن وقفت، في هذه المناسبة السعيدة، وفي هذا اليوم الرهيب، لأقول إنّ في قلب كلّ قومي غبطة بمقدمك ونشوة برؤيتك، فأنا اقول حشواً.
ولقد لمست ذلك، ولا بدّ، بنفسك، فانك لم تطأ، منذ هبطت من الطائرة، أرضاً، وانما وطئت قلوباً ترفرف، وحناجر تهتف وتزغرد، وأيدي تصفق، وعيوناً ترافقك أنى تحركت!
ووسط هذا المشهد، تنطق كلمة واحدة تعبّر عن كلّ قلب وكلّ فكر: «أيها الزعيم – اننا على استعداد!»
ولئن شئت شهادة أبلغ من شهادة القلوب والحشد، فإنّ على مرمى الحجر من هذه البقعة يثري شهيد، شهيدنا الأول )يقصد الشهيد ابراهيم منتش)، يشهد على صدق ما أقول: ففي صمته الرهيب شهادة صارخة تقول: «أيها الزعيم: اننا على قسمنا مخلصون – نسير وراءك حتى الموت، لتسير الأمة على جثثنا قدماً نحو الحياة»…
هوامش العدد الممتاز
لم يفت صدى النهضة لحظ التفاصيل التي تواكبت مع هذا اليوم الطويل والمليء بالغبطة، فسجلتها للأمانة التاريخية، ولدلالتها السياسة والعاطفية، و»البناء» تشير هنا إلى هذه التغطية وهذه الهوامش لكي لا يضيع جهد.
ـ يستقبل حضرة الزعيم في داره القائمة في زقاق البلاط في الطابق الثاني من بناية الحاسبيني.. خلال الأسبوع، بعد ظهر كل يوم من الساعة الرابعة حتى السادسة، وكذلك خلال السهرة.
ـ القائد فوزي القاوقجي كان قد وصل مع حضرة الزعيم في الطائرة عينها وتقدّمت منه قيادة الحزب ورحبت به.
ـ عدد من الرجالات دخلوا المطار ليرحبوا بمقدم حضرة الزعيم وكان بينهم الفنان الأستاذ فريد الاطرش (لم تشرالصحيفة إلى أنه كان على نفس الطائرة كما هو شائع).
ـ تلقى مقام الزعامة سيلاً من برقيات التهنئة من مختلف مناطق الوطن والمهجر بمناسبة عودته الى الوطن.
ـ استقبلت على باب المطار فرقة ضهور الشوير الموسيقية، بالموسيقى البلدية تنقل ما في نفس أهالي الضهور بل وفي نفس أبناء البلد عموماً من بهجة وترحاب.
الصحافة المحلية ترحب بالزعيم
تولت “صدى النهضة” متابعة الإعلام المحلي في تغطيته الاستقبال الكبير لمؤسّس الحزب فأعادت نشر ما كتبته تلك الصحف تصغ الاستقبال:
جريدة الشمس 3 آذار 1947 العدد 466
… وترجل من الطائرة حضرة الزعيم الأستاذ أنطون سعاده رئيس الحزب القومي… وما ان أبصره القوميون يترجل من الطائرة حتى دوّى التصفيق وكاد يشقّ عنان السماء… وعلى الاثر قام الزعيم باستعراض عام للفرق القومية التي كان منظرها مدهشاً لما كانت عليه من حسن الترتيب والنظام.
وألقى الزعيم أمام مكبرات الصوت كلمة أعاد فيها الحياة الى نفوس القوميين وجدد عزمهم على مواصلة الجهاد في سبيل لبنان والاقطار العربية.
صحيفة الزمان: صدرت تحت عنوان “شاهدت بيروت امس استقبالاً حافلاً أعدّه القوميون لاستقبال زعيمهم الأستاذ أنطون سعاده.
جربدة النضال: “قام القوميون برفع حلل الزينة ومباهج الغبطة ومظاهر العيد.
جريدة النصر الشامية 4 آذار عدد 823
كان اليوم موعد وصول زعيم الحزب القومي السيد أنطون سعاده الى بيروت فاتخذت الحكومة منذ الصباح الباكر استعدادات كبرى للمحافظة على النظام ودرءاً لوقوع ايّ حادث.
وقد وصلت مطار بيروت سيارات كبرى وصغرى من سائر أنحاء لبنان ومن بعض الأنحاء السورية تقلّ أعضاء الحزب وقد اصطف القادمون حسب نظام وترتيب مدروسين استعداداً لاستقبال زعيمهم؟ وقد تمّ ذلك دون وقوع ايّ حادث..
جريدة النهار: العدد 46 تاريخ 4 آذار
وقف منذ صباح الأحد في خارج مطار بيروت جمهور غفير جداً من أعضاء الحزب القومي تتقدّمهم أعلامهم لاستقبال زعيمهم العائد بعد غياب طويل، وكان رجال الأمن قد انتشروا منذ الصباح الباكر في ذلك المكان منعاً للحوادث فلما أطلّ الأستاذ سعاده استقبلوه بالتصفيق والترحاب وكان كلّ فريق يرسل الهتاف الذي يرسمه قائده بشكل حزبي رائع… فنهنّئ الأستاذ سعاده بعودته، ونسأل له التوفيق في خدمة وطنه.
البيرق تاريخ 3‭\‬4 آذار/ مارس: استقبال القوميين لزعيمهم انطون سعاده، المطار يغصّ بوفود المستقبلين
صرف القوميون هذا الأسبوع بكامله في التأهّب لاستقبال زعيمهم فتنادوا من كلّ الأنحاء تحت إرشاد وإشراف هيئة الدعاية القومية… وزحفت جموعهم صباح أمس الأحد على السيارات الى منطقة المطار ليتاح لكلّ منهم رؤية الزعيم وتحيته.
وتحسّبت الحكومة من جهتها فسيّرت رجالها وعززت منطقة المطار وشوارع المدينة برجال الأمن وأقفلت باب المطار ومنعت الدخول الى ساحة الداخلية كي لا تعرقل حركة الطيران لا موعد وصول الزعيم هو موعد لنزول عدد من الطائرات.
وقد تجمع حول المطار ألوف القوميين وكلهم فرح جزلون لعودة زعيمهم.
وقد استعرض الأستاذ سعاده خارج المطار فرق القوميين واخترق الصفوف الى محلة الغبيري حيث احتشد القوميون… وفي الساعة الواحدة وقف سعاده على شرفة الأستاذ أياس فارتجل خطاباً نقلته مكبرات الصوت.
صحيفة الجمهور تقدّمت من قرائها القوميين بالتهاني الخالصة، وكتبت:
اليوم يعود فتى الربيع فلا تقف سلطة دون عودته والترحيب به واستقباله فسبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر! وخصوصا على هذا البلد.
صباح الأحد، كانت جوانب مطار بيروت مسرحاً لحركة وتجمعات فلقد أقبلت مئات السيارات وأقبل معها ألوف الشباب من جميع الأقاليم لاستقبال الأستاذ انطون سعاده زعيم الحزب القومي بعد غياب طال أمده.
وامتازت الاستعدادات بالتنظيم الرائع والهدوء الشامل وكانت كلّ مديرية تلتف حول علمها على نحو جميل، وكان أركان الحزب في المطار ينتظرون الطائرة المحلقة في الأجواء التي تحمل زعيم وفكرة شباب، وما ان أطلت الطائرة حتى خفقت قلوب الآلاف وتعلقت أبصارهم بجناحيها وطغى الحنين والشوق على العيون وما كادت تتوسط أرض المطار حتى أطل منها الزعيم العائد فاستقبل بعاصفة من الهتاف المنظم داخل المطار وخارجه فنزل من الطائرة بخطوات وطيدة قوية وعانق مستقبليه، وخرج من المطار يستعرض فرق الحزب المختلفة وسار معهم مشياً على الأقدام مسافة طويلة، ثم استقل سيارته مع أركان الحزب الى دار الأستاذ نعمه ثابت رئيس المجلس الأعلى وهناك بعد استراحة قليلة أطل على أعضاء الحزب والجماهير الغفيرة وألقى خطاباً حدّد فيه أهداف النشاط الحزبي الاجتماعي وكانت مقاطع الخطاب تقاطع بالهتافات والتصفيق…
الترخيص للحزب: بين مسمّى «الحزب القومي» و»الحزب السوري القومي الاجتماعي»
في تاريخ 17 آذار 1936 صدر مرسوم – بحلّ الجمعية المسماة “الحزب السوري القومي”. التوقيع إميل اده (رئيس الجمهورية بعهد الانتداب – 20 يناير 1936 – 22 نوفمبر 1943 ) وذلك غداة السنة الثالثة على تأسيس الحزب وانتشاره الواسع كما تفيد السردية التاريخية للحزب.
وبحسب المعطيات أعلاه تشير إلى أنّ الانتداب الفرنسي والسلطة اللبنانية في ظله كانا يطلقان على الحزب التسمية التي أطلقها انطون سعاده على حزبه في حينه ايّ «الحزب السوري القومي» ولم يكن سعاده قد أضاف صفة الاجتماعي على اسم الحزب آنذاك، وترسخت هذه التسمية «الحزب السوري القومي» في الأوساط السياسية والمجتمع وفي الوعي الحزبي والقومي العام.
اول رخصة علم وخبر ـ بعد الانتداب.
خلال وجود سعاده في مغتربه القسري حصلت قيادة الحزب برئاسة نعمه ثابت، بتاريخ 2 أيار 1944 وبموجب العلم والخبر رقم 614 رخصة بمسمّى «الحزب القومى». (سحبت على اثر الثورة القومية الأولى 1949، وإعلان حلّ الحزب)
الأمر الذي أثار تحفظات القوميين الاجتماعيين، ما دفع ثابت إلى إصدار بيان يطلب فيه من القوميين التمييز بين «ما هو أساسي وما هو أصلي»، وقد عبّر سعاده عن عدم اعتراضه على التسمية في رسالة وجهها الى نعمة ثابت (20 نيسان 1946) «أوافق على اكتساب الرخصة الحكومية وإيجاد حالة من الاستقرار والاطمئنان تمكن الحزب من زيادة قوته الشعبية وإظهارها بحرية، ولأنّ الوعي القومي وفهم غاية الحزب الأخيرة قد حصلا في أوساط واسعة».
الرخصة الثانية في 16 أيلول العام 1958
أعطت وزارة الداخلية العلم والخبر التالي بتأسيس «الحزب القومي الاجتماعي»
(سحبت واعلن حلّ الحزب اثر الثورة القومية الثانية 1962)
وبقيت التسمية في هذه الرخصة أيضاً تحمل «الحزب القومي» أضيف عليها الاجتماعي.
وبهذا الصدد أعادت «النشرة الرسمية» عن شهر كانون الأول 1958، ما ورد في النشرة الرسمية الصادرة عن المركز في بيروت بتاريخ 15 شباط 1948 بإشراف الزعيم، وأوردت توضيحاً لهذه التسمية، جاء فيه:
“إنّ الحزب هو الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو الحركة السورية القومية الاجتماعية ذات القومية السورية والنظرة القومية الاجتماعية إلى الحياة والكون والفن.
ولكن هذه الحركة التي أصبحت معروفة القومية والتي تعمل إيجابياً وحيث ما أمكن، في طول سورية الطبيعية وعرضها ـ سورية القومية الاجتماعية ـ لم تعد في حاجة إلى إعلان قوميتها في الأمور والمعاملات الداخلية. وصار من البديهي حين نقول: «الحركة القومية الاجتماعية» ألا نفهم إلا انّ هذه الحركة هي سورية”
و لم ينل الحزب رخصة للعمل في لبنان باسمه الصريح إلا بتاريخ 13 آب 1970 صدر “علم وخبر” رقم 716/ أ.د عن وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط، وجاء في نصه…
اسم الجمعية: الحزب السوري القومي الاجتماعي.

الزوبعة رمز الحزب ورايته الرسمية

“العلم الحزبي” المستحدث في العام 1945 والذي ظهر بكثرة في مهرجان العودة الى جانب علم الزوبعة لم يستمرّ استعماله لفترة طويلة، إذ عمد سعاده، بعد عودته الى الوطن، الى إبطال العلم المستحدث والعودة الى رمز الزوبعة، ودعوة فناني الحزب “الى وضع تصاميم لعلم الزوبعة”، وقد صدر هذا الأمر رسمياً عن الزعيم بموجب “بلاغ”، و”تعميم” وفي ما يأتي النص الحرفي لهما:
بلاغ من مكتب الزعيم 10
صدر مرسوم الزعيم بتاريخ 14 آب 1947 بإلغاء جميع المستحدثات الإدارية والسياسية التي أنشئت في غياب الزعيم.
وإبطال العلم المستحدث والعودة الى رمز الزوبعة الذي استشهد تحت خفقه عدد من أبطالنا في فلسطين ولبنان والشام، وفي المعارك التحررية في سبيل القضية القومية الاجتماعية المقدسة. وتعلن ناموسية مكتب الزعيم أيضاً أنّ مراسيم تفصيلية قد صدرت بهذا العدد الى الهيئات الإدارية، تبلّغ بالطرق الحزبية.
وجاء في بلاغ صدر عن مكتب الزعيم في 24 آب 1947:
يُطلب من جميع الفنانين في الحزب لمدة شهر من تاريخه وضع تصاميم لعلم الزوبعة بخطوط فنية ضمن الأصل المقرّر من زوبعة حمراء في دائرة بيضاء على رقعة سوداء تحتمل خطوطاً أو اشعاعات بيضاء بصور وأشكال.
 وكان علم الحزب تعرّض، أثناء غياب الزعيم الى التعديل والتغيير، بإيعاز من مجلس العمد والمجلس الأعلى لرسم “العلم الحزبي الجديد “ الذي كلف به وأنجزه الرفيق ابراهيم يموت ناموس الإذاعة بناء على طلب رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى