أولى

إلى الرئيس ميشال عون:
استخدم صلاحيّاتك الدستوريّة
لتفادي سرقة ثروة لبنان النفطيّة

 د. عصام نعمان*

 

إلى خسارته مليارات الدولارات من المال العام المنهوب، وتفاقم مديونيّته العامة، وتفجير مرفأ بيروت بكلّ مرافقه، وتدمير شطرٍ من العاصمة، يبدو لبنان اليوم على حافة خسارة ثروته النفطيّة والغازية الكامنة في قاع مياهه الإقليمية الملاصقة للمنشآت النفطية الإسرائيلية. لماذا؟

 لأنّ «إسرائيل» لزّمت شركة «انرجيان» اليونانية الحفر في مساحة لا تقلّ عن 2290 كيلومتراً مربعاً من المياه الإقليمية اللبنانية غنيّة بالغاز بغية ضمها الى حقل «كاريش» الإسرائيلي المحاذي لها.

 الجدير بالذكر أنّ المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و«إسرائيل» برعاية الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية بينهما كانت توقفت أخيراً بعدما رفض الجانب الإسرائيلي مذكرة لبنان المشفوعة بدراسة طوبوغرافية أعدّتها مؤسسة بريطانية وتبنتها مديرية الهندسة في الجيش اللبناني بالاستناد الى ثلاث مرجعيّات رسمية: (1) اتفاقية «بوليهنيوكمب» لسنة 1923 المعقودة بين فرنسا المنتدبة من عصبة الأمم على لبنان، وبريطانيا المنتدبة على فلسطين لترسيم الحدود بين البلدين و(2) اتفاقيّة الهدنة لسنة 1949 بين لبنان و«إسرائيل» و(3) قانون البحار لسنة 1982 الذي وافق لبنان على اعتماد أحكامه بينما امتنعت «إسرائيل».

 المشكلة أن «إسرائيل» تبتغي استئناف الحفر في منطقة متنازع عليها سبق للبنان أن حدّد مياهه الإقليمية فيها بموجب المرسوم رقم 6433 واودعه الأمم المتحدة سنة 2011، وأن الولايات المتحدة تجاري «إسرائيل» في مسألة المنطقة المتنازع عليها بمساحتها البالغة 860 كيلومتراً مربعاً، وكانت كلفت احد ديبلوماسييها، فردريك هوف، التوسط بين الجانبين لتسوية النزاع فاقترح اعطاء لبنان 500 كيلومتر مربع من تلك المساحة و«إسرائيل» ما تبقّى منها، الأمر الذي رفضه لبنان.

 كان من المفترض ان يعدّل لبنان أحكام المرسوم رقم 6433/2011 الذي تجيز للحكومة التعديل اذا ما توفّرت لها معطيات جديدة لمصلحتها، خصوصاً بعدما جاءت الدراسة الطوبوغرافية البريطانية توفّر هذه المعطيات المدعومة بالمرجعيات القانونية الرسمية الثلاث سابقة الذكر. غير أن استقالة حكومة حسان دياب بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/ اغسطس الماضي ومعارضة بعض المراجع الرسمية تعديل المرسوم المذكور بدعوى تعارضه مع «إطار التفاوض» المعتمد من الجانبين اللبناني والإسرائيلي نتيجةَ تدخل الولايات المتحدة واحتمال قيامها بمعاودة دعم «إسرائيل» في النزاع العالق في حال اصرار لبنان على تعديل المرسوم رقم 6433/2011، كل هذه الأمور جمّدت تعديله وأبقت لبنان تالياً عرضةً لخسارة المزيد من ثروته النفطية والغازية اذا ما استأنفت «إسرائيل» اعتداءها على المنطقة اللبنانية الاقتصادية الخالصة. ما العمل؟

 من الواضح أن الجيش اللبناني ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون تبنّيا الدراسة الطوبوغرافية البريطانية ووافقا تالياً على تعديل أحكام المرسوم رقم 6433/2011 بمرسوم جديد وإيداعه الأمم المتحدة لصون حقوق لبنان في مياه إقليمية لا تقلّ مساحتها الإجمالية عن 2290 كيلومتراً مربعاً. لذلك، ولأن قيام «إسرئيل» مجدداً بالحفر داخل مياه لبنان الإقليمية يحرمه ثروةً نفطية وغازية ضخمة تكفي للوفاء بديونه وإنقاذه من أزمته الاقتصادية الخانقة، فإنه يتوجب على رئيس الجمهورية سنداً لصلاحياته الدستورية (المادة 49) مسؤولية المحافظة على استقلال لبنان وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، والمبادرة تالياً بوصفه رئيس المجلس الأعلى للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة الى دعوة المجلس المذكور للانعقاد بحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والمالية والخارجية والأشغال العامة لاتخاذ قرار بتعديل المرسوم رقم 6433/2011 بمرسوم جديد يوقعه جميع المسؤولين الحاضرين، ويصار تالياً الى ايداعه الامم المتحدة.

 لا يردّ علينا بأن الأحكام الدستورية تقضي بأن يجري تعديل المرسوم 6433/2011 في مجلس الوزراء الذي لا سبيل الى انعقاده لكون الحكومة مستقيلة، ذلك لأن لا نصّ دستورياً يشترط، لتعديل المرسوم المذكور، أن يتمّ الامر في جلسة لمجلس الوزراء. فالمادة 65 من الدستور لا تتضمّن اية اشارة الى أن موضوع المرسوم المذكور هو من المواضيع التي تستوجب موافقة ثلثي اعضاء الحكومة خلال جلسة يعقدها مجلس الوزراء. ثم أن الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد تتطّلب اعتماد نظرية الظروف الاستثنائية التي تقضي بأن الظرف الاستثنائي يستوجب اتخاذ قرار استثنائي. أليس تعديل مرسومٍ لضمان عدم التعدّي على سيادة البلاد واراضيها ومصلحتها العامة يعتبر قراراً استثنائياً يستوجبه اعتداء ماثل على سيادة الدولة واملاكها في مياهها الإقليمية؟

 هنا ينهض سؤال: ماذا لو تعذّر، لسبب او لآخر، إصدار مرسوم بتعديل المرسوم 6433/2011، فهل يعقل أن يترك المسؤولون سيادة الدولة وحقوقها المشروعة ومصالحها الحيوية عرضةً لاستباحةٍ سافرة من عدوٍ او حتى من مجرد شخص ثالث.

 أرى أن يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحكم صلاحياته سنداً للمادة 49 من الدستور ولكونه بموجبها القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإعلان على الملأ انه يعتبر المياه الإقليمية اللبنانية لا تشمل القطاع Block 9 فحسب بل كامل المساحة البالغة 2290 كيلومتراً مربعاً وفق المذكرة والدراسة الطوبوغرافية المقدمتين في آخر اجتماع للمفاوضات غير المباشرة التي جرت بين لبنان و«إسرائيل»، والمدعومتين بالمرجعيات الرسمية الثلاث المشار اليها آنفاً.

 لعله من المفيد أيضاً ان يقرن رئيس الجمهورية إعلانه بالقول إن الجيش اللبناني مكلّف أساساً بموجب قانون الدفاع الوطني بالردّ على أيّ اعتداء تتعرّض له أراضي لبنان وسيادته ومصالحه.

 هذا الإعلان بشقيه القانوني والسياسي يتطلب بالضرورة اتفاقاً بين الرئيس عون وحلفائه السياسيين، لا سيما حزب الله، على مشاركة المقاومة الجيش اللبناني في الردّ على «إسرائيل» عند قيامها بأيّ اعتداء، وأنّ الردّ قد يستهدف المنشأة النفطيّة «الإسرائيلية» في المنطقة البحرية المتنازع عليها.

غير أنّ أسئلة ملحاحةً تنهض في هذا المجال:

ـ هل يُقدم الرئيس عون فعلاً على اتخاذ التدابير المنوّه بها آنفاً، وهل يستطيع أن يتحمّل ما قد يترتب عليها من تداعيات سياسية وأمنية؟

ـ هل المقاومة على استعداد للانخراط في المواجهة السياسية والعسكرية عندما يُقدم عليها الرئيس عون؟

ـ ما مدى قوة الردّ الذي يمكن أن تقوم به المقاومة، وكيف ستكون ردّة فعل «إسرائيل» عليها؟

ـ ثمة هجمة سياسية وإعلامية واسعة يتعرّض لها الآن التكتل السياسي العوني كما حليفه حزب الله، وقد تتطور الى اضطرابات أمنية، فهل يسمح حزب الله لنفسه بالقتال على جبهتين: الأولى ضدّ «إسرائيل» والثانية ضدّ خصومه في الداخل؟

ـ هل يمكن أن تتطور المواجهةاذا ما حدثتالى اشتباك بين «إسرائيل» وإيران؟

 الى ذلك، ثمّة سؤال إضافي إيجابي يطرح نفسه: هل يشكّل كل ما جرى ويجري حاليّاً من مساوئ وأخطار حافزاً لأطراف المنظومة الحاكمة وخصومها لتدوير الزوايا والإسراع في تأليف حكومة وطنية متوازنة يكون من شأنها تنفيس الاحتقان السائد على جميع جبهات الصراع؟

*وزير ونائب سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى